معركة المصير الإيراني الكبرى في العراق داود البصري/السياسة
02 تشرين الثاني/14
لم يكن الظهور المتكرر والمتعمد لجنرالات “فيلق القدس” للحرس الثوري الإيراني أمام وسائل الإعلام, العراقية والدولية, وعلى رأسهم الجنرال الغامض الشهير قاسم سليماني قمي أمرا عاديا ! كما لم يكن تسريب الروايات الحكومية العراقية عن أدوار تخطيط وإستشارة عسكرية للعديد من جنرالات مؤسسة الحرس الثوري من الذين خاضوا صفحات الحرب الطويلة ضد العراق ( 1980/1988) أمرا غير مقصود, بل أن الهدف المركزي كان واضحا منذ البداية, وهو توجيه رسالة إيرانية صارمة وحاسمة للتحالف الغربي بأن أوراق العراق الداخلية لم تعد حكرا لدوائر صنع القرار في واشنطن ولندن وباريس وبرلين وبروكسل انما طهران باتت, ومنذ عام 2003 تحديدا وتبدل نمط هيكلية وشكل وتشكيل مؤسسات السلطة, هي العامل الأكبرفي تشكيل ورسم الصورة والتصورات وكذلك التطورات الميدانية في العراق , هذا البلد العربي المنكوب والذي كان في مرحلة إنطلاقة العمل القومي في منتصف القرن الماضي بمثابة بؤرة نشاط وتجدد وتألق ثقافي وسياسي, وكان يصفه بعض القوميين العرب بمثابة “بروسيا الشرق”! أي أنه يتحمل دور القائد في لم شتات, وشعث, العرب , تحول اليوم وبعد تجارب إنقلابية وحروب عنيفة وتراجع قيمي وثقافي مستوطنة طائفية متخلفة ولحديقة خلفية تنمو فيها كل الطحالب الإيرانية السامة والمتوحشة التي عفرت وجه العراق العربي, وأنتجت أجيالا من الشباب العراقي الطائفي الغريب عن عراقيته وعروبته.
فبعد إنهيار المؤسسة العسكرية العراقية بفعل الإحتلال الأميركي عام 2003 جاء البناء الجديد مشوها هجينا ومريضا بقيادة زمر من الفاشلين والمتأزمين أيام المعارضة الطهرانية والدمشقية , وفشلت كل حملات الترقيع لإحياء وطن كان في يوم ما مفخرة للعرب قبل أن يجور عليه وعلى شعبه الزمان. العراق اليوم وبعد إنهيار الصيف الماضي, وتحلل المؤسسة العسكرية أضحى ساحة ميدانية لإستعراض القدرات العسكرية الإيرانية , وتحولت مدنه وقراه ساحات معارك شرسة بين قيادات النخبة في الحرس الجمهوري العراقي السابق, التي هي من تقود وتخطط للجماعات المسلحة, وبين قيادات الحرس الثوري الإيراني الذين يبحثون عن الثأر لهزيمتهم الكبرى وتجرعهم كأس السم صيف عام 1988 بعد أن أجبروا على إيقاف الحرب ضد العراق من دون تحقيق شرطهم وحلمهم الأكبر وهوإقامة جمهورية الولي الفقيه الطائفية في العراق. الجنرال سليماني بات يتحدى علنا كل وسائل الإعلام الدولية, ويصرح بتصريحات صادمة حول مقدرة قواته في العراق, وعلى عدم سماحهم بتغيير التركيبة السياسية, سواء في دمشق أوبغداد, حتى تحول ذلك الجنرال أمير أمراء الحرب في الشام والعراق والرئيس الفعلي لجمهورية العراق والمتصرف الأكبر في شؤونه الستراتيجية , والقائد الذي يرسم خطط وتكتيكات العمليات للمقاتلين العراقيين التابعين له, وهم أصلا من أعضاء المنظمات العسكرية الطائفية العراقية “كبدر” و”العصائب” و”كتائب حزب الله”, وكذلك ما يسمى “سرايا السلام” التابعة لمقتدى الصدر, التي يريد الإيرانيون تحويلها كقواعد أولى لمؤسسة الحرس الثوري العراقي التي ستتفوق في قدراتها على الجيش العراقي الرسمي, وهومشروع إيراني طموح لأنه يصب أساسا في خدمة مخطط الدفاع عن العمق الإيراني, وتحصين خطوط الدفاع الخارجية في ظل المتغيرات القريبة المقبلة في سماء طهران.
النظام الإيراني يتبنى في المنطقة اليوم تكتيكا هجومياً للدفاع عن العمق الإيراني المهدد بإحتمالات إشتعال داخلية , كما إن العراق يعاني من الإشكالية نفسها بعد فشل العملية السياسية وأحزاب السلطة في الخروج بالعراق من المستنقع الطائفي الذي يتخبط فيه خبط عشواء , ولكن تحديات الواقع العراقي المر لايمكن أن تكون جميعها بردا وسلاما على جنرالات إيران في العراق , فقوات الحشد الشعبي التي يقودونها ويرسمون مسار عملياتها تعاني من إستنزاف بشري رهيب متمثل في كثرة الخسائر, حتى أنه يندر وجود بيت عراقي في الجنوب لم يقدم عددا من الضحايا! ثم أن وزارة الدفاع العراقية تحجم عن تسليم جثث القتلى من المتطوعين لذويهم دفعة واحدة لكثرتها, وما يمكن أن ينجم عن ذلك من ردود فعل غير محسوبة شعبيا, لذلك فتسليم الجثث يتم على دفعات وبالتقسيط! هذا غير حالة الشلل والعجز والاستنزاف الاقتصادي الذي يعانيه العراق بسبب تعطيل كل مرافق الإنتاج الوطني , يضاف إلى ذلك النزف الإيراني المرهق والشديد للموارد في معارك العراق والشام واليمن ضمن حالة التناطح الستراتيجي القائمة, التي لايمتلك النظام الإيراني ازاءها إلا الإيغال في العمق العراقي لكونه خياره الوحيد , ولكنه خيار سيدفع الإيرانيون ثمنه وبما ينعكس على الداخل الإيراني!