دمشق خارج الممانعة في الخندق السوري – الأميركي
زهير قصيباتي/ الحياة/25 أيلول/14
بعدما دشن التحالف الحرب على «داعش» والإرهاب بنسخته الجديدة الساعية الى شطب الحدود، وإخضاع المجتمعات قسراً بعد تدميرها لإعادة تشكيلها وفق رغبات الخليفة البغدادي… سيمكن الرئيس باراك أوباما وهو يخاطب العالم من على منبر الأمم المتحدة أن يكون مطمئناً الى ان الإدارة الديموقراطية في الولايات المتحدة لن تنزلق الى مستنقع حرب لا تكتسب شرعية كاملة، أو تراها بلا جدوى للأميركيين ومكلفة لهم.
الحرب على «داعش» نجم الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتحالف الذي بات يضم خمسين دولة، لا يدافع عن أمن الأميركيين فحسب، بل كذلك عن حدود دول وكيانات، فيما الحرب ذاتها ترسم خريطة جديدة للتحالفات الإقليمية والدولية. وإذا كان بديهياً أن حساباتها في العراق (بوجود سلطة شرعية) مختلفة عن حساباتها ومعطياتها في سورية (سلطة معزولة ومفككة تنبذها أميركا وأوروبا)، فالحال ان تدشين أول فصول هذه الحرب، بدأ يكشف معارك أخرى بين أطراف اقليمية ودولية، أقلها ما تبقّى من اركان محور «الممانعة».
هي معارك صامتة لا تشبه أسلحتها صواريخ «توماهوك» التي تطارد قواعد «داعش» وسواه من التنظيمات المصنفة إرهابية. صحيح ان الاندفاعة العربية في القتال ضد «داعش»، ولو بالغارات الجوية، ربما أحرجت أوباما فحسم تردده وتلعثمه ليوسع الغارات إلى سورية، لكن الصحيح أيضاً أن للولايات المتحدة وإدارتها الديموقراطية حسابات داخلية – أمنية لا تفقِد الحرب على «الدولة الإسلامية» شرعيتها.
والمفارقة ان تحالف النظام السوري وموسكو وطهران (ومعها حزب الله) الذي صمد لأكثر من ثلاث سنوات ونصف سنة لحماية النظام في دمشق وإنقاذه من الانهيار، تلقى ضربة سياسية من الحرب على «داعش»… أصابت قذائفها لحمته وتماسكه. وأبسط المؤشرات أن تبادر موسكو الى تصعيد لهجتها دفاعاً عن «سيادة سورية»، وأن تقتدي بها طهران التي استبعدتها واشنطن من تحالف الخمسين دولة، فيما الرئيس بشار الأسد يرحب بجهود هذا التحالف، ولا يخفي معارضوه سعادتهم.
وبعيداً مما بدا تكاذباً في إعلان دمشق مبادرة واشنطن إلى إبلاغها قبل الغارات الأولى على مواقع «داعش» في الرقة، تظهر روسيا وإيران في موقع متقدم على الأسد، في التحذير من «انتهاك السيادة السورية». وواضح ان نظام الأسد حاول من دون جدوى استخدام ورقة «داعش»، وكونه والغرب في مواجهة «عدو» مشترك(!)، لتعويم شرعيته. أما روسيا التي فعلت ما فعلته بحدود أوكرانيا، فلعلها لا تملك جزرة لترغيب الأميركيين والأوروبيين بتحييد النظام السوري عن كل مراحل الحرب على «الدولة الإسلامية». وتلك ليست حال إيران التي تظن ان بإمكانها مقايضة التعاون في الحرب بـ «مرونة» غربية في مفاوضات برنامجها النووي، رغم النفي الأميركي، تواصل طهران حرب التسريبات، فتروّج لتطمينات من واشنطن بعدم استهداف النظام السوري بالغارات الجوية والضربات الصاروخية. ويواصل الرئيس حسن روحاني التلويح بجزرة العلاقات وثمارها مع الغرب، إذا أُنجِز تفكيك عُقد البرنامج النووي في المفاوضات على هامش الجمعية العامة.
وهكذا يتبين مقدار الإرباك الذي أصاب الكرملين لدى إطلاق التحالف أول صواريخه على مواقع «داعش» في سورية، ومقدار حيرة الإيرانيين العالقين في قفص المفاوضات النووية، والذين لا يمكنهم التنديد بحرب كبرى على الإرهاب… أو على الأقل لا يتحدثون بلغة واحدة. وواضح بالتأكيد أن حملة خامنئي أخيراً على «الكذب» الأميركي، قطعت الطريق أمام أي مفاجأة قد يحصدها روحاني بلقاء مع أوباما في نيويورك، بات احتمالاً بعيداً.
مع ذلك، ورغم الارتباك، تخوض إيران حرب مواقع على النفوذ الإقليمي، فتسقط صنعاء في قبضة الحوثيين، وتوقع اتفاق تسوية أقرب الى ان يكون استسلاماً لهم. وبين حرب وأخرى، بالصواريخ والضغوط وجزرة الترغيب، يفقد الكرملين تدريجاً ورقة كانت «رابحة» في حمايته للنظام السوري، ويتوهم النظام بأنه ما زال يملك جزرة يطعِمها للغرب… وإن كانت مناهضة «حزب الله» (كتحفظ طهران) لضربات التحالف في سورية، مؤشر تباين فجّ مع حسابات الحكم في دمشق، فالأكيد ان أولى الغارات على «داعش» ضربت ما بقي من تماسك لـ «الممانعة»، في الصميم. أي «ممانعة» ومقاومة، حين يصبح الجيشان الأميركي والسوري «في خندق واحد»؟ تلك أمنية النظام.
وما دام هو يناور لحسابه، ما الذي يحول دون لعب إيران بكل أوراقها، بما فيها سقوط صنعاء والاحتفال بهذا «الانتصار»؟
الحرب على «داعش» في بدايتها، و «خلافة» البغدادي قد لا تكون وحدها بين أحجار الدومينو.