ما بعد ورطة عماد جمعة ، مثلث برمودا-عرسال ومأزق الأسرى
محمد سلام/الإثنين 22 أيلول 2014
أواخر القرن الماضي حطت طائرة ركاب في مطار خليجي في طريقها إلى طهران. الأمر عادي والرحلة إعتيادية. ما لم يكن عادياً أن أحد المدققين في أسماء الركاب إكتشف أن على متن الرحلة إلى طهران مسافر إسمه … عماد مغنية.
إضطرب الوضع في المطار، وبدأ تحريك سيارات الإطفاء إلى المدارج لمنع الطائرة من الإقلاع، وتم إبلاغ المراجع العليا بأن عماد مغنية المطلوب في كل دول الخليج بأخطر تهمة، أي محاولة إغتيال أمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح، هو على متن الطائرة المتوجهة في رحلة إعتيادية إلى طهران، وأن إسمه الصريح مدرج على لائحة الركاب. لم تكن آليات الإطفاء قد أخذت مواقعها على المدارج عندما جاء الأمر من المرجع الأعلى في الدولة بأن لا يتم أي إعتراض للطائرة ويسمح لها بإكمال رحلتها إلى طهران، وعلى متنها “الهدية المسمومة” عماد مغنيّة. رجل الأمن العادي في المطار الخليجي لم يفهم لماذا سمحت الدولة لمطلوب بأخطر تهمة بأن يكمل رحلته. لكن الحاكم الحكيم فهم ما وراء إرسال عماد مغنية، وبإسمه الصريح، على متن طائرة ركاب إلى مطار خليجي. أفشلت حكمة الحاكم الخليجي ما كان مؤامرة أعدت لإشعال الخليج من الداخل. في شهر آب الماضي كان عماد آخر، عماد جمعة، يسلك طريقه “المعتادة” في جرد عرسال، كما يفعل عادة، يزور أهله في مخيم النازحين ويغادر إلى الجرود. يومها … تم توقيف عماد جمعة، يومها سقط لبنان في ورطة عماد، تحولت عرسال من بلدة لبنانية إلى ما يشبه مثلث الموت في برمودا، وتحول لبنان برمته إلى مجرد ملف أسرى. هي “المدرسة” نفسها، أفشلت حكمة الحاكم الخليجي مؤامرتها فأسقطت كل لبنان في … ورطة عماد، حولت عرسال، البلدة اللبنانية المسلمة السنيّة، إلى مثلث موت، وجعلت من البلد بأكمله مجرد ملف أسرى. الأسرى ليسوا فقط هم الذين تحتجزهم الدولة الإسلامية والنصرة في الجرود. كل اللبنانيين أسرى … إلا الذين أرادوا أن يأسروا البلد، ويقتلعوا عرسال، ويستنزفوا الجيش. هؤلاء هم المجرمون.
البعض يراهن على تحالف أوباما لضرب “المتطرفين” من العراق إلى جرد عرسال مروراً بسوريا. ولكن تحالف أوباما سقط يوم الأحد في 21 أيلول (سبتمبر) العام 2014 بسقوط التسوية الخليجية-الأميركية في اليمن مع إحتلال الحوثيين العاصمة صنعاء، وبسقوطها ماتت شقيقتها التسوية الخليجية-الأميركية في العراق لأنها نسخة طبق الأصل عنها، فتحوّل تحالف أوباما من حرب على “الدولة الإسلامية” إلى شبهة حرب على العرب السنّة لأن قاعدته السياسية … ماتت.
الإعتراف الخليجي بسقوط التسوية اليمنية عبّر عنه بصراحة ملفتة الكاتب السياسي السعودي المرموق عبد الرحمن الراشد في الصحيفة السعودية-الدولية الشرق الأوسط، إذ وصف المبادرة الخليجية بأنها “ساذجة.” وتحت عنوان ” صالح والحوثيون والاستيلاء على صنعاء” خَلُصَ الأستاذ عبد الرحمن الراشد في مقالته بعدد الشرق الأوسط ليوم الإثنين في 22 أيلول (سبتمبر) إلى أن “السكوت عن استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء، يماثل القبول باستيلاء «داعش» في العراق على مدينة الموصل. أنصار الله الحوثية جماعة دينية متطرفة، تريد فرض سلطتها وعقيدتها وتقصي غالبية اليمنيين. ووجودها هناك سيعني قطعا اضطرابات ستدوم لسنين طويلة، وهذا هدف إيران، المربي والممول الأول للحوثيين. وكذلك الحال بالنسبة لجماعة (الرئيس السابق علي عبد الله) صالح التي نشرت الفوضى، مستفيدة من سذاجة المبادرة الخليجية التي تركت لصالح الباب مفتوحا ليخرج بكل أمواله ورجاله، وهو الثعلب المعروف، حكم اليمن لأكثر من ثلاثة عقود بالحيلة وكان يخزن أموال الدولة في الخارج. ومن أخطاء المبادرة الخليجية أنها قبلت بتكليف رجل من رجال صالح، عبد ربه منصور هادي، رجل بلا شخصية، ولا مهارات، ولا ثقافة سياسية تؤهله لإدارة بلد معقد النزاعات.”
إذا كانت المبادرة الخليجية في اليمن “ساذجة”، ومن أخطائها أنها قبلت بتكليف “رجل صالح” عبد ربه منصور، فكيف تكون المبادرة الخليجية “نبيهة” في العراق ولا سيما أنها قبلت بتكليف رجل المالكي، حيدر العبادي، تأليف حكومة تفتقر إلى وزيري دفاع وداخلية؟ وكيف تكون المبادرة الخليجية “نبيهة” في العراق حيث قبلت بنوري المالكي نائبا لرئيس الجمهورية، وبإبراهيم الجعفري وزيراً للخارجية مع أن الجعفري هو من أدخل فرق الموت الشيعية إلى السلطة الأمنية العراقية لقتل السنّة.
وإذا كانت المبادرة الخليجية “الساذجة” قد سقطت في اليمن لما هو أقل بكثر من “سذاجتها” في العراق، فكيف تكون “التسوية العراقية” التي يستند إليها أوباما في تحالفه … قابلة للحياة؟ التسوية في العراق ماتت، ومات معها تحالف أوباما الذي تحول إلى مجرد حلف أميركي-فرنسي … “والراغبين” من بقية الدول للقضاء على مقاتليهم الأجانب الذين إنضموا إلى “الدولة الإسلامية.” وصار من المستبعد جداً بما يقارب الإستحالة أن تشارك أي دولة عربية جدياً-واقعيا في تحالف أوباما الذي إكتسبت شبهة “حرب على السنّة” لأن تسوياته لم تؤمن شراكة واقعية للسنة في السلطة، أكان في اليمن أم في العراق.
فماذا عن لبنان الذي يزعم أنه يحارب الإرهاب، ولكنه لا يريد أن يكون شريكاً في اي حلف ضد … الإرهاب؟
لبنان، الذي يتخبط في لجج ورطة عماد، لا يحارب الإرهاب عملياً، بل هو شريك حزب “الله” الإرهابي الموسوم، وينسق معلوماتياً مع بشار الأسد المجرم الموسوم، وفق ما أعلنه وزير الداخلية نهاد المشنوق، ولا يعرف كيف يتعامل مع مثلث الموت في عرسال، أبتفريغ البلدة السنية من سكانها، كما دعت بعض الأقلام “السنّية” الساذجة، ما يؤدي إلى تدميرها وجرفها لاحقاً كما مخيم نهر البارد وإنهاء الوجود السني في البقاع الشرقي الشمالي ما يعني إدخال البلد برمته في حرب أهلية شاملة، هي دائرة واقعياً، وإن غير معلنة رسمياً.
أما ملف الأسرى فهو يتجاوز في خطورته وأبعاده حصرية العدد المحتجز لدى الدولة الإسلامية والنصرة. هؤلاء الضحايا الذين يدفعون ضريبة الدم الآنية يجب أن يتم إسترجاعهم بأي ثمن، بأي مقايضة أو مبادلة مهما كان إسمها ومهما كانت شروطها وبغض النظر عن تفاصيلها وظروفها وقانونيتها أو دستوريتها أوتكلفتها. هؤلاء الضحايا يجب إستردادهم إنسانياً، أخلاقياً ووطنياً … وكي لا يتحولوا إلى عود الثقاب الذي سيكمل إشعال ما بدأته … ورطة عماد.
وإذا كان من ثمن لورطة عماد، فليدفعه من تسبب بها، لا من وقع ضحيتها. (صفحة كلام سلام)