أسئلة غامضة حول التفاوض والمقايضة والبدائل قاعدتان لصفقة ملائمة تختبران القوى الحكومية
روزانا بومنصف/النهار
29 أيلول 2014
حصل تطوران سياسيان مهمان في ملف الرهائن العسكريين أحدهما يتمثل بموقف النائب وليد جنبلاط الذي انتقل من التفاوض الى المقايضة والآخر تمثل بموقف “حزب الله” الذي عبر عنه الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله الذي رغب في ابعاد مسؤولية اعدام العسكريين عن كاهل الحزب نتيجة الموقف الذي ساد منذ خطفهم من رفض للتفاوض بذريعة ان التفاوض والتبادل يمسان هيبة الدولة بالصميم ويشجع الدواعش على استمرار اعمالهم البربرية ومنها خطف الرهائن. أضعفت مواقف الافرقاء السياسيين موقف الحكومة التي تناقضت مواقف وزرائها بحسب مواقعهم وتمثيلهم فيما نفذ الخاطفون الى السياسة اللبنانية من الباب نفسه الذي اعتمده لعقود النظام السوري ولا يزال وهو اللعب على التناقضات الداخلية وتوظيفها لمصلحته من خلال السعي الى تقليب اللبنانيين على بعضهم البعض بدلاً من الوقوف صفاً واحداً في المواجهة . ومع هذين التطورين واللذين توّجا بموقف لرئيس الحكومة تمام سلام من نيويورك قبيل عودته الى بيروت من دعمه للتفاوض من اجل تحرير العسكريين يفترض ان يكون توافر الحد الادنى من التوافق على رغم تصريحات لوزراء لا تزال تساهم في زيادة البلبلة وشحن الاجواء انطلاقاً من ان توظيف الخاطفين للاعلام يصب في مصلحتهم ضد الحكومة اللبنانية. اذ حتى الآن لا يزال ثمة التباس بما هو موقف الحكومة وهل ان التفاوض لا يعني المقايضة ام يتضمنها؟ وهل ان موقف الحزب الذي قبل بمبدأ التفاوض يرفض المقايضة ام يقبلها ضمناً؟ وهل ان ذلك من اجل تفادي الاسوأ بالنسبة الى توتر الوضع الداخلي ومنع النفاذ اليه ام انه من اجل توظيف الفشل لمصلحته؟
لا اعتقاد لدى احد ان الحكومة اللبنانية او رئيسها لا يعرف ما معنى التفاوض او المقايضة. فالتفاوض من حيث تحديده العلمي هو السعي الى ايجاد تسوية مقبولة بين طرفين وفي حال الحكومة اللبنانية وعدم التكافؤ بينها وبين تنظيمين ارهابيين حصولها على اكبر قدر مما تريده في فرض سلطتها وسيادتها على الاراضي اللبنانية جنباً الى جنب مع استعادة العسكريين المختطفين. ويشمل التفاوض في الاساس عناصر عدة في مقدمها تحديد الهدف أي علام التفاوض ولماذا وما الذي لدى الحكومة والطرف الآخر يمكن تبادله او ما الذي لدى اي منهما ما يحتاج اليه او يريده الطرف الآخر؟ واذا كانت الحكومة لا تستطيع التوصل الى اتفاق او التجاوب مع طلبات الطرف الآخر، ما هي البدائل لديها، وهل هي بدائل جيدة ام بدائل سيئة، وما هي بدائل الطرف الآخر؟ ويروي وزير سابق في هذا الاطار انه قبيل اجتماع لمجلس الوزراء أسر له أحد الوزراء برغبته في ان ينصح باتخاذ موقف بالحسم العسكري وعدم التفاوض مع التنظيمات الارهابية. فسئل الوزير اذا كان يعلم ما هي استعدادات الجيش اللبناني لخوض مواجهة من هذا النوع وما هي كلفتها وكم يمكن ان تدوم، بضعة اسابيع او بضعة اشهر؟ وهل ان احتمال حاجة الجيش الى مساعدة في وقت ما يمكن معه اللجوء او التسامح مع مد “حزب الله” يد العون للجيش وكيف يمكن ان يكون اثر ذلك على بيئة مذهبية متداخلة مع الاخذ في الاعتبار مقولة للرئيس السابق ميشال سليمان من ان نجاح الجيش في نهر البارد انما بني على وجود بيئة سنية داعمة في محيط المخيم بحيث لم يكن ذلك ليكون متاحا من دون توافر هذه البيئة ومن دون الغطاء السياسي السني الذي امنه الرئيس سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة انذاك؟
واستتباعاً ما هي النتائج التي ترغب بها الحكومة اللبنانية من التفاوض وما هي المترتبات المحتملة بالنسبة الى عدم اللجوء الى التفاوض، ومن يمكن ان يخسر اكثر ان لم يتم التوصل الى اتفاق؟ يضاف الى ذلك ما هي التنازلات الممكنة في التفاوض وهل المقايضة جزء لا يتجزأ منها علما ان التحديد العلمي للمقايضة هو تبادل شيء بشيء آخر وبحسب موقع المتفاوض ومن له اليد العليا في التفاوض يمكن للحكومة اللبنانية تأمين صفقة مقايضة مناسبة لها، انما على قاعدتين على الاقل لم يتوافرا كلياً حتى الآن مما منع مثلا توظيف او استغلال مطالبة التنظيمين المتطرفين باطلاق الاسلاميين المحتجزين في سجن رومية بالتزامن مع المطالبة بانسحاب “حزب الله” من سوريا؟ فاذا كان هذا العنصر الاخير مطلباً حقيقياً وصحيحاً وضرورياً كون تدخل الحزب في شؤون دولة اخرى امر مرفوض فان ذلك ينسحب بالمقدار نفسه على رفض لبنان اطلاق الاسلاميين من سجن رومية رفضا لتدخل التنظيمين المتطرفين في الشؤون اللبنانية. لكن يخشى الا يكون توافر القاعدتين المطلوبتين ممكناً نتيجة وقوع هذا الملف في صلب الانقسامات السياسية والمذهبية في لبنان والمنطقة. اولى هاتين القاعدتين هو التزام القوى السياسية الصمت الكلي في موضوع الرهائن العسكريين والتوقف عن المزايدة في توظيف هذا الملف اعلامياً وسياسياً واجتماعياً بما قد يساعد نسبياً في وقف ضخ الموقف اللبناني بأسباب ضعفه ووهنه. والثانية التوافق من ضمن الحكومة على الحد الممكن الذي يكفل تعاطيها مع هذا الموضوع كفريق واحد وليس كأفرقاء بحيث يسحب من التنظيمات المتطرفة اوراقا تستخدمها او توظفها لمصلحتها. فهل تهدر الحكومة مزيداً من الوقت في البحث في جنس التفاوض او المقايضة، وهل يمكن ان يتحمل الوضع الداخلي مزيدا من ذلك؟