على افتراض ان انعقاد جلسة مجلس النواب اليوم يشكل جرعة تنفس تأخرت كثيراً لإعادة الاعتبار الى هيكل سياسي أصيب بالترهل والتآكل، ترانا نتعلق بأهداب التعويل الذي لا خيار آخر سواه، على ان تكون القوى السياسية قد توصلت الى يقين قاطع ان منع سقوط لبنان امام زلازل الارهاب والحرب عليه لن يكون الا بيقظة اللحظة الحاسمة. يستوقفنا هنا كلام الرئيس تمام سلام عقب زيارته لنيويورك الذي غلبت عليه واقعية عميقة، فلم يقع في وهم التعويل المفرط على حملة التحالف الدولي على داعش في سوريا والعراق كما لم يسقط امكانات الإفادة منها، بل بدا متوجسا من تداعياتها على لبنان. معنى ذلك ان ما بات يعرفه الجميع من ان لبنان محاصر بسنوات من تداعيات هذه المواجهة الصعبة والشديدة الغموض في اتجاهاتها وأهدافها لن يبقي امام القوى السياسية قاطبة سوى خيار تعويم المظلة الدستورية الحامية للجيش والقوى الامنية، وكل خيار آخر سيجعل لبنان ينزلق اكثر فاكثر نحو التداعيات التصاعدية للزلزال. أهم ما يتعيّن على القوى اللبنانية ان تضعه جيدا تحت المنظار المكبر هو الا تقع وقعة التحالف الدولي نفسه في تعامله المتمهل مع تنظيم “داعش”. ولعل المفارقة الحسنة لا تزال تتيح للبنانيين، على رغم كل شيء، الاستدراك والنفاد من خرم الإبرة خصوصا بعدما سلكت التطورات العسكرية والميدانية في سوريا تحت وطأة الحملة الجوية مسالك جديدة. وليس قليلا ان يكون لبنان الذي يعاني من فراغ رئاسي لما يزيد عن اربعة أشهر قد تمكن ولو بشق النفس الموجع من صد الهجمات الارهابية المباشرة الاولى من دون السقوط في الفتنة التي دبرت ولا تزال تدبر له. كما ان الدعاية النافخة في التضخيم عن وجود بيئة حاضنة للايديولوجية العدمية لم تتمكن من حجب التفاف غير مسبوق حول الجيش حتى في مظاهر الانصار والتسلح والأمن الذاتي على خطورتها. مفاد ذلك ان رداً سياسياً استثنائيا غير متوقع وغير مألوف في أمراض التركيبة اللبنانية لم يحجب حقيقة يجب ان يرفع لواؤها بقوة ليخفي “الرايات السود” وهي ان ذعر اللبنانيين مما يتربص بهم قد يكون أصاب واقع رفض جميع القوى اللبنانية بلا استثناء للاستباحة الارهابية. وهما ذعر ورفض لا ينتجان واقعا دفاعيا متماسكا وقويا الا بإعادة احياء النظام الدستوري ولو على قاعدة توافقات الضرورة مهما تلونت اساليبها. ولا نرى جدوى من ترف لا مكان له في ظروف اشد من قسرية وقاهرة لمنع تنامي هذا الذي يبدأ اليوم في مجلس النواب والذي يفترض ان يتسع أفقيا وعموديا ربما يؤدي بديناميكية “التوافقات القاهرة ” الى اعادة الروح ايضا الى قصر بعبدا المهجور.