لا ينظر إلى الاشتباكات التي يخوضها مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردي ضد مقاتلي تنظيم داعش في مدينة كوباني (عين العرب) بريف حلب الشمالي، بمعزل عن أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للأطراف المنخرطة في المعارك، أو المراقبة لتطوراتها، وخصوصا تركيا التي حشدت دباباتها على حدود المقاطعة التي تسكنها أغلبية كردية. ويتهم الأكراد أنقرة بأنها تقدم دعما لقوات «داعش» للسيطرة على المدينة، «بهدف إجهاض تجربة الإدارة الذاتية الكردية في المدينة»، في حين يسعى التنظيم إلى وصل مناطق سيطرته من دير الزور إلى شمال حلب جغرافيا، والسيطرة على الشريط الحدودي المحاذي للأراضي التركية، بينما يحاول الأكراد الحفاظ على وجودهم في المدينة، ومنع «محاولات التطهير العرقي التي يقوم بها التنظيم بحق الأقليات».
وكوباني الواقعة شمال شرقي حلب، وتحولت إلى ملاذ آمن للنازحين السوريين والكرد من مناطق شمال سوريا منذ عام 2012، تواجه أوسع حملة عسكرية ينفذها تنظيم «داعش» للسيطرة عليها، بعد إحكام سيطرته على معظم الأرياف المحيطة بالمدينة وتتبعها إداريا. وتشكل مقاطعة كوباني عقبة جغرافية أمام طموحات «داعش» لوصل المنطقة الجغرافية التي يسيطر عليها من دير الزور (شرق سوريا) الحدودية مع العراق، بمواقع سيطرته في ريف حلب الشمالي المحاذي لبلدة مارع الحدودية مع تركيا.
ويقول رئيس مجلس أمناء الثورة السورية في منبج منذر سلال لـ«الشرق الأوسط»، إنه «في حال سيطرة (داعش) على مدينة كوباني، تكون قد أحكمت سيطرتها على كامل الريف الشرقي لمحافظة حلب»، موضحا أن المدينة «هي الوحيدة بين مساحة جغرافية كبيرة الخارجة عن سيطرة التنظيم». إضافة إلى ذلك، يسعى التنظيم عبر مهاجمة كوباني «إلى السيطرة على شريط طويل من المنطقة الحدودية السورية المحاذية لتركيا، تمتد من ريف الحسكة الغربي (شمال شرقي سوريا) وصولا إلى أعزاز» التي تشهد تخومها في هذا الوقت معارك بين كتائب الجيش السوري الحر وكتائب إسلامية من جهة، ومقاتلي «داعش» من جهة أخرى.
ويسيطر «داعش» على منطقة حدودية واسعة تزيد على ثلث مساحة الشريط الحدودي السوري مع تركيا، تبدأ من ريف الحسكة شرقا، وتتجه غربا نحو الرقة، قبل أن تنقطع على حدود كوباني التي تفصل الرقة عن جرابلس بريف حلب الشرقي. لكن التنظيم لا يبسط سيطرته المباشرة على أي من المعابر الحدودية الرسمية، إذ يعد معبر تل أبيض مغلقا أمام الحركة التجارية على الرغم من سيطرة كتائب موالية لـ«داعش» عليه وليس خاضعا رسميا للتنظيم، كما يعتبر معبر جرابلس شبه متوقف أيضا عن العمل، علما أنه لم يكن مفتوحا أمام الحركة التجارية، فيما يقاتل التنظيم للسيطرة على المنطقة المحاذية لمعبر أعزاز. وتقول مصادر المعارضة السورية في شمال سوريا لـ«الشرق الأوسط» إن «سعي (داعش) للسيطرة على مساحة كبيرة من الشريط الحدودي المحاذي لتركيا، يعود إلى رغبة التنظيم بتسهيل عبور المقاتلين المهاجرين إلى سوريا»، موضحا أن قرية تركية حدودية صغيرة أنشأ فيها التنظيم ما بات معروفا بمضافة المهاجرين، يستقبل فيها المقاتلون الأجانب قبل إعادة توجيههم إلى سوريا وإدخالهم عبر معابر حدودية غير شرعية.
وعلى النقيض من طموحات «داعش»، يسعى المقاتلون الأكراد لمنع سقوط المدينة، بهدف «حماية المدنيين الأكراد من المذابح، ومنع التنظيم من ارتكاب حملة تطهير عرقي في المنطقة»، كما أكد الناطق باسم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي نواف خليل لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن التنظيم «يستكمل مشروعه بتطهير المناطق في العراق وسوريا من الأقليات، وتنفيذ حملات تطهير عرقي وطائفي، يماثل تماما ما حصل في العراق لجهة تهجير المسيحيين والإيزيديين، وحملات اضطهاد الأقليات».
ولا ينكر خليل مخاوف الأكراد من «عملية تطهير عرقي وارتكاب مجازر ومذابح» في حال دخل «داعش» إلى المدينة، «على الرغم من قتالنا لمنع سقوطها وإبداء مقاومة كبيرة لصد هجمات (داعش)»، مشيرا إلى أنه «في حال تمكنوا من دخول المدينة، فإن الحملات التالية لـ(داعش) ستكون موجهة باتجاه القامشلي (أكبر تجمع لأكراد سوريا)، وعفرين (ثاني أكبر تجمع للأكراد في سوريا)». وتبعد مدينة كوباني عن القامشلي ما يقارب 200 كيلومتر، كما تبعد عن عفرين ما يزيد على 150كم. وتفصل بينها وعفرين المدن التابعة لريف حلب الشرقي، بينها جرابلس ومنبج والباب، وتخضع بأكملها لسيطرة «داعش». وتفصل بين كوباني والقامشلي، محافظة الرقة الخاضعة بأكملها لسيطرة التنظيم، إضافة إلى مدن وقرى غرب وجنوبي الحسكة، بينها مركدة والشدادي.
وتخرج مناطق ريف حلب الشرقي عن سيطرة النظام السوري التي تبعد قواته عن كوباني في أقرب نقطة، 150كم في مدينة حلب. أما القوات التركية التي حشدتها حكومة أنقرة، فلا تبعد أكثر من 30 كيلومترا عن مدينة كوباني خارج الشريط الحدودي السوري.
ويتهم الأكراد أنقرة بدعم «داعش»، بهدف «منع قيام إدارة ذاتية كردية على حدودها»، كما يقول نواف خليل، علما أن هذه الإدارة الذاتية في المدينة تشارك فيها شخصيات عربية وأخرى شركسية.
ويضيف: «بعد سيطرة الأكراد عام 2012 على المدينة وطرد قوات النظام السوري، قالت صحف تركية إن هناك توجها لتمدد كردستان إلى سوريا»، لافتا إلى أن ذلك «يشير إلى أن تركيا تريد منع قيام هذه الإدارة الذاتية، ومنع أي اتصال بين المناطق الكردية في سوريا».
ويتساءل خليل: «لماذا تمنع تركيا دخول المقاتلين الأكراد والأسلحة إلى كوباني، مقابل سماحها في السابق لمقاتلي (داعش) بالدخول»، ويضيف: «تدعي أنقرة أن الوضع الكردي يشكل خطرا عليها، علما ألا اشتباك حصل مع تركيا منذ تشكيل الإدارة الذاتية في يناير (كانون الثاني) الماضي، فهل يكون خطرهم أكبر من خطر (داعش) عليها؟» ويقول: «اليوم تقصف دبابات ومدفعية (داعش) مدينة كوباني، وعليه نطالب التحالف الدولي بضربها بهدف حماية المدينة من القصف، كوننا أكدنا في تصريحات سابقة أننا جزء من التحالف، ونحن القوة الوحيدة التي وقفت بوجه التنظيم».
ماذا يريدون من تركيا؟ مهى عون/السياسة/10 تشرين الأول/14
ما زالت عين العرب (كوباني), ثالث مدينة كردية في سورية, تقاوم هجوماً مركزاً من قبل قوات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش), فالمقاتلون الأكراد الأشداء تمكنوا حتى الساعة من صد هذا التنظيم ومنعه من اقتحام البلدة, رغم توغله في أحياء تقع شرقي المدينة بعد قصف كثيف استمر أياماً. وإذ تساند مقاومة هذا الداخل قوات التحالف, مستهدفة تجمعات لداعش على أطرف المدينة, اعتبرت الخارجية الأميركية أن معركة كوباني “مرعبة”, مشددة على نية بذل الجهود لعدم وقوع هذه المدينة السورية الكردية الحدودية مع تركيا في أيدي تنظيم “داعش”. ولكن من دون قرار تركي بالتدخل المباشر سوف يبقى سيف “داعش مصلتاً” على المدينة, وهو ما استدركته الشرائح الكردية في تركيا التي تحركت في الآونة الأخيرة داخل تركيا للضغط على الحكومة لحثها على قرار التدخل العسكري, حيث أفادت وسائل إعلام محلية تركية أن أكثر من 14 شخصاً قتلوا وأصيب عدد كبير من المحتجين جنوبي شرق تركيا نهار الثلاثاء الماضي, بعد أن اندلعت مواجهات عنيفة بين الشرطة والأكراد الذين تظاهروا تأييداً لبلدة كوباني الكردية السورية, والتي استعملت فيها أسلحة نارية خفيفة, مع العلم أن التكوين الكردي يشكل نسبة 20 في المئة من الشعب التركي, أي ما يقارب ال¯13 مليوناً, وهي نسبة عالية قد تشكل في حال اشتعلت نيران الاحتجاج داخل تركيا تهديداً خطيراً للأمن القومي لهذا البلد. وحيال هذه المواجهات, صدر عن الحكومة التركية بيان شديد اللهجة جاء بشكل “توبيخ”, على لسان نائب رئيس الوزراء بولند أرينج, الذي قال إن “بعض أكراد سورية ارتكبوا خطأً من خلال وقوفهم إلى جانب نظام الأسد بعيداً من صف المعارضة السورية”, قائلاً لهم: “لماذا لم يحمكم النظام مع اقتراب (داعش) من مدينة عين عرب؟ ولمَ تطلبون الآن المساعدة من تركيا؟”. وكان قد تزامن في وقت سابق طلب الحكومة التركية الانضمام إلى التحالف مع تواتر الأنباء عن تقدم مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” باتجاه ضريح سليمان شاه عثمان الأول (جد مؤسس الامبراطورية العثمانية) في شمال سورية لكنه في الواقع تحت سيادتها, وذلك من أجل كسب موافقة مسبقة من التحالف الدولي في حال احتاجت للتدخل السريع في العمق السوري من أجل حمايته من أي خراب أو تدمير قد يلحقانه على يد “داعش”, ناهيك باحتمال خطف التنظيم أو قتله الجنود الثمانين الذين يسهرون على حمايته, فيما يتخوف الكثير من المراقبين من تحول هذا الضريح الى قميص عثمان ومادة خصبة قد تستعملها الولايات المتحدة وقوات التحالف لحمل تركيا على التدخل العسكري في كوباني, ضمن سياق حملة التحالف ضد “داعش”, ومن دون شروط مسبقة, إضافة إلى ترقبهم تحول موجة الاحتجاجات الكردية المتصاعدة في الداخل التركي الى عصا غليظةً قد تستعملها بشكل غير مباشر قوات التحالف للضغط على القرار التركي للتخلي عن الشروط المسبقة نفسها التي وضعها رئيس الحكومة أحمد داوود أوغلو في وقت سابق. وكان رئيس الوزراء التركي حذر من أن بقاء الأسد في السلطة قد يشكل عنصراً مهماً يساعد “داعش” على النمو والانتشار, حيث قال: “حينما استخدمت الأسلحة الكيمياوية في سورية طلبنا من الحلفاء رسمياً اتخاذ مواقف صارمة ضد النظام السوري, وذلك لأن السياسات الطائفية التي انتهجها ذلك النظام تسببت في حدوث فراغ سده تنظيم داعش”. وفي رفض ديبلوماسي أميركي لمناورات الحكومة التركية في وضعها شروطاً مسبقة للتدخل في كوباني, اعتبر وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن فكرة إقامة منطقة عازلة بين تركيا وسورية يتعين أن تحظى بدراسة متأنية, كما ذكَّر تركيا بتعهدها المشاركة في التحالف بعد الإفراج عن 49 رهينة تركية كانت محتجزة لدى “داعش” في بغداد. وفي السياق عينه, وخلال مؤتمر صحافي مشترك جمعه مع نظيره البريطاني, جدد كيري عدم رغبة الولايات المتحدة في إقامة هذه المنطقة العازلة. وفي قراءة لهذا الموقف يمكن القول إن الولايات المتحدة وحلفاءها يتخوفون من تحول هذه المنطقة العازلة مقدمةً لسقوط النظام السوري, وهو قرار لم يتخذ بشأنه قرار بعد على مستوى دول القرار, رغم إدراجه ضمن الشروط المسبقة التي وضعتها الحكومة التركية لتدخلها في كوباني, زد على ذلك الرغبة الأميركية في تحقيق عملية الترانسفير للكرد باتجاه الداخل التركي. من هنا يمكن الاستشراف فالقول إن ما تريده الولايات المتحدة فعلاً من تركيا ليس المساعدة الميدانية بقدر ما هي المساعدة الإنسانية في تأمين العون لسكان كوباني لترحيلهم من تحت النيران باتجاه الداخل التركي, وهي ستراتيجية دولية ربما تتلمسها الحكومة التركية وتحملها على القلق والتردد في المضي بستراتيجية التحالف تجاه كوباني, كون أي ترحيل طارئ جديد للأكراد باتجاه الداخل التركي, سوف يضاعف عدد النازحين الأكراد المتواجدين هناك حالياً, خصوصاً أن خطورته بالنسبة إلى تركيا تأتي من تحوله إلى نزوح دائم من غير أفق, أو ربما نهائي, وما قد يستتبعه من خلل على صعيد التركيبة الديموغرافية لمكونات الشعب التركي في حال استجر هذا التواجد المزيد من النزوح الكردي السوري باتجاه الداخل التركي. في النهاية, عملية عض الأصابع بين تركيا وقوات التحالف التي تعكس سياسة المجتمع الدولي, لا بد أن تأخذ منحى معيناً ونهاية ما, فسيف نار احتدام الأحداث الأمنية في الداخل التركي ما زال متفاقماً, إضافة إلى التهديد القائم لمرقد سليمان شاه, ما يشكل سيفاً مصلتاً فوق رأس الحكومة التركية التي باتت تخشى حالياً من أن يساهم دعم الولايات المتحدة الموقف الكردي شمال سورية في تقويته, ولاسيما مع احتمال أن تنتهي الأسلحة الغربية التي يتم تسليمها إلى المقاتلين الأكراد لمقاومة “داعش”, في أيدي حزب العمال الكردستاني الذي بدأت معه حكومة أنقرة محادثات سلام قبل نحو عامين, حيث من غير المستبعد أن تحثه الولايات المتحدة أيضاً على التخلي عن المفاوضات في حال تأخرت الحكومة التركية عن مد يد