الحزب يحاول إخضاع لبنان لوصاية سلاحه كما أخضعته سوريا لوصاية وجودها العسكري اميل خوري/النهار
17 تشرين الثاني 2014
بات على “حزب الله” أن يكشف حقيقة موقفه من الانتخابات الرئاسية بعيداً من المناورات والتكتيكات لأن دقة المرحلة وخطورتها لا تتحمل ذلك. ففي بداية الانتخابات رفض الحزب اعلان ترشيحه للعماد ميشال عون ليجعله ربما مرشح توافق ووفاق وليس مرشح استفزاز، فاقترع نوابه بأوراق بيضاء. وعندما توالى عقد الجلسات لانتخاب رئيس للجمهورية من دون أن يكتمل النصاب بسبب تغيب نواب في قوى 8 آذار ولا سيما نواب الحزب ونواب “التيار العوني” واستمرار الدكتور جعجع في الترشح دعا نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم في تصريح إلى الاتفاق على مرشح تسوية وإلا فلا انتخابات رئاسية. وعندما تكرر تعطيل نصاب كل جلسة مخصّصة لانتخاب رئيس أدركت قوى 14 آذار أن من عطلها يريد إدخال البلاد في فراغ شامل، فأعلن الدكتور جعجع استعداده لسحب ترشيحه إذا صار اتفاق على مرشح مقبول من الجميع. وصدر بعد هذا الموقف اعلان الرئيس سعد الحريري مبادرة تدعو الى التشاور حول اسم هذا المرشح، لكن أي جواب من “حزب الله” على هذه المبادرة لم يصدر، إلى أن كان للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله موقف إيجابي في كلمته لمناسبة عاشوراء، فتح فيه باب الحوار حول موضوع الانتخابات الرئاسية. وما أن أصبحت الأجواء مهيأة لهذا الحوار أعلن وفد من الحزب بعد زيارته الرابية أن عون هو المرشح الوحيد للرئاسة حتى “قيام الساعة”…
لذلك بات على قوى 14 آذار أن تطلب من الحزب تحديد موقفه النهائي من الانتخابات الرئاسية، فإذا أصر على أن يكون عون هو المرشح الوحيد، فمعنى ذلك أنه يواصل تنفيذ خطة إحداث فراغ شامل في كل السلطات وشل عمل كل المؤسسات. أما اذا كان مستعداً للبحث عن مرشح مقبول من كل القوى السياسية الأساسية في البلاد أو من غالبيتها الفاعلة، فينبغي المباشرة بالبحث عنه كي يتم انتخابه في أسرع وقت.
إن موقف “حزب الله” الملتبس من الانتخابات الرئاسية يعني أمرين: إما أن إيران ليست جاهزة بعد لتقول كلمتها في هذه الانتخابات، وإما أن الحزب نفسه يحاول أن يتصرّف كما كانت تتصرف سوريا زمن وصايتها على لبنان إذ أنها لم تكن تقبل برئيس للجمهورية ولا بحكومة إلا أذا كانا مع استمرار هذه الوصاية ولو خلافاً لما نص عليه اتفاق الطائف. وقد نجحت سوريا في تحقيق ما أرادت فاستمرت وصايتها على لبنان ثلاثين عاماً عوض أن تستمر عامين فقط بموجب الاتفاق. ويبدو أن “حزب الله” يحاول أن يضع لبنان من خلال سلاحه تحت وصاية إيران غير المباشرة بتأييد رئيس للجمهورية يعتبر سلاح الحزب جزءاً من سلاح الدولة وشرعياً مثله، وكذلك الحكومة التي يتمّ تشكيلها، إذ لا شيء يهم الحزب أكثر من احتفاظه بسلاحه لأن به يستطيع أن يفرض تشكيل الحكومات التي يريد وانتخاب رئيس الجمهورية الذي يريد وإقرار المشاريع التي يريد. ولولا هذا السلاح لما كان في استطاعته أن يفرض على الأكثرية النيابية التي فازت بها قوى 14 آذار في انتخابات 2005 وانتخابات 2009 تشكيل حكومة تحت مُسمى “الوحدة الوطنية” ويكون للأقليّة التي تمثّل 8 آذار الثلث المعطل فيها لكل قرار لا يحظى بموافقة الوزراء الذين يمثلون هذه الأقلية في الحكومة، ولما استطاع الحزب بدون سلاحه جعل لبنان يعيش في ظلّ وضع شاذ ونظام هجين، عجزت قوى 14 آذار على رغم أكثريتها الوزارية والنيابية عن إخراج لبنان من هذا الوضع، حتى أن الرئيس السابق ميشال سليمان عندما اعترض على تدخل “حزب الله” عسكرياً في الحرب السورية، ودعا إلى تحييد لبنان عن صراعات المحاور في المنطقة تنفيذاً لـ”اعلان بعبدا” صبّ الحزب جام غضبه عليه ورفض بشدّة فكرة التمديد له ولو سنة واحدة ريثما يكون قد تمّ التوصّل إلى اتفاق على انتخاب خلف له.
لذلك فان “حزب الله” لن يطمئن إلى بقاء سلاحه إلا بوصول العماد عون أو من هو على صورته ومثاله إلى رئاسة الجمهورية، أو القبول بمرشح تسوية يتعهد علناً بقاء هذا السلاح…
يقول وزير سابق إن “حزب الله” يتصرّف بموضوع سلاحه كما كانت تتصرف سوريا بموضوع وجودها العسكري في لبنان، إذ كانت ترفض أي مرشح للرئاسة الأولى لا يعلن سلفاً موافقته على استمرار هذا الوجود وكانت الولايات المتحدة الأميركية معها في هذا الموقف، فرفضت مجيء العميد ريمون إده إلى الرئاسة لأنه رفض بشدّة بقاء القوات السورية في لبنان وجاءت بالياس سركيس رئيساً. ورفضت مرشحين للرئاسة لم يوافقوا على إخراج العماد عون بالقوّة من قصر بعبدا وجاءت بالياس الهراوي رئيساً لأنه وافق على ذلك. ولبنان يواجه اليوم في ظل سلاح “حزب الله” ما واجهه في ظل الوجود العسكري السوري إذ قامت في ظله دولة مستعارة وأمن مستعار، وهو ما سوف يستمر في ظل بقاء سلاح “حزب الله” ويكون العهد الجديد لا يختلف عن قبله بل يكون استمراراً له!