سايمون هندرسون/صحة حاكم عُمان المتدهورة قد تؤثّر على سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران

410

صحة حاكم عُمان المتدهورة قد تؤثّر على سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران

سايمون هندرسون/معهد واشنطن

09 تشرين الثاني/نوفمبر 2014

في ٥ تشرين الثاني/ نوفمبر، نشرت قناة التلفزيون العُمانية الحكومية شريطاً مسجّلاً للسلطان قابوس بن سعيد البالغ من العمر ٧٣ عاماً، والذي يخضع حاليّاً لعلاج طبّي في ألمانيا. وفي ذلك التسجيل هنّأ السلطان قابوس العمانيين بمناسبة العيد الوطني، الذي يصادف في ۱۸ تشرين الثاني/نوفمبر، وتأسّف لعدم قدرته على العودة إلى عُمان للاحتفال معهم. ولم تُعطَ أي معلومة حول ما يعانيه الحاكم بالضبط، وبالرغم من أنّ صوته كان قويّاً، إلّا أنّه بدا ضعيفاً وواهناً. وقد نُقل عن أحد الدبلوماسيين الذي لم يذكر اسمه في مَسْقط، عاصمة عمان، قوله في آب/أغسطس، إنّ السلطان قابوس يعاني من سرطان القولون.

ورغم أنّه قيل إنّ الرسالة في الشريط المصوّر قد “طمأنت” العُمانيين حول صحة حاكمهم و “أسعدت” مواطني عُمان الذين يبلغ عددهم نحو ٢,٢ مليون شخص، فضلاً عن العمّال الأجانب الذي يقدّر عددهم بـ ٦٠٠ ألف عامل لرؤية السلطان قابوس، إلّا أنّ الوقع المباشر الأكثر ترجيحاً سيكون صراعاً مفتوحاً على خلافة السلطة واضطراباً سياسياً داخلياً في هذا البلد الاستراتيجي الذي يُحتمل أنه يتمتع بأفضل العلاقات مع إيران من بين الدول الأعضاء في “مجلس التعاون الخليجي”.

وخلافاً لحكّام دول “مجلس التعاون الخليجي” الأخرى (السعودية، الكويت، البحرين، قطر، الإمارات العربية المتحدة)، ليس للسلطان قابوس أبناء (ولا بنات)، ولا إخوة أو أشقاء. وهو رجل عصري يعود له الفضل في نمو بلاده الاستثنائي منذ أن أطاح بوالده المنعزل بمساعدة بريطانية في عام ١٩٧٠. وتسيطر شخصية السلطان على البلاد – اليوم الوطني هو تاريخ ميلاده – ويتحكّم بجميع مقاليد السلطة. وفضلاً عن كونه حاكم السطنة، فهو أيضاً إسمياً رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير المالية ووزير الخارجية، وكذلك محافظ البنك المركزي. وعلى الرغم من أنّه كان سيوافق شخصيّاً على أن تصبح عُمان القناة الخلفية لتواصل واشنطن الدبلوماسي مع إيران في عام ٢٠١٢، إلّا أنّه يفوّض آخرين في الواقع فيما يتعلق بالعديد من قراراته اليومية. وبالفعل، فإنّ يوسف بن علوي، الوجه المألوف لعُمان في الشؤون الدولية، هو وزير الخارجية بحكم الأمر الواقع.

وعلى الصعيدين الجغرافي والسياسي، تشكل عُمان بلداً تابعاً لـ “مجلس التعاون الخليجي” وإن كانت بعيدة ومختلفة عنه. إذ تقع معظم أراضيها شرق مضيق هرمز، المدخل إلى الخليج العربي. ويتشارك البلد في بعض حقول الغاز الطبيعي البحرية مع إيران، وقد تمّ الاتّفاق على استثمار مشترك لها عندما زار الرئيس الإيراني حسن روحاني مسقط في آذار/مارس؛ كما أنّ مصدر صرف العملات الرئيسي للبلاد هو الغاز الذي تصدّره عُمان على شكل “غاز طبيعي مسال” إلى عملاء في آسيا. وتملك عُمان احتياطات نفط صغيرة بالمقارنة مع السعودية ودولة الإمارات المجاورتين، إلّا أنّ الصين هي عميلها الرئيسي. وبالإضافة إلى ذلك، إنّ ثلاثة أرباع العمانيين، بمن فيهم السلطان قابوس، ينتمون إلى المذهب الإباضي الإسلامي، على عكس المذهب السني الذي ينتمي إليه غالبية سكان دول “مجلس التعاون الخليجي” الأخرى، الأمر الذي قد يفسّر تجنّب السلطان قابوس حضور اجتماعات “مجلس التعاون الخليجي”. (ومن المقرر عقد القمة المقبلة في العاصمة القطرية الدوحة في أواخر كانون الأول/ديسمبر). وتتّصف علاقات عُمان مع أعضاء دول “مجلس التعاون الخليجي” كونها سليمة، باستثناء العلاقات مع جارتها دولة الإمارات. ففي عام ٢٠١١، أوقفت عُمان العديد من المواطنين الإماراتيين بتهمة التجسّس. وكانت شبكة التجسس تلك تحاول العمل في أحد القصور الملكية.

وتاريخيّاً، تمتّعت عُمان بعلاقات وثيقة مع بريطانيا. ففي أوائل السبعينيات، ساعدت القوّات البريطانية، إلى جانب وحدات من الأردن وإيران تحت حكم الشاه، على قمع تمرّد قبلي في جنوب البلاد حظي بدعم من جنوب اليمن التي كانت شيوعية آنذاك. ومنذ ذلك الحين طوّرت الولايات المتحدة علاقة وثيقة مع السلطان قابوس، فاكتسبت الحق باستخدام القواعد الجوية العمانية، بما فيها قاعدة في جزيرة مصيرة، التي استخدمت في المحاولة الفاشلة لانقاذ رهائن السفارة الأمريكية في طهران عام ۱۹٧۹. ويستخدم الجيش العُماني دبّابات بريطانية وأمريكية، في حين يمتلك سلاح الجو مقاتلات “يوروفايتر” بريطانية ومقاتلات “إف-١٦” أمريكية الصنع. كما تهيمن زوارق الدورية المزوّدة من بريطانيا على البحرية العمانية.

وتُعتبر عُمان بلداً تقدّمياً نسبيّاً، إذ لديها “مجلس شورى” منتخب و”مجلس دولة” معيّن. وحالياً، تشغل إمرأة منصب سفيرة عُمان لدى واشنطن. ومع ذلك، عندما اندلعت تظاهرات “الربيع العربي” في مختلف أنحاء المنطقة عام ٢٠١١، واجهت عُمان مشاكل تمثّلت بنشوب أعمال شغب في مدينة صحار الصناعية. وكانت البحرين البلد الآخر الوحيد من بين دول “مجلس التعاون الخليجي” الذي واجه المشكلة نفسها، رغم أنّ المشاكل في البحرين تعزى بصورة أكثر إلى الانقسامات ببين السنّة والشيعة. وقد اعتمد السلطان قابوس مقاربة العصا والجزرة في التحدّيات السياسية المحلية محكماً قبضته على التظاهرات في الشوارع وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكنه واعداً بزيادة فرص العمل والمنافع. ومؤخّراً، عفى عن بعض المتظاهرين كما حكمت محكمة عمانية على وزير سابق بالسجن بتهمة الفساد.

وقد أدّى الفشل في تحديد خلف مفضّل إلى بروز العديد من المرشحين من داخل العائلة الملكية الكبيرة التي يُقال إنّها تضمّ ما بين خمسين إلى ستين فرداً من الذكور. وفي عام ١٩٩٥ أعلن السلطان قابوس عن طريقة مثيرة للاهتمام لاختيار الخلف: إن لم تتمكّن العائلة من التوصل إلى اتّفاق حول الخلف، فقد سجّل السلطان اسمَي مرشّحَيْه المفضّليْن ووضعهما في مغلّف مغلق يفتحه “مجلس الدفاع” بعد وفاته. وفي عام ٢٠٠١، قام بتوضيح ذلك المخطّط. وحالياً تنصّ المادة السادسة من الدستور العماني بأنه:  «إذا فشل “مجلس العائلة المالكة” في الاتفاق على اختيار سلطان للبلاد، يتعيّن على “مجلس الدفاع” بالاشتراك مع “رئيس مجلس الدولة”، و “رئيس مجلس الشورى”، و”رئيس المحكمة العليا” إلى جانب اثنين من كبار نوابه، تثبيت الشخص المعيّن من قبل جلالة السلطان في رسالته إلى “مجلس العائلة المالكة».

وقد حدّد تحقيق لوكالة رويترز في عام ٢٠١٢ عدداً من المرشحين المحتملين الذين يتمّ ذكرهم في مسقط. ثلاثة هم أخوة – كلّهم أبناء عمّ السلطان قابوس – وهم أسد وشهاب وهيثم بن طارق آل سعيد. ويتمتّع الإثنين الأولين بخلفية عسكرية، في حين يشغل الثالث منصب وزير التراث والثقافة كما أنه دبلوماسي سابق، ويُقال إنّه رجل متردّد في قراراته. ويجدر بالذكر أنه إذا أُريد لعملية الاختيار أن تكون ناجحة، يجب أن توافق عليها الشريحة الأكبر من المجتمع العماني، وخاصة القبائل التي تهيمن على الحياة خارج المدن الرئيسية.

وتكمن مصلحة الولايات المتحدة بكونها آنية وبعيدة المدى أيضاً. ولا تزال عُمان تضطلع بدور رئيسي في تسهيل المحادثات الدبلوماسية النووية مع إيران. وعلى كل حال، كان بإمكان وزيري الخارجية الأمريكي والإيراني جون كيري ومحمد جواد ظريف أن يلتقيا في إحدى العواصم الأوروبية. وعلى المدى الطويل، إن ما سيأتي بعد السلطان قابوس سيدل على إذا ما كانت الحكومات الملكية الوراثية في منطقة الخليج مؤهلة لإدارة مستقبلها. لقد طال حكم السلطان مدة أطول من أيّ حاكم آخر في دول “مجلس التعاون الخليجي”، وشهدت عُمان بشكل عام ازدهاراً في ظلّ، ما هو فعلياً، تأليهاً لشخصيّته. ولكن على الرغم من تقرير صحيفة “تايمز أوف عُمان” في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر الذي أفاد بأنّه قد “أُقيمت الصلوات الخاصّة لشكر الله عزّ وجلّ على إبقاء السلطان في صحة جيّدة”، تواجه عُمان حالياً الاختبار الأكبر والأكثر أهمية حول إمكانية استمرار منظومة النظام ما بعد السلطان قابوس.

**سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.