اتفاق الطائف في عامه ال 25 الياس بجاني
21 تشرين الأول/14
يعلمنا التاريخ المعاصر والغابر أن ما من أمة من الأمم العظيمة قد تمكن منافسوها من هزيمتها عسكرياً.
جميع تلك الأمم انهارت أولاً من الداخل، تزعزعت أسسها وتفككت مقوماتها قبل أن تُطلق عليها رصاصة الرحمة من قِبل أعدائها، ولنا في تفكك الدولة العثمانية والإمبراطورية الرومانية أفضل مثالين.
ويُعلمنا الطب أن الجسم العليل الفاقد لمناعته يكون باستمرار عرضة للأمراض على مختلف أنواعها فيما يقوى الجسم المتعافي على الصمود.
هذا الواقع التاريخي والطبي ينطبق على مواقف البعض من أهلنا في لبنان وبلاد الانتشار المتعاونين مع القوى الغريبة، والعاملين على خيانة قضايا الوطن، والمتاجرين بدم وعرق أهلنا، والبائعين لكرامتهم وشرفهم بثلاثين من فضة.
مواقف هؤلاء المخجلة هي قمة في الانهزامية الذاتية كونهم عن عمد أو جهل لا فرق، يتناسون تاريخ شعبهم العنيد المتجذر في تربة لبنان المقدسة منذ 7000 سنة.
يبرر المنبطح انهزاميته بكلام حق يراد به باطل مفاده “الشطارة تكمن في التعامل مع الأمر الواقع، والإيد يلي ما فيك عليها بوسها ودعي عليها بالكسر” “ومن الضرورة أن لا نغيب عن أي موقع حتى ولو كان تحت هيمنة المحتل”.
لقد غاب عن بال هذه القلة الكافرة أن الشعب اللبناني ما رضخ في يوم من الأيام لمشيئة محتل أو غازي وصخور نهر الكلب تشهد على هذا الواقع المشرّف.
نُذكر من أصيب بحالة فقدان الذاكرة الطوعية أن سكان مدينة صيدا سنة 350 ق.م وبعد أن قاوموا ببسالة الغازي الفارسي ارتحششتا قاموا بحرق مدينتهم بمن فيها مفضلين الموت بكرامة على الاستسلام والإذلال.
وصور قاومت الاسكندر المقدوني سبعة شهور سنة 332 ق.م ولم تستسلم ولم تركع مما حذا به بعد الاستيلاء عليها إلى صلب العديد من سكانها وبيع الفين منهم كعبيد.
أما البطريرك الماروني جبرائيل حجولا فقد فضل الموت حرقاً سنة 1367 ميلادية في مدينة طرابلس أمام الجامع العمري رافضاً أن يترك أبناء قومه يعذبون ويهانون من قبل المماليك، ونفس المصير كان اختاره قبله البطريرك دانيال الحدشيتي في نفس المكان سنة 1282 ميلادية ولأسباب مشابهة.
في المبدأ يُعتبر الإنسان مهزوماً لو ربح العالم كله وكان من داخله متجابناً عن قول الحق والشهادة للحقيقية، فيما الشجاع حامل راية الكرامة والقيم يبقى منتصراً مرفوع الرأس حتى ولو وضع في غياهب السجون،كبلت يديه بالأصفاد وقيدت قدميه بالسلاسل.
نذكر من يخاف اتخاذ المواقف، ويتلون، ويداهن ويتجنب المجاهرة بالحقيقة بأنه يرتكب جرماً بأفعاله هذه.
عن هؤلاء المتخاذلين قال الإمام علي: “إن الراضي بفعل قومٍ كالداخل فيه معهم، وعلى كل داخلٍ في باطلٍ إثمان: إثم العمل به، وإثم الرضا به”.
قيل في الماضي إن الجبان هو أعمى بصيرة وضميره متخدر، وفي هذا السياق جاء في إنجيل القديس يوحنا 12/39: “أَعمى عيونهم وقسى قلوبهم، لئلا يبصروا بعيونهم ويفهموا بقلوبهم ويتوبوا فأشفيهم”.
أوحى البعض من القادة والأحزاب المتلطين خلف عباءة السياديين أنهم من الميامين الذين لا يرتدون بوجه الشدائد واشبعوا الناس بيانات، وعنتريات وتنظيرات، فيما هم ميدانياً وعند أول “قطوع” يواجههم “بالهريبة كالغزلان” وأن خصورهم رخوة تميل مع ريح المصالح والمنفعة.
يا أصحاب السلطة والنفوذ والمال، ويا رجال الدين والسياسة الذين عبدتهم تراب الأرض واستعملتهم وزناتكم في ما لا يرضي الله، استفيقوا من ثباتكم، كفاكم كفراً وهرطقات وتوبوا قبل فوات الأوان.
لا تنساقوا وراء أطماعكم، ولا تتركوا بريق الكراسي ولعنة العباءات ونزعة عبادة المال تعمي عيونكم وتقسي قلوبكم.
في الخلاصة ونحن نتذكر اليوم اتفاق الطائف الاستسلامي بعد مرور 25 سنة على توقيعه، لا بد وأن نجاهر بالحقيقة ونقول إنه عار على أي سياسي ومسؤول ورجل دين ومواطن أن يتجابن عن الشهادة لقضية وطن الأرز المقدسة، ويغض الطرف عن أية معاناة كانت متحججاً بأعذار واهية .
نعم اتفاق الطائف أصبح واقعاً ومن صلب الدستور اللبناني، لكنه كان بين منتصر ومهزوم ولا مجال للنفاق هنا أو للتجميل في أمر كياني كهذا.
لا نطالب بإلغاء هذا الاتفاق المجحف، ولكنه قد حان الوقت للاعتراف بالحقائق كافة التي أحاطت به ومن ثم العمل بجد وجهد وصدق على إيجاد بديل عن هذا الطائف بتوافق ورضى الشرائح كافة تكون فيه مصانة كل قيم العدالة والحريات والمساواة وتاريخ واثنيه ومعتقد وحقوق كل الشرائح.
يبقى أنه على من ارتضوا العبودية، ويخافون الشهادة للحقيقة، ويشعرون بالهزيمة في نفوسهم، أن يتعظوا من قول السيد المسيح: “إن ثبتّم في كلامي، كنتم حقاً تلاميذي تعرفون الحقّ والحق يحرركم (يوحنا 8/32)