اميل خوري /كما تكونون يولّى عليكم” مجلس وحكومة لا قيام لدولة تغيب فيها المساءلة والمحاسبة

361

كما تكونون يولّى عليكم” مجلس وحكومة لا قيام لدولة تغيب فيها المساءلة والمحاسبة
اميل خوري /النهار/9 أيلول 2014

مذ تخلى لبنان عن ممارسة النظام الديموقراطي، الذي بموجبه تحكم الأكثرية والأقلية تعارض، وذلك بدعوى أن ممارسة هذا النظام تحتاج الى الغاء الطائفية، فتقرر اعتماد الديموقراطية التوافقية، فغابت المحاسبة والمساءلة اللتان من دونهما لا يكون وجود لدولة قوية وعادلة، وذلك للأسباب الآتية:

أولاً: إن تشكيل حكومات من المعارضة والموالاة تطبيقاً للديموقراطية التوافقية يحول دون محاسبتها ومساءلتها عندما تخطئ أو تسيء استخدام صلاحياتها، لأن المعارضة التي مهمتها المراقبة والمحاسبة تصبح جزءاً من الحكومة وتصبح بالتالي حرة في التصرف، وفي تقاسم المنافع والمغانم مع الموالاة، بحيث تستمر الحكومات ما استمرت التفاهمات بين أعضائها وتستقيل إذا عاد الخلاف بينهم لسبب من الاسباب، وغالباً ما يكون هذا التفاهم على حساب مصلحة الشعب.

ثانياً: إن انتخاب رئيس للجمهورية يصبح معرّضاً للتعطيل إذا لم تتفق الموالاة والمعارضة على انتخابه، وهو ما حصل غير مرة لأن الديموقراطية التوافقية تتطلب الاتفاق مسبقاً على هذا الرئيس خلافاً لما ينص عليه الدستور، وهو أن يتم انتخابه بالاقتراع السري وليس بالعلن أو برفع الاصابع… في حين ان تطبيق الديموقراطية العددية كان يمكّن الأكثرية من انتخاب الرئيس ولا تكون خاضعة لـ”فيتو” الأقلية كما هو حاصل اليوم وتعتبر ان انتخاب الأكثرية من دون موافقة الأقلية مخالف لروح الميثاق الوطني… مع أن عدم تمكين الأكثرية من انتخابه بالمقاطعة مخالف للدستور.

ثالثاً: إن الشعب لا يعود مصدر السلطات عندما لا تميز نتائج الانتخابات النيابية بين الرابح والخاسر، بل تساوي بينهما عند انتخاب رئيس الجمهورية وعند تشكيل الحكومات تطبيقاً للديموقراطية التوافقية التي تفرض الاجماع أو شبه اجماع على كل موضوع وقضية وإلا ظل مجمداً ومعلقاً الى أن يتم هذا التوافق، ولا اتفاق على قانون للانتخابات النيابية الا بموافقة الموالاة والمعارضة، فتكون النتيجة ان استمرار الخلاف عليه يؤدي الى تأجيلها والتمديد للمجلس خلافاً للدستور. وإذا صار توافق على القانون فإنه يكون على قياس الموالاة والمعارضة وليس على قياس مصلحة الوطن، ويصح عندئذ القول في تطبيقه: “كما تكونون يولّى عليكم”. فلو ان الشعب يحسن اختيار ممثليه باعتماد قانون يحرر ارادته من كل ضغط مادي أو معنوي، لما كان لبنان يواجه ما يواجهه اليوم من أزمات ليس في استطاعته الخروج منها الا بتدخل خارج مؤثر ونافذ.

لذلك فإن اعادة تكوين السلطة تبدأ بوضع قانون للانتخابات يحقق التمثيل الصحيح لشتى فئات الشعب وأجياله، وبه يستطيع الشعب أن يحسن اختيار ممثليه وقادته، فيحسن هؤلاء بدورهم اختيار رئيس كفيّ وشفاف للجمهورية وتشكيل حكومات منسجمة ومتجانسة لتكون منتجة وصالحة لإداء الخدمات للوطن والمواطن، وأن يحاسب الشعب في كل انتخاب مَن قصر وأهمل وأفسد اما بتجديد انتخاب ممثله لانه أحسن، أو يحجب الثقة عنه لانه اساء ليأتي بالأفضل والأصلح الى النيابة والوزارة.

الواقع إن أي دولة تغيب فيها المساءلة والمحاسبة لا تكون دولة، والناخب الذي يعيد انتخاب الفاسد يكون مثله فاسداً.

لقد ضرب لبنان رقماً قياسياً في عدد القوانين لمكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، إلا أنه لم يطبق أياً منها تارة لأسباب سياسية وطوراً لأسباب مذهبية أو لتدخل في شؤون القضاء، لأن الأنظمة لم تجعله مستقلاً استقلالاً تاماً كي يحكم بلا خوف إلا من ضميره فلا يعود السارق الى منزله مكرَّماً وساخراً من الاوادم…

لذلك فإن على النواب أن يكون لهم موقف من استمرار تعطيل جلسات انتخاب رئيس للجمهورية لئلا يحاسبهم الشعب يوم الحساب في الانتخابات، وإلا يكون يؤكد مقولة: “كما تكونون يولى عليكم”، وعلى الحكومة ايضاً أن يكون لها موقف واحد ولا يساهم بعض الوزراء في عملية التعطيل، وأن يتحرك المجتمع المدني في الاتجاه الصحيح فيتظاهر ويعتصم احتجاجاً على النواب مقاطعي جلسات الانتخاب وليس على التمديد للمجلس لأن مقاطعتهم هي السبب، وعلى الناخبين تحذير كل نائب يتغيب عمداً عن جلسات الانتخاب من حجب أصواتهم عنه في الانتخابات المقبلة. فعندما تغيب محاسبة الناخب لنائبه، ومجلس النواب للحكومة، والقضاء للفاسد والسارق، فلن تقوم في لبنان دولة بل مزرعة ومزارع…