علي حماده/في لاهاي المناخات المحيطة بالاغتيال

270

في لاهاي المناخات المحيطة بالاغتيال
علي حماده /النهار

18 تشرين الثاني 2014

مع انطلاق المرحلة الثانية من المحاكمة في جريمة اغتيال رفيق الحريري، وهي الخاصة برسم المشهد السياسي الذي اغتيل في ظله، والتي تشكل في مضمونها العميق تصويراً للنيات الجرمية التي أدت الى اتخاذ القرار باغتيال الحريري ظهر الرابع عشر من شباط 2005، بدا للمراقب أن المحكمة توسعت في تدقيقها في كل عناصر الجريمة، فلم تكتف بالعناصر التقنية للجريمة – على أهميتها – بل قررت الذهاب أبعد من ذلك، وخصوصاً أنها استندت الى قرارات مجلس الامن ذات الصلة بالجريمة، وما أعقبها من تشكيل لجنة تحقيق دولية، ثم انشاء محكمة خاصة بلبنان وصفت جريمة اغتيال رفيق الحريري بالجريمة الارهابية. وهذا يعني حكماً أن جريمة اغتيال الحريري التي لاحظ اللبنانيون أن المحاكمة في مرحلتها الأولى حصرت الأمور من خلال تلاوة المدعي العام للقرار الاتهامي بالجانب التقني البحت، كانت ستتجه في وقت من الاوقات الى الجانب السياسي الذي يضيء على المرحلة التي سبقت اغتيال الحريري.

في المرحلة الثانية من المحاكمة الغيابية، كانت شهادة مروان حماده أولى الشهادات التي ستكشف جانباً من أسرار تلك المرحلة، وهي في جانب منها مساهمة في كتابة تاريخ لبنان، أياً تكن نتائج المحاكمة لاحقاً. والمهم هنا أن البوصلة الحقيقية لم تضع، فرفيق الحريري لم يقتل لأسباب خاصة، ولم يكن المتهمون الخمسة ذوي مصلحة شخصية في اغتياله، ولا كانوا يستحوذون خارج اطار مهماتهم الأمنية والعسكرية والحزبية على كميات ضخمة من المتفجرات، ولا كانوا كأفراد معزولين عن اطار تنظيمي أوسع وأكبر. وبالتالي من المهم السير بالمحاكمة على خطي سير متوازيين: الأول تقني بحت، والثاني وصفي للمناخات والأجواء التي كانت سائدة تلك المرحلة، والتي منها يمكن فهم سر القرار الكبير الذي اتخذ لقتل الحريري.

في شهادة مروان حماده رواية من أحد صانعي الحدث الى جانب رفيق الحريري ووليد جنبلاط اللذين شكلا مع البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير الثلاثي الاستقلالي الذي كان يعمل على تحرير لبنان من دون دماء، وبأفضلية التفاهم مع النظام السوري على حفظ مصالحه الاستراتيجية آنذاك. لكن بشار الأسد ذهب مذهب المواجهة والصدام المباشر. فجلّ ما كان يسعى له الثلاثي الاستقلالي كان استكمال تنفيذ اتفاق الطائف ولا سيما ما يتصل بجدولة الانسحاب السوري، والبحث مع “حزب الله” في جدول واقعي لتنفيذ بند حل الميليشيات. فهل كان نصيب كل من يقترب من الطائف القتل المعنوي أو القتل الجسدي؟

هل كان النظام السوري بفعل فلسفته وإرادة الهيمنة والمصالح الشخصية صاحب مصلحة في اغتيال الحريري؟ وهل نفّذ الاغتيال لمصلحته؟