غزة لم تنتصر.. تلك الحقيقة
جميل الذيابي/الحياة
16 أيلول/14
هناك ضرورة ملحة لإصلاح البيت الفلسطيني الداخلي. الفلسطينيون متخاصمون. منشطرون. متشظون. متصارعون. متنازعون. البيت الفلسطيني من الداخل منقسم، وفي حال يُرثى لها، وكل فصيل لا يزال يكيل الاتهامات للآخر، بدلاً من التصالح والاصطفاف.
قادة «حماس» و«فتح» والفصائل الأخرى لا يزالون يتبادلون التهم حتى بعد الحرب والخراب والجثث. لقد أقسموا سابقاً أمام الكعبة المشرفة على التصالح، وتجاوز كل خلاف، والتركيز على خدمة قضية شعبهم وأمتهم، لا السعي وراء المناصب. لكنهم ما لبثوا أن عادوا إلى النزاع والصراع، متجاهلين ما أقسموا عليه أمام بيت الله. أيضاً، تصالحوا ثانية في الدوحة، وثالثة ورابعة في القاهرة. وفي كل مرة يعودون للخصام والانقسام، وكأنهم لا يعلمون أنهم يخدمون العدو مع تزايد صراعاتهم، وشتات رأيهم، وتردي أوضاعهم.
يرى البعض أن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على الشعب الفلسطيني انتهت بـ«انتصار غزة»، ومن يقول عكس ذلك، فستلاحقه تهم أنه «صهيوني» وعميل وانبطاحي، نظراً لانهزاميته، وقوله المخالف لما تردّده «حماس»، ومن خلفها جماعة «الإخوان»، ووسائل إعلامية حزبية «تبيع الوهم» وتصفق له. لكن لا بد من ذكر الحقيقة المرّة ولو كانت مزعجة، «غزة انتصرت ولم تنتصر». انتصرت بالصمود وقاومت بشراسة، لكنها لم تنتصر، بحسبة المعركة وميزان الربح والخسارة. انتهت الحرب ولم تحرّر «حماس» الأراضي الفلسطينية المحتلة. بل في كل بيت في غزة شهيد. وفي كل منزل أرامل وثكالى ويتامى. وفي كل بيت معوقون وحزن ودموع، وليالٍ حالكة السواد. إسرائيل تقتل وتحاصر وتشرّد، وتنكل بالفلسطينيين، وتغتصب الأرض، وهناك من يتحدث عن «نصر»، في وقت يموت فيه أهل غزة يومياً ويجوعون، ويواجهون حياة صعبة كل دقيقة، بحسب تقارير الأمم المتحدة. بحسبة بسيطة، أليس عدد الضحايا من الفلسطينيين 2137 قتيلاً وأكثر من 11 ألف جريح، في مقابل 69 قتيلاً من الإسرائيليين و530 جريحاً؟ أيضاً أطلقت المقاومة الفلسطينية 5500 صاروخ، في مقابل 65 ألف صاروخ أطلقتها إسرائيل. الأنفاق تم تدمير غالبيتها، المباني والمدارس والطرقات دمرت، والناس رُوِّعت! خسائر إسرائيل لا تتجاوز 3 في المئة، بينما خسائر غزة في الأرواح والممتلكات عالية جداً. لا أحد ينكر صمود المقاومة وحضورها بقوة، لكن بحسابات الربح والخسارة، غزة لم «تنتصر»، إلاّ إذا كنا نعتقد أن إسرائيل لن تتجرأ مستقبلاً على الاعتداء على الفلسطينيين، وأن قدرتها العسكرية تلاشت، أو أنها طُردت من فلسطين للأبد.
العرب والمسلمون وشرفاء العالم جميعاً ضد إسرائيل وضد عربدتها وهمجيتها وإرهابها واغتصابها للأرض الفلسطينية، وقتلها نساء وأطفالاً أبرياء. ومن يزايد على ذلك ويتهم الآخرين، يعميه التحزب والهوى، حتى وإن سوّق عبارات كبيرة، وحاول دغدغة الجماهير بشعارات عاطفية!
نقد «حماس» لا يعني موالاة إسرائيل، أو معاداة الفلسطينيين والعرب والمسلمين. وعلى رغم أن البعض ينتقدون مخالفيهم بسبب نقدهم لتصرفات «حماس»، واتخاذها قرار الحرب منفردة، فهم يشاهدون بعض كبار قياداتها يتنقلون بين الدوحة وطهران وأنقرة، ويسكنون فنادق «خمس نجوم»، ويمتطون سيارات فارهة، فيما الأبرياء وحدهم يواجهون العربدة الإسرائيلية والجوع والفقر والموت كل دقيقة! من لاحظ كيف اشتدت لغة التحريض مباشرة ضد مصر بدعوى عدم مساندتها لغزة، وعدم دخولها في الحرب، يعلم أن ذلك جزء من تصفية حسابات سياسية، وخدمة لتنظيم «الإخوان» في مصر، وحلفائه في المنطقة، بعد غرقهم في فيضانات عدة في ليبيا ومصر وسورية وتونس واليمن، بدلالة محاولة «شيطنة» وتشويه المواقف السعودية – المصرية – الإماراتية الثابتة من القضية الفلسطينية! الحقيقة المرّة الأخرى، أن «حماس» أصبحت أخيراً أداة تتحرك وفق إملاءات دول في الإقليم لها حسابات ومصالح أكبر من احتمال المنطقة، عبر استخدام القضية الفلسطينية كورقة سياسية في صراعات أخرى! تحاول تلك الدول منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، استغلال قضية شعب صامد، وقضية إنسانية عادلة لأمة، بتمرير نظرية «دول تدافع، وأخرى تتآمر على فلسطين»، خصوصاً لإحراج الرئيس السيسي الذي أطاح بحكم الإخوان المسلمين في مصر، وكذلك إحراج القيادتين السعودية والإماراتية الداعمتين لمبادرة مصر. وضمن هذا الإطار، كان التحريض من دول في الإقليم متحالفة مع «الإخوان» لرفض المبادرة المصرية، حتى تجاوز عدد الشهداء ٢٠٠٠، عدا الآلاف من المصابين، وما خلّفته الحرب من الدمار والمعوقين والأرامل والثكالى واليتامى. القضية الفلسطينية ليست قضية تركيا، ولا قطر، ولا «الإخوان»، ولا «حماس»، ولا مصر، ولا السعودية، ولا الإمارات، بل قضية أمة تمتد من البحر إلى البحر. قضية عادلة لشعب اُغتصبت أرضه، ولا يزال يُقتل ويُشرّد ويُحاصر، فيما المجرم يُمارس كل أصناف الإجرام على مرأى ومسمع من العالم أجمع، ولذلك فإن تسويق وهم الانتصار هو الهزيمة بذاتها، طالما بقيت إسرائيل تحتل فلسطين، وتغتصب أرضها، وتسجن أهلها!