قبل ان يتشكل التحالف الدولي ضد “داعش” بقيادة الولايات المتحدة، قامت مفاوضات شاقة بين واشنطن وعدد من الدول العربية المعنية بمحاربة هذه الظاهرة، وانتهت بنتيجتين اساسيتن: الاولى ألا تكون ايران جزءا من التحالف لمنعها من مواصلة تمددها في الساحة العربية، والثانية ألا تقتصر الحرب على “داعش” بل ان يحال دون إفادة نظام بشار الاسد من المواجهة مع التنظيم الارهابي، وان يُرسم افق لتغيير الواقع السوري عبر تدريب وتسليح لتشكيلات سورية معارضة معتدلة في الخارج لتأهيلها من اجل مواجهة قوات الاسد وحلفائه في مرحلة لاحقة من اجل دفع النظام الى طاولة المفاوضات على قاعدة “جنيف -١” او هزيمته اذا تمنع. بعد ذلك انطلقت العمليات الحربية للتحالف بغطاء عربي كبير وفعلي، وبالتحديد في الرقة. بعد ذلك فاجأ “داعش” الجميع بحملة خاطفة على شريط من ستين قرية وبلدة تقطنها غالبية كردية فسقطت كلها في زمن قياسي وصولا الى عين العرب (كوباني) التي حوصرت، فارتفعت الاصوات من كل حدب وصوب لانقاذها من السقوط، وبدأت الحديث عن انضمام تركيا الى التحالف الدولي الذي كانت قد نأت بنفسها عن دخوله في مرحلة تشكله. عند ذلك تغيرت المعطيات، فالتحالف الذي قام على اساس اولوية الحرب ضد “داعش”، على ان يصار الى العمل لتغيير الواقع على الارض في سوريا، اضطرت قائدته اميركا الى التفاوض مع الجانب التركي لدفعه الى الاشتراك في العلميات، ولا سيما البرية من اجل منع سقوط كوباني. وبعد ذلك بدأت الحكومة التركية اتخاذ خطوات متدرجة كانت اولاها طلب اجازة البرلمان للحكومة الانضمام الى التحالف وتكليف الجيش بعمليات عسكرية في العراق و سوريا ضد “الارهاب”.
ولكن الامور توقفت عند هذه النقطة، اذ طرح الاتراك شروطهم للانخراط العلمي في العمليات العسكرية وتتلخص بثلاث نقط: اقامة منطقة عازلة على الحدود، وتجميع اللاجئين فيها، وتدريب وتسليح المعارضة السورية تمهيدا لاطاحة نظام بشار الاسد كهدف اساسي ليس فرعيا، على اساس ان ثمة ارهابين ينبغي محاربتهما “داعش” ونظام الاسد. تلكأ الاميركيون، وتمنع الاتراك عن التدخل، وعين العرب سقط نصفها بيد “داعش”، الى ان اعلن ليلة البارحة من واشنطن ان اتفاقا تم مع انقره يقضي بأن تقوم تركيا بموافقة ومشاركة اميركية بتدريب قوات من المعارضة السورية المعتدلة على اراضيها. بدءا من اليوم قد تتغير الصورة في عين العرب وجوارها، اذا ما تبين بالملموس ان اتفاقا حصل بين الاتراك والاميركيين لربط الحرب ضد “الارهابين” في شكل عملي وبأفق منظور. فلا تبقى الحرب ضد الارهاب الاول عاجلة، فيما الحرب على الارهاب الثاني مؤجلة الى ما لا نهاية. انطلاقا من هنا لا بد من فتح قنوات التنسيق بين انقره والرياض في شكل فعال لإنجاح الحرب ضد الارهاب الثاني، اي نظام الاسد.