الولايات المتحدة قادرة على إنهاء الحرب في سورية بإزاحة الأسد
ديك كريكوس/استاذ فخري متميز في جامعة ماري واشنطن وفي جامعة مشاة البحرية والتقرير نشر في “ناشيونال انترست”
السياسة/12 أيلول/14
في خضم ازدياد الصراعات في العالم الإسلامي وتنامي المخاوف الخليجية ديك كريكوس حان الوقت لضم سورية إلى الجهود المشتركة للقضاء على تنظيم »الدولة الإسلامية في العراق والشام« (داعش) لم يكن هذا وارداً فيما سبق, ويجري الآن مناقشة على نطاق واسع من قبل المعنيين في السياسة الخارجية الأميركية. السبب في هذا التحول المثير له جذور تعود إلى عدد من العوالم أهمها القلق من النجاح العسكري الذي حققه »داعش« في العراق وسورية, وشعور واشنطن ان الجهد الكبير المكلف الذي بذلته لتأسيس قوة عسكرية عراقية قابلة للحياة قد فشل, واحتمال ان تتطور الأمور إلى ما يشبه الوضع في ليبيا, بالإضافة إلى الغضب من عملية قطع رأس المصور الصحافي الأميركي جيمس فولي على يد متعصبي »داعش«. برز هذا التفكير نفسه عبر المحيط الأطلسي. فقد قال مالكوم ريفكند وزير الخارجية البريطاني السابق: يجب ألا نكون شديدي الحساسية حول كيفية تدمير »داعش« فالمنتمون إلى هذا التنظيم قتلة متعصبون لا يتحكمون بأجزاء من العراق وسورية ويهددون جيرانهم بالخلافة فحسب, بل يتوعدون بضرب أوروبا والولايات المتحدة من خلال استخدام مواطنينا للقيام بذلك. وأشار قائد الجيش البريطاني السابق ريتشارد دانات إلى المزايا العسكرية المرتبطة بتلك العلاقة التي »لا يمكن تصورها« لدى عبور الطائرات المجال الجوي السوري فلم يعد هناك من داع للقلق بشأن دفاعات الأسد الجوية. في الوقت نفسه, حذر وليد المعلم وزير الخارجية السوري, الولايات المتحدة من اختراق المجال الجوي لبلاده لمهاجمة أهداف »داعش«, لكنه عرض التعاون مع واشنطن في »الحرب ضد الإرهاب«.
أما الرئيس أوباما ومستشاروه فيرون ان التعاون مع »دكتاتور مسؤول عن مقتل 200.000 مواطن من شعبه« أمر مرفوض وكريه. وقال بنيامين رودس نائب مستشار الأمن القومي: »انها ليست قضية عدو عدوي صديقي«, وأضاف: »التعاون مع الأسد سيكون أساساً أمراً منفراً بشكل دائم لأهل السنة في كل من سورية والعراق الذين يحاولون بالضرورة طرد داعش«. لكن إذا أردنا التركيز على التعاون مع سورية, فلنذكر انه في الأسبوع الماضي ألمح الرئيس أوباما ووزيراه جون كيري وتشاك هاغل والجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة إلى أنهم يفكرون بتنفيذ هجمات جوية ضد قواعد »داعش« في سورية. هذه الضربات ستفكك تشكيلات داعش الرئيسية ومراكز قيادتها, ما يعزز الأمن في العراق. أيضاً, فإنها تقلل من قدرة مقاتلي »داعش« على مقاومة تحركات القوات العراقية والبشمركة الكردية لاستعادة الأراضي التي فقدتها سابقاً. وهذه مسألة ذات أهمية كبيرة – تم تجاهلها – من شأنها أن تتيح للقوات البرية تحييد داعش. ملاحظات ضرورية لتحقيق هذه الغاية, لابد من النظر في الملاحظات الثلاث التالية:
أولاً: يجب على الولايات المتحدة مساعدة الجيش العراقي والأكراد على توفير »جنود على الأرض«, مع أن نشر عدد كبير من المقاتلين الأميركيين أمرغير وارد. بطبيعة الحال, سيكونون مدعومين بغطاء جوي أميركي في حين سيتم نشر وحدات القوات الخاصة في حالات محدودة, على سبيل المثال, لاستهداف قادة »داعش« ولحماية قواعد حليفة مهمة ومنع وقوع مأساة إسنانية. ولكن حتى ذلك الحين, فإن القوات المتحالفة لمواجهة »داعش« ستكون غير كافية. وقد فشلت معظم الوحدات العراقية في إظهار الإرادة أو القدرة على القتال, وسيستغرق تنشيط تلك الوحدات وقتاً طويلاً, في حين أن حتى أولئك الذين أظهروا كفاءة عسكرية, ليس من المرجح أن يبدو الكثير من الحماسة لملاحقة »داعش« في سورية. وبالمثل ليس هناك سبب للتشكيك في فكرة أن »الأكراد مقاتلون أشداء متمرسون على القتال«. لكن رغم ذلك, فهم عندما يقاتلون لبعض الوقت تنقسم صفوفهم مثل نظرائهم العراقيين, وقد تتراجع حماستهم في مواجهة عدو بعيد عن وطنهم.
على النقيض من ذلك, أثبت الجنود السوريون مهاهرات كبيرة, على عكس البشمركة الكردية, ولديهم أسلحة وهيكل قيادة متكاملة ضرورية لنجاح المعركة, وإن تلقوا مساعدة خارجية تدعمها الولايات المتحدة فسترتفع معنوياتهم.
ثانياً: الهجمات الجوية الأميركية يجب أن تتوسع بشكل كبير في العراق خلال الجهود المنسقة مع القوات البرية المتحالفة لاستعادة الأراضي التي هي الآن تحت السيطرة. في الوقت نفسه, يجب أن تضرب طائرات أميركية من دون طيار ومقاتلات وقاذفات قنابل وصواريخ كروز أهدافاً في سورية ضمن حملة شاملة لتفكيك القدرة القتالية الجهادية. وإذا تم التفاهم مع سورية, فإن الطائرات الأميركية والحليفة لن تخشى أنظمة الدفاع الجوي السورية المدعومة بصواريخ أرض جو روسية. ثم أيضاً هناك الكثير من السوريين على الأرض ممن يرصدون ويحددون مواقع »داعش« كأهداف.
ثالثاً: يجب على واشنطن الحصول على دعم من أصحاب المصالح الإقليمية, بما في ذلك الذين قد لا يتقاسمون قيماً مشتركة, بل ربما يكونون على خلاف في بعض المسائل, ولكن ممن يستشعرون تهديداً وجودياً لأمنهم. وبما ان الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة القادرة على تدبير استجابة دولية, فإن هذا سيكون تحدياً ديبلوماسياً هائلاً بالنسبة للرئيس أوباما. وأحد أهم, وربما أصعب التعهدات إقناع إيران والمملكة العربية السعودية بالتعاون, ولكن لديهما سبب لذلك. فحتى وقت قريب, كانت فكرة أن يتعاون هذان الخصمان فكرة سخيفة ببساطة, ولكن المد المصتاعد لقدرات الجهاديين ممن ينظرون إليهما كهدفين مستقبليين قد تدفعهما لإعادة تقييم أجنداتهما الستراتيجية. الحسابات الإيرانية والسعودية تشيرالتقارير الواردة من طهران إلى أن الملالي يخشون تعرض أمن إيران للخطر ويخشون تسليم العراق إلى متعصبين من أهل السنة. ويضاعف من هذا الاحتمال الكئيب الاعتقاد بأن أولئك المتطرفين لن يسيطروا على المناطق القريبة من إيران فحسب, بل على العراق برمته.
ومن شأن ذلك أن يجع المقاتلين السنة على توجيه قدراتهم الكبيرة لإلحاق الضرر بإيران وحلفائها في لبنان – كما يقال. ونتيجة لذلك, حتى المتشددون في طهران قد يرون أنه من لحكمة بمكان الانضمام إلى الجهود الدولية للقضاء على »داعش«. ويبقى تعاون تركيا أمراً غامضاً نظراً لحالة عدم اليقين السياسي في هذالبلد, ودعمه لبعض المقاتلين الإسلاميين, مثل أولئك الذين يقاتلون في ليبيا, السنة في كل من العراق وسورية قد يرفضون, لكن مواقفهم ستلين إذا أمكن ضمان أن الحكومات الجديدة في بغداد ودمشق ستلبي مطالبهم. الموقف الروسي يمكن للتوترات بين الغرب وروسيا أن تعقّد مشاركة موسكو, وبطبيعة الحال, فإن فلاديمير بوتين – وهو من أشد مؤيدي الأسد – يقول مذكراً منتقديه الغربيين: إن الأسد لايزال يحظى بدعم معظم السوريين وليس فقط أبناء طائفته من العلويين, ولكن أيضاً الأقليات التي تخشى سيطرة المتعصبين من السنة الذين يهددون بقتلهم عندما يكون ذلك ممكناً. وبالتالي, مادام الأسد في السلطة, فإن موسكو ستواصل الوقوف إلى جانبه وتخريب أي جهد لتقديم تنازلات من جانبه. لكن بوتين, سيغير رأيه عندما يصل إلى أحد الاستنتاجين التاليين أو كليهما: أولاً: نجاحات »داعش« المديانية الأخيرة في سورية كاجتياح مطار الطبقة تشير إلى أن جيش الأسد يمكن أن ينهار في نهاية المطاف قبل انهيار مقاتلي الخلافة.
وهذه النتيجة قد تصبح أسهل عند وقوع التطور الثاني وهو حقيقة أن الأسد يفقد الدعم داخل سورية, أي ذلك الدعم اللازم لتبرير التصاق موسكو به. في هذا الصدد, تشير التقارير إلى أن الكثيرين في سورية, بما في ذلك بعض من أشد مؤيدي الأسد, لا يخشون الآن أن تنحي داعش جانبا المتمردين السنة الموالين للولايات المتحدة, بل يخشون ان يكتسب ذلك التنظيم القدرة على هزيمة الجيش السوري. نتيجة لذلك, ولمواجهة هذه الكارثة فإن النخبة الاقتصادية والسياسية السورية قد تبحث عن زعيم آخر, وهي تفضل شخصا منها سوف يتبناه المجتمع الدولي كبديل عملي للاسد, وهكذا فإن كلا من موسكو وطهران قد يريان انه من الحكمة قيام اصحاب المصلحة بحملة لسحق »داعش« مرتكزين على هذا المتغير في شروط اللعبة. سورية.. من دون الأسد بالعودة الى المجتمع الدولي, مع خروج الاسد, يكون لدينا اساس لانهاء الحرب الاهلية السورية. في الواقع, قد يكون هذا اسرع طريق لانهاء عمليات ذبح المدنيين السوريين المأساوية التي سادت على مدى السنوات الثلاث الماضية. ختاما نقول ان هناك حديثا في واشنطن عن ان الوقت قد حان للقيام بحملة دبلوماسية دولية لمعالجة مسألة الارهاب الاسلامي وغيره من مصادر الفوضى في الشرق الاوسط برمته, حملة لتأمين الحصول على دعم اصحاب المصلحة الرئيسيين لتحييد »داعش« تكون كخطوة نحو تحقيق هذا المشروع الطموح. في البداية, يجب على الرئيس اوباما اقناع ايران وروسيا والجيش المتزايد والمتنامي من اصحاب النفوذ في دمشق ممن يخشون ان يخسر جيش بلادهم الحرب ضد »داعش« او ان يستمر هذا التنظيم في ظل الاسد لسنوات بأن هناك مخرجا للفوضى القائمة.
وفي حين ان العمل مع الحكومة السورية ما بعد الاسد قد لا يفكر به كثيرون في واشنطن اذا اخذنا كل ما سبق في الاعتبار, الا ان مزاياه واضحة. نعم, قد يكون هذا خياليا, ولكن الوضع في الشرق الاوسط سريالي ايضا, والتعامل مع الفوضى القائمة هناك يتطلب التفكير بخارج منطقة الجزاء, هذا بالتأكيد افضل من حرب اميركية جديدة تبدأ صغيرة وبسيطة, ولكن سرعان ما تتوسع حسب منطق المهمة في خضم اضطرابات تعكر صفو المنطقة منذ عقود. كما يتعين على الرئيس اوباما التأكيد على هذه الملاحظة المحورية في شرح هذا الاقتراح للشعب الاميركي, وفي الوقت نفسه لابد ان يشير الى انه لا يوجد خيار عسكري من شأنه ان ينهي الاضطرابات المرتبطة بالحروب الاهلية في العالم الاسلامي, وبالتأكيد ينبغي على الولايات المتحدة الا تنخرط مجددا في عمليات عسكرية كبيرة اقرب إلى مشاركتنا في العراق وافعانستان, وفي التحليل النهائي, فإن الشعب الذي يعيش في منطقة الشرق الاوسط يجب ان يقرر مصيره في نهاية المطاف. استاذ فخري متميز في جامعة ماري واشنطن وفي جامعة مشاة البحرية والتقرير نشر في “ناشيونال انترست”