بعد مخاضات عنيفة تمخض حيدر العبادي فولد وزيرا إيرانيا صرفا يدير الشؤون الداخلية لحكومة وشعب العراق! فبعد طول تمنع مسرحي! وبعد مناورات وأخذ ورد, وبعد أن تحول العراق لساحة قتل وقتال لعمليات عسكرية أممية, وبعد أن استوحشت وتغولت ميليشيات الموت الطائفي وازدهرت أعمالها بخطف وقتل وتهجير أهل السنة من أحرار العراق, ومنهم وفي طليعتهم ميليشيات وعصابات “العصائب” وعصابة “بدر” الإيرانية لصاحبها ووكيلها, ومتعهد أعمالها, العميد الحرسي هادي العامري, جاءت المكافأة الحكومية بتعيين أحد أفراد عصابة “بدر” وهو المدعو محمد الغبان وزيرا لداخلية العراق, بعد خلو المنصب من وزير اصيل لهذه الوزارة منذ سنوات عدة امتدت من زمن نوري المالكي الذي حول الوزارة لمستوطنة دعوية متعفنة بتعيين عدنان الأسدي وكيلا أقدم يقوم بمهام الوزير حتى انتعشت صفقات الفساد والفساد التي اكتشفها حيدر العبادي, ولكنه لن يجرؤ على متابعة أطرافها لكونه واحدا من أعضاء حزب اللصوص العراقي الكبير “حزب الدعوة” المهم في الأمر ان انتخاب برلمان الأفندية في العراق للغبان لهذا المنصب الخطير معناه التام والنهائي خضوع العراق وحكومته بالمطلق للنظام الإيراني الذي بات اليوم هو المتحكم الأول والأخير في شؤون العراق الداخلية وفي التعامل مع الملفات الداخلية وفي عمليات الإرهاب والتحنيد والتغيير الديموغرافي ¯ كما أن ماحصل يمثل خطوة إيرانية متقدمة باتجاه تنفيذ جملة من الإجراءات الميدانية الإيرانية في العراق أهمها تقوية الميليشيات الطائفية لتكون بديلا عن الجيش الوطني, وإنشاء وتكوين مؤسسة ميليشاوية سلطوية إرهابية على نمط وغرار مؤسسة “الحرس الثوري” في إيران, لذلك كان الإصرار الإيراني على تولي العامري أو أحد أفراد عصابة بدر الطائفية العميلة لمنصب وزارة الداخلية, وهو ماخضع له حيدر العبادي أخيرا, رغم تماشيه في البداية مع موقف الرفض الأميركي لتعيين العامري بطل أبطال التغتيالات وأعمال الإرهاب الإيرانية في العراق. وكانت فذلكة العبادي ومناورته باللجوء لتعيين أحد أفراد عصابة العامري بديلا عنه كحل وسط تحت اعتبارات الاستحقاقات الانتخابية. أي أن الواقع يقول إن هادي العامري أضحى هو الوزير الحقيقي للداخلية وبذلك تحققت الأهداف والمطالب الإيرانية عبر عملية التفاف ومناورة ستراتيجية برع فيها الإيرانيون وهزم فيها الأميركان والتحالف الغربي. وأثبتت إدارة نظام الولي الإيراني الفقيه بأن العراق في جيبها الخلفي بالكامل وإن البرلمان وبقية المؤسسات والإرادات الوطنية ليست سوى ديكور فارغ ومنخور لاقيمة له في تقرير الأحداث.
رغم أن مايدور في العراق اليوم هو معركة القرن الستراتيجية لرسم خارطة جديدة للشرق الأوسط تتجاوز تلك المرسومة منذ نهايات الحرب العالمية الأولى, بعد ولادة الشرق الأوسط الحديث إثر اضمحلال وهزيمة الدولة العثمانية. العراق اليوم بات ساحة قتل وقتال وتصفية حسابات في ظل سلطة هزيلة وأحزاب تافهة طائفية تدار بالريموت كونترول الإيراني من طهران. وكل الوعود الزاهرة بالتغيير الإيجابي التي تحدث عنها البريطاني حيدر العبادي, والتي صدقها البعض لسذاجتهم,مجرد كلام فارغ, فالعبادي في البداية والنهاية جزء مركزي وفاعل من اللعبة الإيرانية في الشرق. وأول عمل سيقوم به زيارة طهران, عاصمتهم المقدسة, واستلام الأوامر والفرمانات والتي مهد لها عن طريق تصريحاته العدوانية المعادية لدول الجوار في الخليج العربي, وخصوصا المملكة العربية السعودية رغم أحاديث التهدئة التي سبق لوزير الخارجية الدعوي الطائفي إبراهيم عبد الكريم حمزة الأشيقر “الجعفري” وهو حملدار الحكومة العراقية أن تفوه بها سابقا وهو يشيد بالدور السعودي “نفاقا” ولكن سياسات العراق الداخلية والخارجية لايقررها أولئك الدعويون التافهون, بل إنها تقرر من طهران مباشرة وهذه الحقيقة أضحت هي المعيار الأول في تقويم طبيعة السلطة القائمة في العراق, وحيث تتسيد الميليشيات وتمارس أفظع عمليات التطهير العرقي والطائفي في ظل صمت عربي ودولي مخجل, الإيرانيون في شمال الجزيرة العربية “العراق” وفي غربها, كما أنهم تغلغلوا في جنوبها “اليمن”, واليوم تحولوا ليستولوا بالكامل على مقدرات العراق الداخلية عن طريق جيوش العملاء الطائفية الرديفة. مستقبل أسود وأيام أشد سوادا من قطع الليل المظلم تنتظر العراق والشرق عموما, فترقبوا وتأملوا.