جهاد الزين/تركيا تحترق

801

“تركيا تحترق”

جهاد الزين/النهار

11 تشرين الأول 2014

وصل رجب طيّب أردوغان إلى ذروة حياته السياسية: رئيس للجمهورية منتَخبٌ مباشرة من الشعب – أكثر قليلا من نصف أصوات المقترعين. يحكم تركيّا بقوة زعامته على حزبه مع أن صلاحيات الرئيس لا تزال محدودة في الدستور.

زعامة صار بالإمكان اعتبارها الأولى بهذه الأهمية في تاريخ الجمهورية التركية بعد زعامة مصطفى كمال أتاتورك التأسيسيّة. مع ذلك مؤشراتُ بدءِ انحدار هذه الزعامة وربما سقوطها الدراماتيكي آخذةٌ بالتزايد في عمق الأحداث لا على سطحها:

خسر أردوغان في الأيام الأخيرة أكراد تركيا. فقد انتبه حزبهم الرئيسي غير المرخّص، حزب العمال (PKK) إلى أن اللعبة الداعشية التي يلعبها “حزب العدالة والتنمية” (AKP) باتت خطرةً جدا على الوجود الكردي في سوريا. وجودٌ “اكتشفت” تركيا بعد اندلاع الثورة السورية أنه يمتدّ وبالتالي يسيطر ديموغرافياً على معظم حدودها مع سوريا فإذا بالأكراد السوريين (وأصولهم من تركيا) يشاهدون بأم العين والدم أن “داعش” تنفّذ مخططاً لضربهم عسكرياً إن لم يكن تشتيتهم.

ثار أكراد تركيا ثورة حقيقيّة في الأيام الماضية في حرب شوارع شهدها عددٌ من المدن ليس فقط في الجنوب الشرقي بل في الشمال أيضا لكنْ كانت أعنفَها مواجهات ديار بكر. وقد سقط في هذه المواجهات حتى مساء أمس الأول 31 شخصاً بمن فيهم ضابطان من الشرطة وثالث مصاب. الملاحظ أن المخابرات التركية عادت في بعض الأحيان للوقوف وراء مؤيّدي “حزب الله” التركي (لا علاقة له بالمنظومة الإيرانيّة) وهو حزب رعت إنشاءه المخابرات العسكرية التركية قبل أكثر من عشرين عاما وقام بأدوار محلية أمنية في مناطق الأكراد باعتبارِ ادعائِه أنه قوة “كردية”. الجديد في ما حصل في الأيام الأخيرة بسبب الوضع في عين العرب – كوباني هو عودة الرئيس أردوغان إلى أداة هي “حزب الله” كانت معتمَدة في عهد السيطرة العسكرية على السياسة التركية وفي فترة كان حزب العمال الكردي يستخدم أساليبَ إرهابيةً من المفترَض أنه تخلّى عنها اليوم حتى إشعار آخر. مع ذلك تتهم الدولة المتظاهرين الأكراد باستخدام العنف إلى حد أن نائب رئيس الوزراء السابق والنائب الحالي في كتلة الحزب الحاكم أمرالله إيشلر قال في تغريدة له في موقعه على “تويتر” أن إرهاب حزب العمال أكبر من إرهاب “داعش”. أكثر من ذلك… فالصحافية ياهو أوزيورت كتبت أن الكثير من الشباب في “العدالة والتنمية” معجبون سراً بـ”داعش”.

كان مُعَبِّراً في هذا السياق أن الحزب القومي المتشدّد (MHP) اقترع مع قانون تفويض الحكومة بالتدخل البري في العراق وسوريا. وهو حزب معارض تقليديّاً لمطالب الحركة الكردية كما أنه جزء من معارضة سلطة “حزب العدالة والتنمية”. مما يكشف عودة البعد الصراعي بين العصبيّتين التركية والكرديّة. وهي في الحقيقة عودة رجب طيّب أردوغان للعب على وتيرتها.

قال لي صديق تركي هو أستاذ علوم سياسية في إحدى الجامعات التركية… قال لي أمس على الهاتف من اسطنبول أنه واثقٌ لو أن الأكراد الذين تظاهروا بغضب شديد في الأيام الأخيرة جرى استطلاع رأيهم حول الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة لقال معظمُهم إن لم يكن جميعهم أنهم نادمون على إعطاء أصواتهم لصالح أردوغان. وهذه ملاحظة تستند إلى حقيقة أن أردوغان نال معظم الصوت الكردي بسبب النظرة إليه على أنه سيواصل “المسار السلمي” معهم الذي يعطيهم حقوقا سياسية جديدة في إدارة مناطقهم. وقد ساعدت العلاقات الاقتصادية والسياسية القوية لحكومة أردوغان مع إقليم كردستان العراقي ورئيسه مسعود البرازاني على تعزيز اتجاه الصوت الكردي نحو شخص أردوغان. ولا شك أن هذا الصوت ساهم في حصوله على الأغلبية ولو الضئيلة التي حصل عليها.

خسر أردوغان أكراد تركيا الآن وفي العام ونصف العام الذي سبق انتخابَه رئيساً خسر الفئات الشبابية المدينية والليبراليّين عبر تظاهرات “ساحة تقسيم” أي عمليا خسر النخب المدينية وقبل ذلك كان قد خسر معظم الصوت العلوي وما بقي له هو تل الكتلة الضخمة التي تستند عليها أكثريّتُه العددية في الأرياف وضواحي المدن وبعض أحيائها الشعبية من الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى.

وخلال العام المنصرم خسر أردوغان جزءاً مهما من النخبة الإسلامية المتنورة التي تحالفت طويلا مع “حزب العدالة والتنمية” عبر خسارته لحركة “حزمت” وزعيمها الشيخ فتح الله غولن الأمر الذي استتبعته حركة اعتقالات غير مسبوقة في صفوف الشرطة بسبب مساهمة ضباط فيها في كشف فضيحة فساد طالت ابن أردوغان وعددا من قيادات حزبه. كل هذا في سجل الخسارات فضلا أصلاً عن المعارضة العلمانية الواسعة وحزبها التقليدي “حزب الشعب الجمهوري”.

ذروة القوة من الممكن أن تفتح على منحدر الضعف فيما أردوغان يذهب بعيدا في مغامرته الجيوبوليتيكيّة التي يحاول الغرب ضبطها في سياق استراتيجيّته.

كتب أحد المعلّقين في صحيفة “حريات” (يوسف كانلي) أن كوباني وتركيا تحترقان معاً.

هذا ما لا يستحقّه بلدٌ هو تركيا يمثّل قبل أردوغان وبعده فرصةً رياديّة في العالم المسلم لمصالحة الإسلام والحداثة.