بول سالم/التحالف الدولي ضد «داعش» وفرص إنهاء الأزمة السورية

355

التحالف الدولي ضد «داعش» وفرص إنهاء الأزمة السورية

بول سالم /الحياة/03 تشرين الأول/14

ادى صعود تنظيم «داعش» إلى زعزعة استقرار العراق وجلب المزيد من المعاناة إلى سورية، وصدم المنطقة بأسرها بل والعالم. إنه أوسع اختراق ارهابي في التاريخ الحديث للعالم العربي، ويشكل تهديداً للأمن الدولي أكبر من ذلك الذي شكّله في الأساس تنظيم «القاعدة». ولكن صعود «داعش» له أيضاً عدد من العواقب على العلاقات الإقليمية والدولية التي قد يكون لها تأثير ابعد من بقاء أو هزيمة هذه المجموعة نفسها. والأهم هو أن ردود الفعل على «داعش» يمكن أن تخلق فرصاً جديدة للعودة الى طرح حل سياسي للأزمة السورية.

لقد أدت انتصارات «داعش» في العراق إلى تطورات سياسية عدة (ايجابية!) منها: 1- إزاحة رئيس الوزراء نوري المالكي الذي أدت سياساته إلى تقسيم العراقيين وساعدت على تهيئة الظروف لصعود «داعش»، 2- تعيين حيدر العبادي رئيساً للوزراء، 3- تشكيل حكومة جديدة تشمل تمثيلاً ذا صدقية للسنّة والأكراد، 4- تعزيز العلاقات بين بغداد وأربيل بعدما كانت على حافة الانهيار، 5- على رغم أن العلاقات بين الشيعة والسنّة في العراق لا تزال سيئة، فقد تم الترحيب بالحكومة الجديدة باعتبارها بداية جديدة يمكن أن تكون حجر الأساس لإعادة بناء الثقة والتعاون بين الطائفتين.

6- رحبت المملكة العربية السعودية بالتغيير في بغداد، وأعلنت أنها ستستعيد العلاقات الديبلوماسية الكاملة مع العراق. فاستعادة العلاقات السعودية- العراقية أمر ذو أهمية من أجل طمأنة السنّة العراقيين على مستقبلهم السياسي في العراق، وذو أهمية أيضاً من أجل إقناع القادة الشيعة في بغداد بأن التعاون مع الدول العربية – وإن كانت سنّية – هو مكسب وليس تهديداً، وإنه يمنحهم المزيد من الخيارات بدل اعتمادهم دائماً وفقط على إيران. فبعد فشل سياسات نوري المالكي، لدى العراق الآن فرصة جديدة لإعادة بناء المشاركة السياسية وتقاسم السلطة وإصلاح علاقات العراق المنقطعة مع دول الخليج وجزء كبير من العالم العربي.

7- شرعت الأزمة أيضاً في إعادة بناء العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، والتي كانت قد توترت في السنوات القليلة الماضية. فالخلافات حول نهج أوباما المتردد تجاه سورية حتى وقت قريب، فضلاً عن الخلافات حول مصر، قد زعزعت هذه العلاقة الاستراتيجية.

8- دفعت الأزمة أيضاً دول مجلس التعاون الخليجي للنظر بعمق أكثر في مصادر الفكر الجهادي المتطرف وللتعبئة واتخاذ كل الإجراءات اللازمة على كل المستويات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والدينية لتجفيف المنابع التي تغذي هذه الحركات.

9- شجعت الأزمة أيضاً دول مجلس التعاون الخليجي على استخدام قوتها بصورة مباشرة كما هو الحال في الضربات الجوية ضد «داعش» وليس الاعتماد دائماً على الولايات المتحدة او الغرب لمواجهة التهديدات في المنطقة.

وفي سورية، حطم الائتلاف لمحاربة «داعش» بالفعل عدداً من الافتراضات وسيخلق عدداً من الحقائق الجديدة هناك. فقد تم اولاً خرق الافتراض أن نظام الأسد لا يزال يتمتع بالسيادة والشرعية، وذلك الخرق اتى من جانب الولايات المتحدة وائتلاف من 40 دولة. وتم تجاهل تحذيرات النظام ضد انتهاك مجاله الجوي، وكان على النظام أن يرضى بادعائه أنه تم «إبلاغه» بالضربات قبل وقوعها. وبغض النظر عن الشلل على مستوى مجلس الأمن الدولي، فمن الواضح أن لاعبين دوليين وإقليميين رئيسيين لم يعودوا ينظرون إلى حكومة الأسد على أنها ذات سيادة في سورية.

ثانياً، وعلى رغم الشكاوى من المعارضة المعتدلة التي لم تكن على علم أو استشارة قبل بدء الضربات، فإن هذه المبادرة العسكرية الجديدة لن تأتي لمصلحة النظام، بل ستعزز مع الوقت المعارضة المعتدلة ليس فقط من خلال التمويل المباشر والتسليح والتدريب، ولكن أيضاً من خلال وجود قوة جوية دولية كبيرة الى جانبها.

كما اهتزت ثالثاً أسطورة الحماية الروسية. فروسيا كانت قادرة على عرقلة القرارات في مجلس الأمن الدولي، ولكنها لم تتمكن من فعل أي شيء عندما التفّت الولايات المتحدة على مجلس الأمن، وأنشأت تحالفاً دولياً للتدخل في سورية. كما ان موسكو ليست قادرة على تقديم أي دعم عسكري فعلي للنظام السوري إذا اختارت طائرات حربية أميركية ضرب أهداف للنظام في ما بعد.

كما اهتزت ايضاً هيبة إيران في سورية. فإيران تعاونت بشكل فعال وغير مباشر مع الولايات المتحدة في العراق من اجل إزاحة المالكي، وقبلت أن تسعى الحكومة الجديدة الى طلب مساعدة الولايات المتحدة في دحر «داعش». ولكن بعدما رفضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عروض نظام الأسد للتعاون، اعلنت إيران موقفاً متشدداً ضد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة للتدخل في سورية من دون اي رد فعل من واشنطن. كما ثبت ضعف المقولة أن الولايات المتحدة لن تخاطر بالتدخل في سورية خوفاً من التأثير سلباً في مفاوضات 5+1 مع ايران بشأن ملفها النووي. وأصبحت إيران تقدر في شكل صحيح أن التدخل الأميركي العربي التركي في سورية لا يمكن إلا أن تكون له عواقب سلبية على نظام الأسد ومصالح إيران. ويشاطر «حزب الله» ايران القلق ذاته، فقد ندد زعيم الحزب السيد حسن نصرالله علناً بالائتلاف الجديد.

ولكن الأهم من ذلك، إن الحرب على «داعش» يمكن أن تخلق الظروف التي يمكنها إعادة فتح الباب لتسوية سياسية في سورية في ما بعد. وهنا يمكن ان تصبح مصالح روسيا وإيران، فضلاً عن مصالح قاعدة دعم نظام الأسد، مختلفة عن مصالح الرئيس الأسد والمجموعة المحيطة مباشرة به. إذا أمكن في غضون عام أو اثنين احراز تقدم في الحملة ضد «داعش»، وفي حال استعادت المعارضة المعتدلة بدعم من الولايات المتحدة والقوى العربية والتركية السيطرة على غالبية الأراضي المتمردة، فإن الظروف لتسوية سياسية يمكن أن تصبح ناضجة.

أوضحت الولايات المتحدة في جنيف ولا تزال أن التسوية السياسية بين النظام والمعارضة هو ما تريد. وكان نظام الأسد وروسيا هما اللذان عرقلا هذا المسار في اجتماع جنيف الأخير. وكانت ايران غير مدعوة الى الاجتماع، الا انها كانت غير مشجعة وراء الكواليس لحض الاسد على تقديم تنازلات كبيرة او على التنحي. في عام 2011، كانت روسيا وإيران حريصتين على رؤية الولايات المتحدة تغادر العراق والمشرق، وهما ليستا راضيتين أن تعود الولايات المتحدة من جديد ليس فقط الى العراق ولكن الى سورية ايضاً. وإذا دام هذا الوجود وتعمق، فإنهما ستبحثان عن وسيلة للعمل من جديد على إخراج الولايات المتحدة من المنطقة، ومن سورية على وجه الخصوص. ومن الواضح ان من شروط خروج الولايات المتحدة في ظرف كهذا، ايجاد حل سياسي للأزمة السورية، وتشكيل حكومة ائتلافية في دمشق، وتنحّي الرئيس الاسد. وما حصل أخيراً في بغداد بتنحي المالكي وتشكيل حكومة ائتلافية جامعة ليس بعيداً من السيناريو الذي قد يطرح في مرحلة لاحقة في سورية.

من جهة اخرى، كان نظام الأسد قد اقنع القاعدة الداعمة له بأنه الضمان الرئيس ضد التيار الجهادي المتطرف، ولكن في هذه الحالة ستكون الولايات المتحدة وشركاؤها الإقليميون (من الدول السنيّة!) هم الذين يشنّون الحرب الرئيسة ضد «داعش». وقد تدرك هذه القاعدة ان بقاء الأسد ليس ضمانة بل عقبة، وأن الضمانة هي انهاء الازمة السورية، التي اضحت حرباً طائفية لا نهاية لها، وإبرام عقد سياسي سوري جديد ينهي الصراع السياسي الذي اطلق عنان هذه الازمة ويعيد جمع السوريين. وذلك بضمانة روسية- اميركية وبموافقة ضمنية ايرانية- عربية (خليجية) وتركية.

والحق، فكل هذا الآن قد يبدو بعيد المنال، حيث إن التركيز الرئيس هو على المواجهة ضد «داعش». ولكن على المدى الطويل، فإن صعود «داعش» يمكن أن يخلق تحولات في العلاقات الإقليمية والدولية من شأنها قلب الموازين في سورية وجعل حل الأزمة السورية ضرورة دولية وإقليمية ملحّة. وكما يقول المثل الشائع: «إذا ما كبرت ما بتصغر». دعونا على الأقل نأمل في أن صعود «داعش» قد يخلق ظروفاً من شأنها الدفع لتسوية الأزمة السورية التي قتلت وشردت الملايين ودمرت سورية وزعزت المنطقة بأسرها.

* نائب رئيس معهد الشرق الاوسط – واشنطن