إيران قد تصبح العدو الظل في الحرب على “داعش” بسورية
جاكوب سيغل/السياسة
20 أيلول/14
حول طاولة كبيرة في باريس التقى 24 زعيما من زعماء العالم يوم الاثنين الماضي لمناقشة خطة الحرب ضد “داعش”, وتركت دولة واحدة جانبا. لكن إيران تدعي أنها لا تريد أن تكون هناك على أي حال, من خلال المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الذي قال عن التصريحات الأميركية حول “داعش” أنها “سخيفة وجوفاء ومنحازة “.
خلف هذا الكلام الصعب, مع ذلك, هناك خوف من أن الأهداف الأميركية في سورية سوف تهدد قوة إيران الإقليمية من خلال تعزيز قوة خصومها.
في مكافحة “داعش”, ما هو على المحك بالنسبة الى الولايات المتحدة تلك المخاطر بزعزعة الاستقرار في منطقة ستراتيجية بالإضافة الى تعريض حياة الأميركيين للخطر. بالنسبة الى إيران, العدو على عتبة الباب بالفعل.
فإيران تنظر الى “داعش” كتهديد ليس فقط بسبب عنف هذا التنظيم الشديد واستهدافه الشيعة, لكن بسبب إلحاق الهزيمة بالفريق الذي يمكن أن يوسع قوة منافسيه من السنة ويحول دون مطامع طهران بالهيمنة على المنطقة.
ترقص الولايات المتحدة وإيران حول “داعش” منذ بدء الضربات الجوية الأميركية في العراق منذ أكثر من شهر, وفي أحدث سلسلة من الخطوات, استبعدت الولايات المتحدة إيران من تحالفها الجديد لمكافحة “داعش”, كما قالت ايران انها رفضت بالفعل دعوة سابقة للتعاون, وأخيرا, قالت الولايات المتحدة انها ستدرس التنسيق مع إيران في المستقبل, لكن إذا اتسع الخلاف مع إيران, يمكن أن تصبح عدو الظل في سورية مع بدء الولايات المتحدة حربها هناك.
قبل الاختراق الأخير, إيران كانت تتصرف كشريك صامت لأميركا في العراق. وكانت القوة الجوية الاميركية حاسمة في كسر حصار “داعش” لقرية أمرلي, وهي بلدة شيعية في منطقة سنية وسط العراق, لكن بدعم من قوات برية من ضمنها “عصائب أهل الحق”, وهي ميليشيا تمولها إيران. وبعد وقت قصير غادرت الطائرات المكان, والجنرال الإيراني قاسم سليماني, قائد “فيلق القدس”, وقف لالتقاط صورة تذكارية مع القوات التي تنوب عنه, والتي زعمت انها انتصرت, ولم تذكر أي فضل للولايات المتحدة.
بالإضافة إلى الغارات الجوية الأميركية التي دعمت قوات الميليشيا الإيرانية, فان طهران كانت مفيدة على الأرجح في الضغط على رئيس الوزراء الطائفي نوري المالكي من اجل التنحي والسماح بتشكيل الحكومة الجديدة, من دون وجود تحالف رسمي رغم اسلوب الخطابة وحركات العلاقات العامة في إبعاد إيران عن الولايات المتحدة, فان البلدين تجنبا الزخم الناجم عن تقارب المصالح بينهما.
لكن لكلا البلدين حسابات مختلفة في سورية. فايران ترى ان حشد قوات “داعش” غير بعيد من حدودها مع العراق يشكل تهديدا مباشرا.أما الحرب الأهلية في سورية, و زعزعة الاستقرار لا تهدد الوطن بشكل مباشر. وفي حين أن الولايات المتحدة تصرفت وحدها إلى حد كبير في العراق, فإن توسيع الحرب ضد “داعش” في سورية سوف يعتمد على الدول السنية التي تعتبر أعداء إيران التقليديين.
قلق إيران الرئيسي في سورية يكمن في فقدان أقرب حلفائها الإقليميين إذا دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها المتمردين السنة لمحاربة “داعش” وقوات حكومة بشار الأسد.
عبر سورية, تصل قوة إيران الى “حزب الله” البناني, لتمتد منطقة نفوذها من طهران إلى البحر المتوسط. إذا سقط الأسد وتشكلت حكومة جديدة من قوات التمرد السنية فان إيران تفقد حجر الزاوية في هيكل قوتها الإقليمية. أكثر من ذلك, فإذا مارست الدول السنية المنافسة دورا رئيسيا في سقوط الأسد, فانه سيتم تعزيز المنافسين الإقليميين لإيران حتى يتم تقويض قوتها الذاتية.
إن الصراع الناجم عن الخوف الإيراني من فقدان سورية, والقناعة بأن هزيمة الولايات المتحدة ل¯”داعش” تتطلب مهاجمتها هناك من دون تعاون مع نظام الأسد ظهر الى العلن يوم الاثنين الماضي.
يوم الجمعة قبل الماضي, قال وزير الخارجية جون كيري عن دعوة ايران الى اجتماعات باريس :” لن تكون مناسبة, بالنظر إلى القضايا الأخرى العديدة التي هي على الطاولة في ما يتعلق بمشاركتها في سورية وفي أماكن أخرى”. وأضاف يوم الاثنين الماضي ان وجود ايران سيحول دون إدراج الدول السنية الرئيسية, مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
في المقابل, وصف آية الله خامنئي الاستماع إلى التصريحات الأميركية
عن”داعش” بأنه أمر “مسل حقا ” بينما كان يعالج في الآونة الأخيرة من سرطان البروستاتا, اذ قال :”ما كان مسليا حقا قول وزير الخارجية الاميركية والمتحدث باسمه صراحة: نحن لن ندعو إيران الى تحالف ضد “داعش”(…) ذلك مصدر فخر واعتزاز, وليس مصدر خيبة الأمل” .بعد تلك التصريحات التي أطلقها خامنئي, احتفظ كيري بإمكانية التعاون المستقبلي فقال :” إن عدم دعوة الإيرانيين الى مؤتمر باريس لا يعني أننا نعارض فكرة التواصل لمعرفة ما إذا كانوا سيأتون الى التحالف وبأي ظروف, أو ما إذا كان هناك إمكانية لتغيير ما”.
تزامنا مع خطاب طهران, خرج الرئيس العراقي فؤاد معصوم ببيان يدعم النظام الإيراني, اذ أعرب في مقابلة حصرية مع وكالة “أسوشيتد برس”, عن خيبة أمله من استبعاد إيران من اجتماع باريس , وقال :” ليس من الضروري” ان تنفذ الدول السنية في التحالف بقيادة الولايات المتحدة مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة ضربات جوية ضد “داعش”.
طالما تولت الادارة الاميركية قيادة الحرب ضد هذا التنظيم, فأنها دخلت في صراع إقليمي أوسع قد يعمل على تأليب دول, مثل إيران الشيعية, ضد القوى السنية التي تعد حليفا لواشنطن حاليا, وقد سعت الى تجنب الظهور على انها منحازة في ذلك الانقسام الديني, لكن تخاطر هنا بأن ينظر إليها على أنها تدعم السنة حتى وهي تحشد القوات لمواجهة “داعش”, المجموعة السنية الأشد قسوة وطائفية في المنطقة.
وكما تصرفت إيران في الحرب الأخيرة في العراق, عندما سلحت ودعمت الجماعات المتمردة التي تقاتل القوات الاميركية , فان وجود عدو مشترك, كما كان صدام حسين ذات يوم, لن يمنع ايران من محاولة مواجهة النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط.
بالنسبة الى بغداد, السؤال هو: كيف سيكون الوضع بعد “داعش”? في العراق هناك بالفعل حكومة يقودها الشيعة منحازة على نطاق واسع الى طهران, لكن في سورية , حيث الشيعة هم الأقلية, فان المستقبل فيما بعد “داعش” سوف يهدد بتجميد ايران فيها.
من أجل الحاق الهزيمة ب¯”داعش”, تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على شركائها في الائتلاف السني لإعطاء أهدافها شرعية محلية, وضمان بناء النظام السياسي بعد “داعش”. خوفا من فقدان قوتها قد تحاول إيران زعزعة الجهود التي تقودها الولايات المتحدة في سورية, مما يتسبب في إطالة أمد الصراع, وهذا من شأنه أن يضعف المشاركين في التحالف, لكن في الوقت نفسه , إذا عملت ايران على إسقاط الأسد, فقد تسعى بوسائل أخرى الى الحفاظ على نفوذها في سورية.
أحد الخيارات قد يتمثل في التحكم بنقل سياسي للسلطة من الأسد للتأكد من أن الحكومة الجديدة الناشئة في دمشق لا تزال تتقبل رعاية المصالح الإيرانية. ثم هناك التسديدة البعيدة الحقيقية, اي أن تتوصل إيران إلى انفراج مع منافسيها من الدول السنية وتقبل بترتيبات لتقاسم السلطة بدلا من دولة عميلة لها في سورية.
أيا كان المسار الذي سوف تنتهجه إيران, فسوف يكون لها رأي في القتال ضد “داعش” وفي مستقبل العراق وسورية بمقعد الى الطاولة أو بلا مقعد.
**من قدامى المحاربين في الجيش الاميركي, والمقالة نشرت في صحيفة “الديلي بيست” الاميركية