وسام سعادة/تمديد بداعي انتخاب رئيس ثم بداعي الفراغ الرئاسي

340

تمديد بداعي انتخاب رئيس ثم بداعي الفراغ الرئاسي!
وسام سعادة/المستقبل
22 تشرين الأول/14

المجلس الحالي الذي تشارف ولايته على الانتهاء لم يمدّد لنفسه لأسباب غامضة وغير معرّفة، وانما كانت الذريعة واضحة ومحددة باثنتين: التمكّن اولاً، خلال فترة التمديد للمجلس، من انتاج قانون انتخابي جديد وانتخاب رئيس جديد لرئاسة الجمهورية وتلافي شغور المنصب الأول في الدولة.  بصرف النظر عن نوايا الهيئة الممدّدة لنفسها قبل عام ونصف عام، وصلنا الى نهاية الفترة الممدّدة ولم ينجز أيّ من المسوّغين المستند اليهما يومذاك للتمديد للمجلس. وللسبب نفسه، بسبب أن المجلس لم يتمكّن من ايفاء الشرطين، قانون الانتخاب وانتخاب الرئيس، حقهما خلال مدّة التمديد لنفسه، تجري المطالبة له بتمديد الولاية الممدّدة.

بطبيعة الحال، قسم كبير من فترة التمديد الذاتي هذه استهلكها الفراغ على المستوى الحكومي، قبل أن يدفع قرب انتهاء الولاية الدستورية لرئيس الجمهورية الى اقرار تسوية حكومية. تبدو تعبئة المؤسسات اذاً كحالة تزويد المناطق بالتيار الكهربائي في ظل تقنين حاد. جرى استباق موعد الفراغ الرئاسي بتعبئة حكومية. لم تكن الغاية وضع آلية للتفاهم على انتخاب رئيس جديد، وانما وضع آلية لادارة مرحلة قد يكون أمرها الواقع هو استفحال الفراغ الرئاسي شهوراً عديدة، وهذه المرة باختلاف أساسي عن الفراغ الرئاسي السابق.

فقبل أن يغادر الرئيس التمديدي اميل لحود قصر بعبدا كان ثمة نوع من اجماع يتشكّل حول العماد ميشال سليمان كمرشح توافقي، وتبنت قوى الرابع عشر من آذار ترشيحه في مبادرة سياسية، وكانت قوى الثامن من آذار متلعثمة بعض الشيء حول الأمر انما تفاصل في الاخراج فحسب، الى ان عاد التوافق على سليمان وشكّل بنداً في «صلح الدوحة» بعد غزوة السابع من أيار. الوضع مختلف اليوم. فمن جهة، ليس ثمة ضوابط اقليمية للنزاع الأهلي اذا تفجّر، وهذا يخمد الهمّة على تفجيره، لكنه يجعله عالي الكلفة في حال تفجّر.ثم أنّ القطبية بين استقلاليين وممانعين وان كانت لا تزال توزّع اللبنانيين بين معسكرين، الا أنها لم تعد حيوية أو برنامجية كما في السابق، والسأم هو معطى سياسي مشترك على امتداد الاجتماعات اللبنانية المتخاصمة.

وهذا يعكس الى حد كبير وضع البلد المنفعل بالنقلة النوعية الكبيرة في حروب «حزب الله»، لما صار يخوضها في سوريا، فارتدّت عليه من هذا الباب الى الداخل اللبناني لتجعله في موقف متوتّر حيال الآخر المذهبي عموماً، انما مرغماً على قول الشيء ونقيضه حيال الاعتدال السنيّ، اذ ما عاد كافياً أو مقنعاً أو مجدياً تكرار معزوفة ان الاعتدال والتطرّف هما سنياً وجهان لعملة واحدة، وفي الوقت نفسه لا يمكن للحزب ان يبقى كما هو من دون ان يحافظ على هكذا معزوفة، ولو وجد نفسه يخلطها بغيرها من المقولات، فتارة يطالب الجمهور في الطرف الآخر بضبط قياداته، وتارة يطالب القيادات بضبط جمهورها، وصولاً الى الصيحة الأخيرة: الشعور اللطيف بأن قواعد الجمهور المخاصم ممتنة لأن «حزب الله» يحميها من «داعش».

واذا كان اول دخول الحزب في هذا الاستنزاف الطويل قد جعله يتبنى مفهوم مكافحة الارهاب على الطريقة الأميركية ويتوسّع به من خلال المقولة الفتنوية عن «البيئة الحاضنة»، فان الوضع الحالي، الذي يعلّق فيه أكثر من خط على شبكة الحرب مع تنظيم «الدولة الاسلامية»، فثمة حرب «داعش» و«النصرة»، و«داعش» والأكراد، و«داعش» وشيعة العراق، و«داعش» وجيش النظام السوري، و«داعش» والجيش السوري الحر، و«داعش» و«حزب الله»، وثمة الحرب الأميركية اللابرّية ضد «داعش». هذا كفيل بإيقاع الجميع في «حيص بيص»، و«حزب الله» جزء من «الجميع». مع فارق أنّه صاحب القرار بتعطيل أي مؤسسة دستورية لبنانية حين يرغب، واجازة تعبئة طاقمها حين يرغب. فهل ان «الحيص بيص» الاقليمي الذي يتشارك به مع الآخرين سيجعله يجيز مرة ثانية عملية اجازة تمديد لطاقم مؤسسة، مجلس النواب، في مقابل استمرار التعطيل الرئاسي؟

 في الوقت المستقطع، يروّج «الممانعون» لنظرية تولية المناصب الرئاسية الثلاثة في الدولة لزعماء الطوائف الكبرى الثلاثة، وتقديم ذلك كما لو أنّه حلم مثالي، وهو في الواقع خطاب يسمح باستهلاك الوقت غير المرهون بأجل الى حين ايضاح «مصير» الاستحقاق الرئاسي، لكنه يختزن أيضاً ذهنية نافية للمناصفة، وراغبة في المثالثة، دون ان يعني ذلك ان لـ«حزب الله» مشروعاً واضحاً يتعلّق بدسترة المثالثة أو خلافه. لعبته المثلى هي: اجازة أو عدم اجازة شحن أو اعادة شحن مؤسسة دستورية بعد شهور على المهل الدستورية، مع التحكّم بأصناف التعطيل والتفريغ، فمنها ما يحتمل ان يراكم على بعضه البعض ومنها ما لا يحتمل. وهذا يتقاطع مع التسويغ الوحيد الممكن للتمديد البرلماني مجدّداً: عدم تضافر الفراغين رئاسياً وبرلمانياً في وضع يهتم فيه «العالم» بتحييد لبنان عن الاندراج الكلي في الحرب الاهلية العراقية السورية، لكن لا جلد لأحد في العالم لتنظيم أوضاع لبنان الدستورية.