مهى عون/سورية ولبنان في مركب المحكمة الدولية من جديد

207

سورية ولبنان في مركب المحكمة الدولية من جديد

مهى عون/السياسة/23 تشرين الثاني/14

نذ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ورفاقه في 14 فبراير عام 2005 وما شهدته الساحة اللبنانية من اغتيالات لاحقة, ما زال لبنان يتخبط في مستنقع المراوحة السياسية والتوتر الأمني وضياع البوصلة. وقبل طلب العون من المراجع القضائية والاستقصائية الدولية النظر في قضية الاغتيال وإنشاء محكمة دولية لهذا الغرض, كان من المسوغات القوية لهذا الطلب حادثة تعمُّد مسح مسرح الجريمة من الأدلة كافة على يد من كان قيماً على السلطة, آنذاك, التي بعد إماطة اللثام عنها وإعلام الأمم المتحدة, تم تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق عاينت ما تبقى في مسرح الجريمة, وأنهت مهمتها بتوجيه أصابع الاتهام إلى أجهزة الاستخبارات السورية واللبنانية المسيطرة على الأرض في لبنان عند وقوع الجريمة. ورغم نفي النظام السوري, وقتها, أي ضلوع له فيها, عمدت الأمم المتحدة نزولاً عند رغبة الحكومة اللبنانية, وبتاريخ 30 مايو 2007, إلى إنشاء محكمة دولية خاصة للتحقيق في هذه الجريمة بموجب قرار يحمل الرقم 1757, على أن يضطلع لبنان بتكاليفها, فثارت لهذا الأمر ثائرة الوزراء الشيعة المؤيدين لسورية والمشاركين في الحكومة في ذلك الوقت. ومع عقد المحكمة جلساتها دورياً لسماع الشهود, من كل الأطراف, توصلت إلى إدانة من سموا “الضباط اللبنانيين الأربعة” ولكن من دون إدانة مباشرة للنظام السوري أو لرئيسه, إلى أن أعلنت أجهزة المحكمة في الآونة الأخيرة, وفي سياق استجوابها السياسيين اللبنانيين ومنهم الوزير مروان حمادة, ان رقم الرئيس السوري موجود على شبكة هواتف بعض المتهمين بهذا الاغتيال, وهو أمر بات يؤشر إلى منعطف جديد في مسار المحكمة حمَل كثيراً من اللبنانيين والسوريين كذلك, إلى تجديد الأمل بتبيان الحقيقة, معتبرين أن هذه المعلومات ربما تشكل هذه المرة “مفصلاً تاريخياً” للقضيتين اللبنانية والسورية, نظراً الى ترابط المصير بين البلدين الجارين, وللأهمية الكبرى لسماع المحكمة شهادات سياسيين عايشوا هذه الفترة, في وقت اكتفت في السنوات السابقة بالنظر في التسجيلات المتوافرة, ناهيك عن الاستماع إلى الشهود, وشتان… شتان بين المعلومات التي في حوزة من عايش فترة ما قبل الاغتيال وصاحَبَ شخصياتها, وبين معلومات الشهود البعيدين, فهي حتماً أغنى وأكثر كثافة وأوفر بالمعطيات والمعلومات, ما قد يساهم في إعطاء مسار المحكمة دفعاً إضافياً يؤدي في النهاية, إلى مزيد من البلورة لصورة من يقف وراء الاغتيال ومن دبره ومن خطط له ومن نفذه. ولعل ما كشفه الوزير السابق مروان حمادة خلال شهادته في الأيام الأخيرة, يُعطي فكرة مسبقة لما يمكن أن تستفيد منه المحكمة الدولية, في حال توالت شهادات مسؤولين لبنانيين آخرين لم يعارضوا الإدلاء بشهاداتهم, منهم النائب وليد جنبلاط, ورئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة, والنائب باسم السبع ومستشار الرئيس الحريري هاني حمود وسواهم, وهي شهادات سوف تترك من دون شك بصمات مفصلية على مجرى التحقيق وتداعياته على الساحتين اللبنانية والسورية, مع تأثير قد يكون دراماتيكياً, في حلحلة القضية السورية, وما قد ينتج عنها على الصعيد اللبناني من ردات فعل, قد تساهم في تغيير موازين القوى المسيطرة.

والجدير بالذكر في هذا المجال, أن هذا التغيير الطارئ في مجرى التحقيق يتزامن بشكل لافت, مع البحث الدولي في مصير الرئيس بشار الأسد في المفاوضات الجارية بين أطراف الحلف الدولي وروسيا وايران, والذي بات بنداً مدرَجاً في كل المفاوضات حول مختلف الملفات, من الملف النووي الإيراني إلى ملف “داعش” وصولاً إلى الطرح الجديد المنتظر من المبعوث الدولي ستيفان دو ميستورا, خصوصاً أن مختلف المراجع الدولية باتت تُجمع على ضرورة عدم احتساب أي دور للأسد في مستقبل سورية, فكَيف إذا أضيف اتهام الأسد مباشرة بالتحضير, أو الإيعاز بارتكاب جريمة 14 فبراير 2005 (?!!) في وقت نشهد المزيد من التصريحات التي تصب في الخانة ذاتها, قد لا يكون آخرها, قول الرئيس الأميركي باراك اوباما نقلاً عن مسؤولين في الإدارة الأميركية, إنه “طلب من فريق مستشاريه للأمن القومي إعادة النظر في الستراتيجية المتبعة في سورية, بعدما تبين له أن النصر على “داعش” في العراق لا يمكن أن يتحقق, إلا في حال حصول عملية انتقال سياسية للحكم في سورية, وخروج بشار الأسد من السلطة”, يمكن الركون لاستنتاج مفاده, أن الرئيس أوباما بات يعترف بأن الستراتيجية التي تقوم على محاربة “داعش” في العراق أولاً, ثم محاربة مقاتلي التنظيم في سورية, لن تقوم من دون التركيز أيضاً على الإطاحة ببشار الأسد. وضمن هذه التصاريح المتزامنة مع انعقاد المحكمة الدولية, يأتي طالب مندوب المملكة العربية السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي مجلس الأمن وضع “حزب الله” على قائمة المنظمات الإرهابية, مجدداً التزام السعودية التعاون الدولي للقضاء على الإرهاب, حيث أكد المعلمي أن الرياض ماضية في مواجهة الإرهاب على كل الأصعدة, مشيراً إلى أن السعودية كانت في طليعة الدول التي بادرت إلى مواجهة الإرهاب, وموضحاً أن المملكة حذرت وفي مناسبات عدة من تفاقم الوضع في سورية, غير أن المجتمع الدولي بقي صامتاً ولم يستجب هذه الدعوات بالشكل المطلوب, لافتاً إلى أن خطر المقاتلين الأجانب لا ينحصر في الدول التي يمارسون فيها أعمالهم, بل يتعدى الحدود ليطال العالم أجمع بأسره, مشدداً على أهمية التعاون الدولي والإقليمي لمكافحة هذه الظاهرة.

وفي إشارة الى “حزب الله” وللدور المطلوب منه في مجريات التطورات الحاصلة, تزامناً مع انعقاد المحكمة الدولية, صدر كلام لرئيس “اللقاء الديمقراطي” اللبناني وليد جنبلاط, بعد عودته من موسكو في الثامن من الشهر الجاري, يفيد بأن “أيام تواجد “حزب الله” في سورية باتت معدودة, وسيأتيه الأمر قريباً للانسحاب من هناك قائلاً: “لو أن السيد حسن نصر الله اطلع على لقاءات مسقط وما دار فيها بين طهران وواشنطن, لما بقي ساعة أخرى على الأراضي السورية, مضيفاً: “ان الشهرين المقبلين سيكونان حاسمين في عمر النظام السوري”, مشدداً على “ضرورة عزل الدروز عن أخطر مرحلة من مراحل الصراع”. وما يمكن فهمه من كلامه هو أنه ومن الناحية النظرية, قد يكون من الممكن أن تكون إيران قدمت تنازلات بخصوص ملفها النووي, وهو ما يرجح أن تكون جائزتها على مثل هكذا فعل هو في سورية, أو في منطقة الشرق الأوسط عموماً. لذا قد لا يكون مستبعداً واستناداً الى كل هذه المجريات والمعطيات, زمن العدالة غير بعيد المنال وأنه فعلاً على الأبواب. عدالة تستند إلى القانون الدولي وتشكل فعلاً منعطفاً, بمعنى أننا قد نكون فعلاً هذه المرة على موعد مع بداية النهاية لحالة الإفلات من العقاب, تلك الحالة التي تحكمت بلبنان والمنطقة على مدى عقود.