قائمة الإرهاب الصادرة بمرسوم حكومي في دولة الإمارات، أثارت حفيظة قياديين في الإسلام السياسي ولم تحفزهم على التأمل في مسار كارثي يدفعون المسلمين إليه في الأوطان وفي المغتربات، وبلغ الأمر بـ «جبهة العمل الإسلامي» في الأردن الى تخوين، بل تكفير الجهة التي أصدرت القائمة، حين تدمج «الجبهة» الإسلام السياسي، الذي يخطئ كثيراً ويصيب قليلاً، بالدين الإسلامي القائم على الإيمان بالله والرحمة بمخلوقاته، فتؤكد «أن دين الله عزّ وجلّ لن يطفئه قرار ظالم»: أين هي القرارات الظالمة حقاً؟
والحال أن القائمة تهدف، فضلاً عن تأمين مصالح الإماراتيين ومعهم العرب والمسلمون، الى حفظ الدين الإسلامي ممن أمعنوا في استغلاله سياسياً وأمنياً واقتصادياً وأساءوا ويسيئون إلى صورته في عيون الآخرين.
تضم القائمة 83 هيئة تحمل عناوين دينية أو خيرية أو اجتماعية، وفضلاً عن المجال العربي، تحدد القائمة هيئات «إرهابية» تحمل شعار الإسلام في دول أجنبية هي: باكستان، الهند، إيران، أوزبكستان، الشيشان (في روسيا الاتحادية)، الفيليبين، مالي، نيجيريا، إيطاليا، فرنسا، ألمانيا، صربيا، بلجيكا، بريطانيا، السويد، النروج، الدنمارك، فنلندا والولايات المتحدة الأميركية.
ولا نعتقد أن الاتهام بالإرهاب سياسي، فأن تصدر القائمة عن دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة، فهذا يعني أنها تحققت من عناصر الاتهام بالإرهاب، إما مباشرة أو بالتنسيق مع حكومات ومؤسسات أمنية وحقوقية في الدول حيث تنشط الهيئات المتهمة. وهنا تبدو القائمة بمثابة إخبار قانوني يدعو الدول المذكورة للتحقيق، في إطار قوانينها، مع القائمين على الهيئات الواردة في اللائحة. نحن هنا أمام إخبار غير مسبوق حتى في إطار التعاون الدولي في إطار الأنتربول.
ومن الجديد في القائمة أنها تفتح ملف الجاليات الإسلامية في العالم وتنكأ جراح مسلمين مهاجرين لا يجدون مكاناً للصلاة وأداء شعائر دينهم إلا بإشراف رجال دين مستوردين من العالم العربي أو الإسلامي يمثلون الإسلام السياسي، ويدافع أكثرهم عن الإرهاب ضاخّاً في المغتربين المسلمين مشاعر الكراهية والعداء تجاه أوطانهم الجديدة ومواطنيهم من الأديان الأخرى أو من غير المتدينين. ومع انتشار قائمة الإرهاب سيسمع العالم العربي أصوات مسلمين مهاجرين كان يصم أذنيه عن سماعها. وقد رأى بعض هؤلاء حلاً لمشكلتهم في أن يؤم الصلوات مهاجر متدين عادي، ويرون ذلك أقرب الى الإيمان من امام مستورد يشحن المسلمين بأفكار تتعارض مع إيمانهم وتؤذي مصالحهم.
قائمة الإرهاب الإماراتية تستحق مزيداً من الدرس والمتابعة، في إطار الالتزام بالقانون وحقوق الإنسان. وتقع المهمة الأولى على دولة الإمارات نفسها المدعوة للتحقق من القائمة سنوياً فتسقط منها أسماء هيئات تخلت عن تأييد الإرهاب وتدرج أسماء هيئات أخرى، لأن الإرهاب يتكاثر ويمتد ولا يكتفي بالمساحة التي يحتلها. وربما تشارك في عملية التحقق المعقدة تلك، شخصيات وهيئات إسلامية تحظى بالثقة، فضلاً عن حقوقيين دوليين ومعنيين بالحريات الدينية في العالم. إنها مهمة إسلامية وإنسانية صعبة، ولكن لا بد منها.