وقائع الاحتفال بالذكرى السنوية لشهداء المقاومة اللبنانية في معراب

560

وقائع الاحتفال بالذكرى السنوية لشهداء المقاومة اللبنانية في معراب

جعجع في ذكرى شهداء المقاومة: نرفض الأمن الذاتي لكن لن نتردد في التصدي لكل من يتخطى الدولة ليعتدي على لبنان وعلينا أكان اسمه داعش أو أي شيء آخر

السبت 06 أيلول 2014

  وطنية – وصف رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، تنظيم داعش بأنه “ورم سرطاني”، لكنه طمأن إلى أنه ورم “ما زال محصورا وبالتالي قابلا للإستئصال بسرعة اذا ما تضافرت الجهود والإرادات على ذلك، ولقد تضافرت من خلال تحالف دولي عربي”.

وإذ اتهم “البعض” بأنه “يقاطع انتخابات الرئاسة لأن محاولاته لإيصال مرشحه المضمر باءت بالفشل لا أكثر ولا أقل”، قال: “إنها جريمة سياسية كاملة أن يسعى البعض إلى قطع رأس الجمهورية بهدف التربع على رأسها، وإلى أخذ البلد رهينة بهدف الحصول على موقع الرئاسة كفدية، إنها جريمة سياسية موصوفة ان تفرغ الجمهورية اللبنانية من رئيسها المسيحي، في وقت يتم إفراغ الموصل وسهل نينوى من أهلهما المسيحيين”.

وأعلن رفضه “كل مشاريع الأمن الذاتي، وبخاصة تلك التي تستغل خطر الإرهاب، لا لمواجهة هذا الخطر والدفاع عن لبنان، وإنما لتعزيز الموقع المهتز لبعض الفرقاء على الساحة الداخلية”، معتبرا ان “تشجيع الأمن الذاتي والدعوة إلى التسلح تحت مسميات وذرائع مختلفة، إنما هو محاولة لاستكمال ضرب المؤسسات وركائز الدولة الذي كان قد بدأ بتعطيل الاستحقاق الرئاسي وإفراغ رئاسة الجمهورية وشل المجلس النيابي”. وأكد في الوقت نفسه: “لن نتردد لحظة واحدة في التصدي لكل من يتخطى الدولة بقوة السلاح ليعتدي على لبنان وعلينا، أكان اسمه داعش أو أي شيء آخر، لقد سقط الشهداء لأنهم قاتلوا كي لا يقتلوا ونقتل، ونحن إذا اضطررنا، سنقاتل كي لا نسقط وكي لا يسقط أحد بعد اليوم”.

هذه المواقف أطلقها جعجع في الذكرى السنوية لشهداء المقاومة اللبنانية التي أحياها “حزب القوات اللبنانية” في معراب، تحت شعار “شهادتكم أمانة، لا تخافوا: شهداء الجمهورية القوية”، في حضور ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام وزير الاعلام رمزي جريج، ممثل الرئيس ميشال سليمان وسام بارودي، ممثل الرئيس أمين الجميل نائب رئيس “حزب الكتائب” شاكر عون، ممثل الرئيس سعد الحريري النائب احمد فتفت.

كما حضر الوزراء: ميشال فرعون، بطرس حرب ممثلا بنعمة حرب وأشرف ريفي ممثلا بالاعلامي أسعد بشارة، والنواب: ستريدا جعجع، جورج عدوان، جوزف المعلوف، طوني بو خاطر، شانت جنجنيان، انطوان زهرا، فادي كرم، ايلي كيروز، أمين وهبه، باسم الشاب، جان اوغاسبيان، جمال الجراح، خضر حبيب، روبير غانم، رياض رحال، عاصم عراجي، عاطف مجدلاني، فؤاد السعد، نديم الجميل، هادي حبيش، ودوري شمعون ممثلا بأمين عام “حزب الوطنيين الاحرار” الياس بو عاصي، الوزراء السابقون: ابراهيم نجار، جو سركيس، حسن السبع، روجيه ديب، ريا الحسن، سليم وردة، محمد رحال ووديع الخازن، والنواب السابقون: الياس عطالله، صولانج الجميل، فارس سعيد، كميل زيادة، مصطفى علوش وفريد هيكل الخازن ممثلا بروني ألفا.

وحضر ممثل قائد الجيش العماد جان قهوجي العميد عمار بو عمار، ممثل المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم العقيد روجيه صوما، ممثل المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص العقيد عبدالله بو زيدان، ممثل مدير المخابرات العميد ادمون فاضل المقدم بيار بو عساف، ممثل قائد الدرك العميد الياس سعادة قائد سرية درك جونية المقدم جوني داغر.

وشارك أيضا رئيس “حركة الاستقلال” ميشال معوض، رئيس “حركة التغيير” ايلي محفوض، رئيس “حزب الاتحاد السرياني” ابراهيم مراد، رئيس “الاتحاد الآشوري العالمي” سارغون ماروكيل، رئيس “الحركة اليسارية اللبنانية” منير بركات، رئيس “الحركة اللبنانية” بسام خضر آغا وفاعليات سياسية وديبلوماسية ونقابية ودينية وإعلامية وأمنية وشعبية واهالي الشهداء.

جعجع

وألقى جعجع كلمة استهلها بالقول: “شهادتكم أمانة… لا تخافوا، رفاقي الشهداء، صحيح أننا كنا نحيي ذكراكم كل عام، لكن دعوني أعترف أمامكم أن ذكراكم هذا العام ترتدي معنى للشهادة أعمق وأهم من أي عام آخر، مع كل الحب الذي أحببناكم، وكل الدموع التي سكبنا، وكل الصلوات التي رفعنا. نعم، ذكراكم هذا العام ترتدي معنى أعمق في ضوء كل ما جرى ويجري في سوريا والعراق في الأشهر والأسابيع الماضية”.

أضاف “لولاكم، ولولا رفاقكم الأحياء، لكنا ما زلنا حتى اليوم عالقين بين الأرض والسماء على قمة جبل سنجار ما، بانتظار طيار ما للحصول على قطرة ماء ولقمة طعام ما. لولاكم لكانت رياح الشر اقتلعت الأرز الأخضر واجتاحت الجبل الأبيض. لولاكم، لكان شعبنا ترك أرضه وقراه كما تركها أهل قراقوش والموصل والقصير ومعلولا، ولكان أصبح مشتتا في بقاع الأرض وأقاصيها. لولاكم لأصبحنا هنودا حمرا بالفعل، لا شعبا يجترح ثورة أرز في لبنان سرعان ما شع نورها الى أقطار الربيع العربي، ليدك عروش طغاة وديكتاتوريين. لولاكم لكنا مجرد جماعة ذمية هامشية، لا شعبا يحرق مراكبه أمام الأعداء، ويكسر اليد التي تمتد اليه، بدلا من الدعاء عليها بالكسر”.

وتابع “صحيح أن خسارتكم رفاقي الشهداء لا تقدر بثمن، لكنها وفرت على شعبنا أثمانا وأثمانا وأثمانا. صحيح أنكم بذلتم دماءكم فوق هذه الأرض، لكنكم بهذا احتفظتم لهذه الأرض بكرامتها وعنفوانها وعزتها وحرية أهلها. لولاكم ولولا رفاقكم الأحياء، لتغيرت معالم الجغرافيا والتاريخ في لبنان، ولتحول جبل لبنان الى جبل سنجار، وسهل البقاع الى سهل نينوى، فهنيئا لنا بكم، وهنيئا لكم حيث أنتم”.

وأردف “رفاقي الشهداء، بعد سنوات وسنوات من الظلم والتجني والكذب بحقكم، جاءت الأحداث المأساوية في سوريا والعراق لتنصف شهادتكم. بعد سنوات من التجني والتشويه والافتراء، بات المفترون المتحاملون أنفسهم قلقين مذعورين، يتوسلون حماية طاغية من هنا، أو أمنا ذاتيا كرتونيا من هناك. اليوم أدرك هؤلاء هول خطيئتهم بما سوقوه عنكم وساقوه ضدكم، فأنتم شهداء حق لقضية حق، وحكايات بطولة لا تنتهي. قولوا لهم الآن من عليائكم: لا تخافوا. استشهدنا ونستشهد ليس في سبيل من أحسن الينا فحسب، بل في سبيلكم أنتم أيضا، لأنكم لم تكونوا تدرون ماذا تقولون ولا ماذا تفعلون. رفاقي الشهداء: لا تخافوا. شهادتكم أمانة في أعناقنا. أيها اللبنانيون: لا تخافوا. كما كان شهداؤنا، هكذا نحن أيضا”.

وتوجه جعجع الى اللبنانيين، قائلا: “نلتقي اليوم، والمنطقة برمتها فوق بركان من الحديد والنار والموت. وكأنه لم يكن ينقص هذا البركان، سوى ظهور آلة الموت- داعش، لتضيف الى مآسي سوريا والعراق، تدميرا وقتلا وتنكيلا وسبيا واضطهادا وذبحا وإجراما. وكأنه لم تكن تكفي شعوب المنطقة “إنجازات” الأنظمة الديكتاتورية في فنون القمع والقتل والدمار والوحشية، حتى جاءنا اختراع داعش تاجا يكلل تلك الإنجازات”.

ورأى أن “هذه الظاهرة الطارئة والمشبوهة، التي خرجت الى الضوء بسحر ساحر وقدرة أسد، لا تمت لا الى الإسلام ولا الى العروبة ولا الى كل مفاهيم هذا العصر، بأي صلة. إن مواجهة ظاهرة تدميرية كهذه هي مسؤولية اخلاقية الزامية على كل واحد منا”، مشيرا إلى ان “داعش هي بمثابة ورم سرطاني ظهر فجأة في اجزاء محددة من سوريا والعراق، وما زال محصورا وبالتالي قابلا للإستئصال بسرعة، اذا ما تضافرت الجهود والإرادات على ذلك، ولقد تضافرت من خلال تحالف دولي عربي. إن ظاهرة داعش تسير عكس التاريخ وعكس الطبيعة وعكس تطور الإنسان، وهي بالتالي تحمل في طياتها بذور فنائها، وكالنيران سوف تأكل نفسها بنفسها”.

وسأل :”من اين اتت داعش؟ وما هي الظروف التي ادت الى نموها بهذا الشكل؟ وهل هناك مجرد داعش واحدة، ام مجموعة دواعش اخرى، تضاهي الأولى خطرا وتحاول بشتى السبل تشتيت انتباهنا عن خطرها، وحصره بداعش فحسب؟”، مضيفا “لذلك دعوني أسأل: هل استعمال أسلحة كيميائية وقتل آلاف المواطنين في دقائق معدودة، أقل داعشية من ذبح وقتل المئات في ساعات معدودة؟ وهل رمي مدن سوريا وقراها وأحيائها بالبراميل المتفجرة على غير هدى، وتحويل أجساد الأطفال فيها أشلاء، أقل إجراما من تفجيرها بالانتحاريين؟ وهل تدمير مدن سوريا وقتل شعبها بالمدفعية الثقيلة وقذائف الدبابات أقل وحشية من تخريب أحياء المدن والقرى بأساليب بدائية؟ وهل إن رمي عشرات الآلاف من السوريين واللبنانيين ظلما في السجون والأقبية، حيث قضى الآلاف منهم موتا تحت التعذيب، أقل فظاعة من ممارسات داعش؟ وهل إن ذبح صحافي أميركي تحت أعين الكاميرات أكثر إرهابا من تفجير وقتل رفيق الحريري وباسل فليحان وسمير قصير، وجورج حاوي، وجبران تويني، وبيار الجميل، ووليد عيدو، وانطوان غانم، ووسام عيد، ووسام الحسن، وهاشم السلمان ومحمد شطح ؟ هل إن ذبح صحافي أميركي أكثر إرهابا فقط لأن هذه الجرائم ارتكبت من دون كاميرات واجتهد الفاعلون لإخفاء وإنكار فعلتهم؟ هل من يقتل بيديه العاريتين داعش، أما من يقتل بقفازات مخملية فليس داعشا؟”.

وأشار إلى أن “ما أدى الى وجود داعش هو مجموعة دواعش موجودة أمام أعيننا، لكننا لا نراها بالوضوح عينه بفعل التمويه والدهاء والقفازات المخملية. أعترف للفريق الآخر بأمر واحد، وواحد فقط، وهو قدرته أحيانا على غش الرأي العام وتسليط الضوء على الزاوية التي يريد من المسرح، وحجبه عن زوايا أخرى أشد خطورة وإجراما”.

ولفت إلى أن “دواعش القفازات المخملية، هي أشد خطرا وفتكا من داعشية غبية اعتباطية استجلبت في وقت قياسي إجماعا دوليا قل نظيره ضدها، بالإضافة الى أن تلك الدواعش هي أكثر من ساهم في قيام داعش”، معتبرا أن “محاربة داعش عسكريا يجب ان تترافق مع معالجة اسباب نشوئها، وإلا نكون امام خطر إعادة إنتاجها من جديد، وإنما بمسميات اخرى، وهذه المرة اشد تطرفا وفتكا من الحالية”.

وقال: “لقد اعتقد البعض ان القضاء على تنظيم ابي مصعب الزرقاوي هو نهاية التكفيرية الدموية في العراق”، سائلا “فكيف عادت التكفيرية الدموية الى الظهور مع داعش من جديد، على الرغم من القضاء على تنظيم الزرقاوي؟”، مشيرا “لقد عادت من جديد الى الظهور لعدم وجود دولة فعلية في العراق، ولإقصاء مكون من المكونات العراقية عن المشاركة الفعلية في السلطة، لقد عادت من جديد الى الظهور بسبب وجود نظام سجون وقبور في سوريا، لم يتورع عن ذبح شعبه منذ عشرات السنين تشبثا بالسلطة، ورفضا للتغيير السلمي، حتى وصل به الأمر الى حد اقتلاع اظافر اطفال درعا، ونزع حنجرة ابراهيم القاشوش، وقتل الطفل حمزة الخطيب تحت التعذيب، وتكسير أصابع علي فرزات، وتمزيق الطفل مصطفى عرب بائع البسكويت ببرميل متفجر، ومعهم حوالى ثلاثين الف امرأة وطفل، لقد عادت من جديد الى الظهور بسبب وجود دويلة خارج الدولة في لبنان تتحكم بمصائر اللبنانيين رغما عنهم، وتصادر قرارهم العسكري والأمني، وآخر تجلياتها محاربة المعارضة في سوريا لصالح النظام، دويلة تعمد الى إقصاء المعتدلين ونفيهم، ثم تتباكى على خطر المتطرفين. تتفرد بالسلطة عندما تستطيع، وتمارس التعطيل بحجة التوافقية والرئيس القوي عندما تعجز عن التفرد”.

وأكد ان “القضاء على داعش هو واجب فوري، على ان يرافقه عمل مواز لإزالة اسباب ظهور داعش وإعطاء كل صاحب حق حقه، وتعميم مفاهيم الحرية والديموقراطية والتعددية والثقافة المدنية والإنسانية، وإلا فإننا نكون قد اخرجنا داعش من الباب، وادخلنا دواعش أخرى مكانها من الشباك. نحن أم الصبي وأهل البيت. سنقفل كل الأبواب والنوافذ والمسالك والمعابر. لن نسمح لأي كان أن يتسلل إلى الداخل ويعيث فتنة وخرابا، بيتنا بنيناه بعرق المناضلين ودموع الأمهات ودماء الشهداء، ولن ندع أحدا يهدمه على رؤوسنا”.

واعتبر أن “المخاض الدموي العنيف الذي يعصف ببعض جوانب الربيع العربي، لا بد وأن يعبد الطريق، عاجلا أم آجلا، امام ولادة دول تعددية، ديموقراطية، حضارية، وزوال انظمة القمع والإرهاب والديكتاتورية. هي حال كل الثورات منذ بدء التاريخ، أن يعتريها العسر والمشقات خلال مسارها، قبل ان تنضج وتبلغ غاياتها الإنسانية في نهاية المطاف. إن الحكم على صوابية الثورات التي حصلت منذ فجر التاريخ لم يكن مرة في خضم الثورات، وغبارها لم ينقشع بعد، وإنما بعد استقرارها نهائيا، فالثورة الفرنسية لم تفلح ببلوغ غايتها النهائية وتحقيق الشعارات التي رفعتها، إلا بعد حوالي المئة عام من تاريخ قيامها، وبعد مرورها بمخاض متعرج طويل سفك فيه الكثير من الدماء وازهقت فيه آلاف الأرواح”.

وقال: “ولكن اليوم، وبعد مرور اكثر من قرنين على بدايتها، لا يذكر الناس من الثورة الفرنسية سوى انها جعلت فرنسا واوروبا اكثر إنسانية ومدنية وتحضرا، من دون ان يتذكروا عهد الإرهاب الذي ترافق مع هذه الثورة، ولا عشرات الآف الإعدامات والتصفيات والإغتيالات، التي تلت الثورة، وتواصلت لعقود طويلة، قبل ان تبلغ فرنسا ومعها اوروبا، هذه الدرجة من الرقي والحضارة والإنسانية التي نعرفها عنها اليوم”.

أضاف “إن ثورات الربيع العربي، وعلى الرغم من كل الظواهر والمظاهر المسيئة والدموية التي تنبت اليوم، لا بد وأن تنجح في نهاية المطاف باستبدال المفاهيم المتخلفة السائدة في الشرق بمفاهيم اكثر إنسانية وديموقراطية وحضارية، نحن مع حراك المجتمعات نحو الأفضل بغض النظر عن أي شيء، نحن مع التغيير على الرغم من كل شيء”.

وتابع “وفي سياق آخر ليس بعيدا أبدا عن الربيع، نتوقف عند ما قدمه الشعب الفلسطيني من تضحيات وصمود بطولي يستحق منا التحية والتقدير، إذ برهن أنه صاحب قضية حقيقية، لا يتردد لحظة واحدة بتقديم أغلى ما لديه في سبيلها، على الرغم من الحصار والتضييق والمعاناة الطويلة، وكلي ثقة بأن شعبا يختزن هذا القدر من روح النضال، لا بد وأنه منتصر في نهاية المطاف. لقد أثبتت أحداث غزة أن الشعب الفلسطيني بالتحديد هو صاحب القضية الفعلي الحقيقي إذ تحمل وزر القصف والدمار والموت والحصار والصعوبات من دون حساب، بينما الطارئون على القضية الفلسطينية والمتاجرون بها، والعاملون على تحويلها الى مجرد ورقة تفاوضية خدمة لأغراضهم الاستراتيجية في المنطقة، لم يحركوا ساكنا، ولم يرفعوا إصبعا، إلا في الإعلام”.

وذكر ان “لبنان كان السباق الى استقبال الربيع بين ربوعه، منذ قرون عديدة، فالجبل اللبناني شهد ثورات كثيرة على امتداد تاريخه وعاميات شعبية بوجه الظلم والإحتلال والامبراطوريات. فالفرادة التي يتميز بها لبنان ودستوره، وعلى الرغم من شوائبه، ليست وليدة الصدفة، إنما هي نتاج نضال تراكمي عبر التاريخ”.

ورأى “ان المشكلة تكمن في ان البعض يريد تحويل هذا الدستور الى حبر على ورق، علما ان مفهوم الدولة الحديثة مكرس وواضح في الدستور، إلا ان ثمة من يقف حائلا دون وضع اسس هذه الدولة ومقوماتها موضع التنفيذ:

اولا: على الصعيد العسكري والأمني بفعل وجود تنظيمات مسلحة غير شرعية، خلافا لما نص عليه اتفاق الطائف.

ثانيا: اقتصاديا ومعيشيا، بفعل تخلف وفساد وإقطاعية قسم كبير من الطبقة السياسية الحاكمة”.

واعتبر ان “وضع الدستور اللبناني موضع التنفيذ يستلزم حل كل التنظيمات المسلحة غير الشرعية، وإعادة القرار العسكري والأمني للدولة اللبنانية وحدها، والمسارعة الى إقرار قانون عادل ومتوازن للانتخابات، كما يستلزم تحمل الشعب اللبناني مسؤولياته الوطنية عند اول استحقاق نيابي، من خلال التصويت لصالح التخلص من كل مظاهر الميليشياوية السياسية من تعطيل وشعبوية وتخريب وتخلف وفساد وزبائنية”، داعيا أن “يتخذ الشعب اللبناني قراره قبل فوات الأوان، ولننقذ الجمهورية قبل ان تصبح في خبر كان”، مؤكدا “لن نسكت، لن نحابي، لن نرتاح حتى إجراء التغيير المطلوب وتحقيق حلمنا بوطن جميل نورثه من جيل الى جيل”.

وأكد ان “العبث بالدستور وجعله حبرا على ورق بات يتخذ في الآونة الأخيرة طابع الإمعان بتعطيل انتخابات الرئاسة”، معتبرا أنها “جريمة سياسية كاملة أن يسعى البعض الى قطع رأس الجمهورية بهدف التربع على رأسها، والى أخذ البلد رهينة بهدف الحصول على موقع الرئاسة كفدية، إنها جريمة سياسية موصوفة ان تفرغ الجمهورية اللبنانية من رئيسها المسيحي، في وقت يتم إفراغ الموصل وسهل نينوى من أهلهما المسيحيين”.

واعتبر ان “البعض يقاطع انتخابات الرئاسة لأن محاولاته لإيصال مرشحه المضمر باءت بالفشل لا أكثر ولا أقل. وبعد أن زادت عليه الضغوط من كل حدب وصوب، خصوصا من الكنيسة، للكف عن مقاطعته، ذهب الى اختراع المطالبة بتعديل المادة 49 من الدستور ليصبح انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب. لو تكللت محاولات هذا البعض لإيصال مرشحه بالنجاح”، سائلا “هل كان ليطرح تعديل الدستور؟ ولماذا لم يطرحه قبل الآن، في وقته الطبيعي، أشهر عديدة عديدة قبل الاستحقاق؟ لو تكللت محاولاته لإيصال مرشحه بالنجاح، ألم يكن هذا البعض ليدفع بالمادة 49 الى مرتبة القدسية، وليسقط الشعب والديمقراطية وكل شيء آخر من حساباته؟”.

وتابع ان “الحجة القائلة بأن تعديل الدستور هو لمحاولة إيصال رئيس قوي هي ساقطة، إذ إن الآلية الحالية لانتخاب رئيس الجمهورية، والمعمول بها منذ الاستقلال، قد جاءت برؤساء اقوياء من كميل شمعون وفؤاد شهاب الى بشير الجميل وغيرهم، فليست المادة 49 من الدستور هي التي تمنع وصول رئيس قوي، بل الشخصانية القاتلة والأنانية المفرطة ورفض التعاون مع الغير لإيصال رئيس قوي”.

وأردف: “ليست المشكلة في آلية انتخاب الرئيس، إنما في آلية تعطيل انتخابات الرئيس، وليس الحل بتعديل المادة 49، إنما بالعدول عن الإبتزاز والتعطيل. إذا كانت ثمة حاجة حقيقية لتعديل الدستور، فهي لإدخال مواد دستورية تمنع تعطيل انتخابات الرئاسة”.

وسأل “هل يعي البعض أن تعطيل انتخابات الرئاسة هو تعطيل الحياة السياسية برمتها، مع ما يستجلبه ذلك من ضرر اجتماعي وعدم استقرار امني وركود اقتصادي؟ اي صورة يريد المعطلون تظهيرها عن لبنان، في ادق مرحلة يمر بها الشرق منذ عقود؟ وكيف للآخرين ان يثقوا بنا كلبنانيين، وان يحترمونا، وقسم منا يعرقل الحياة الديمقراطية القائمة اصلا هنا، في زمن تعطل فيه الدواعش الأخرى كل مظاهر الحياة الاجتماعية والسياسية في الشرق الأوسط”.

أضاف: “يقولون ان هدفهم من التعطيل هو الوصول الى رئيس قوي، لكن التعطيل لا يوصل الى أي رئيس بالمرة، كما أثبتته تجربة الأشهر الستة المنصرمة. إذا كان السلوك الداعشي في الموصل قد استوجب تحركا دوليا جامعا لمجابهته، فإن التعطيل السياسي في لبنان يستوجب تكاتفا وطنيا موازيا بغية تحرير الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية من التعطيل، والفساد والغش والتلاعب بمستقبل أولادنا، وإننا لمبادرون”.

وإذ تطرق الى الأحداث الدموية التي شهدتها عرسال وجرودها مؤخرا “والتي تؤكد وجهة نظرنا بضرورة سيطرة الدولة على الحدود اللبنانية- السورية وضبطها تماما، بمساعدة القرار1701 لمنع المسلحين من كل الأطراف من العبور ذهابا وإيابا الى سوريا من دون حسيب او رقيب”، سأل “لماذا تصر قوى 8 آذار على رفض هذا الإقتراح، مبقية الحدود مشرعة والأمن سائبا، والسيادة الوطنية منتهكة؟ ولماذا تقدم هذه القوى مصلحة النظام السوري على المصلحة اللبنانية العليا؟”.

ووجه تحية الى “ارواح شهداء الجيش اللبناني وآخرهم الشهيد العريف علي السيد”، مثمنا “التضحيات الكبيرة التي قدمها الجيش”، مؤكدا “دعمنا الكامل له للحفاظ على حدود لبنان وضبطها بالإتجاهين، والدفاع عن السيادة الوطنية، واستعادة القرار العسكري والأمني بشكل كامل”، داعيا الى “إطلاق العسكريين اللبنانيين المخطوفين فورا”.

وأعلن “رفضنا كل مشاريع الأمن الذاتي، بخاصة تلك التي تستغل خطر الإرهاب، لا لمواجهة هذا الخطر والدفاع عن لبنان، إنما لتعزيز الموقع المهتز لبعض الفرقاء على الساحة الداخلية”، لافتا إلى أن “اللبنانيين لم يضطروا مكرهين للجوء الى الأمن الذاتي في العام 1975، إلا بعدما تفككت مؤسسات الدولة كليا وفقدوا كل امل في إمكانية ان تهب هذه المؤسسات لحمايتهم ونجدتهم، لمواجهة الخطر الداهم على المصير”، مؤكدا ان “الحل اليوم ليس بالأمن الذاتي، لأن مؤسسات الدولة ما زالت فاعلة بحد مقبول وقادرة ومتماسكة، وإنما بدعم هذه المؤسسات، وليس بخلق بؤر أمنية وخلايا مسلحة تقوض عملها، وتكبل حركتها، إن تشجيع الأمن الذاتي والدعوة الى التسلح تحت مسميات وذرائع مختلفة، إنما هو محاولة لاستكمال ضرب المؤسسات وركائز الدولة الذي كان قد بدأ بتعطيل الاستحقاق الرئاسي وإفراغ رئاسة الجمهورية وشل المجلس النيابي”.

وخاطب المسيحيين قائلا: “إذا اراد البعض تخويفنا لغاية في نفسه، فلا تخافوا، إن الله معنا الى انقضاء الدهور، من شرب بحر المخاطر والصعوبات والدواعش على مر التاريخ، لن يغص بداعش متخلفة بدائية معزولة يلفظها التاريخ، لا تخافوا، فنحن ابناء المقاومة اللبنانية التاريخية، ابناء ثورة الأرز الحقيقية، أحفاد البطاركة والمقدمين”.

اضاف “أيها اللبنانيون، لم يسقط شهداؤنا في زمن الحرب، كي يسقط على دربهم شهداء في زمن السلم، لقد ماتوا لنحيا لا ليموتوا مرتين. لقد ماتوا كي لا نموت مثلهم، لكن إذا دعا داع او داعش ، فنحن للمقاومة جاهزون ولن نموت إلا واقفين”.

وتابع “لم يسقط شهداؤنا كي يبقى غريب مسلح على أرض لبنان، ولا لبناني مسلح في خدمة غريب، لم يسقط شهداؤنا عندما قاتلوا في غياب الدولة، كي تغيب الدولة وتغيب مرة أخرى، لم يسقط بشير الجميل رئيسا منتخبا للجمهورية، كي يأتي من يمنع انتخاب رئيس للجمهورية، لم يسقط شهداؤنا في الأشرفية وزحلة وعين الرمانة وبللا وقنات وعيون السيمان وبحمدون، كي يسقط لبنانيون أبرياء في عرسال والهرمل والضاحية وطرابلس وعكار، لم يسقط رئيسان للجمهورية غيلة، كي يسقط رئيس حكومة ووزراء ونواب ورموز لثورة الأرز غيلة أيضا، لم تسقط مايا بشير الجميل طفلة بسيارة مفخخة، كي يسقط ابن عمها بيار شابا بالرصاص في سيارته، لم يسقط سليم اللوزي وقلمه ورياض طه وقلمه، كي يسقط جبران التويني وقلمه وقسمه، وسمير قصير وقلمه وحلمه، لم يسقط حسن خالد وأحمد عساف وصبحي الصالح، كي يسقط باسل فليحان وجورج حاوي وأنطوان غانم ووليد عيدو، لم يسقط الشهداء لاسترجاع الدولة والمؤسسات، كي يسقط رموز الحفاظ على الدولة والمؤسسات من وسام عيد ووسام الحسن الى النقيب داني خيرالله والمقدمين نور الدين الجمل وداني حرب، لم يسقطوا في وجه الدواعش على أشكالها، وقد خبرناها وجابهناها وهزمناها، كي يأتي من يهول بداعش وأخواتها وبنات عمها”.

وأكد ان “خيارنا الأول والوحيد هو الدولة، خيارنا المؤسسات والجيش والقوى الأمنية، وسنقاتل إلى جانبها بالموقف والحجة والصبر والصمود، كي تبقى الدولة ويبقى لبنان، ولكن لن نتردد لحظة واحدة في التصدي لكل من يتخطى الدولة بقوة السلاح ليعتدي على لبنان وعلينا، أكان اسمه داعش أو أي شيء آخر، لقد سقط الشهداء لأنهم قاتلوا كي لا يقتلوا ونقتل، ونحن إذا اضطررنا، سنقاتل كي لا نسقط وكي لا يسقط أحد بعد اليوم”.

واشار الى ان “الجبناء الرعاديد حملة مناديل التخويف والابتزاز، هم ليسوا منا ولا نطلب مثلهم منة ولا حماية، لن نسمح بموت الدولة، رهاننا على منع سقوط المؤسسات في العدم أو المكائد أو في التعطيل، رهاننا أن يكون في قصر بعبدا رئيس للجمهورية كي تبقى الجمهورية، رهاننا أن تبقى الدولة وأن تسقط الدويلة، نحن حماة الشرعية وهم حماة شريعة الغاب، نحن حماة الدولة القوية وهم دعاة الدولة الرديفة، نحن حماة المؤسسات وهم من يشلها”.

وختم “الأرض والسماء تزولان وحرف واحد من كلامك يا ربي لا يزول، نحن أبناء هذه الأرض. نحن أبناء الحرية. نحن أصحاب حق. نحن أصحاب قضية. خبزنا اليومي: عمل، بناء، نضال، تضحية، علم، ثقافة، خير وجمال. لم نعتد يوما على أحد، ولن نعتدي. لذلك، العدوان والإرهاب يزولان وحبة تراب واحدة من هذه الأرض لا تزول”.

قداس وعظة

وفي الختام، ترأس الذبيحة الإلهية، التي خدمتها جوقة جامعة سيدة اللويزة برئاسة الأب خليل رحمه، المونسنيور لويس البواري وعاونه لفيف من الكهنة.

وبعد تلاوة الإنجيل المقدس، ألقى البواري عظة قال فيها: “يعز علي أن أقف بينكم مصليا معكم في هذه الذكرى الغالية على قلوبنا جميعا. وأشكر الرب على الثقة التي أوليت إياها للاحتفال بالذبيحة الإلهية، لراحة أنفس شهداء القوات اللبنانية الأعزاء على قلوبكم، وقلوب ذويهم الكرام وقلوب جميع أبناء الوطن، إذ أرووا تربة الأرز الشامخ بدمائهم السخية، إلى جانب دماء قوافل من الأبطال أهرقت على أرض لبنان، أرض الإيمان والحرية والإباء والعنفوان، على مر الأجيال الغابرة. قبل الرب تضحياتهم ودموع وآلام ذويهم، وجعل منها ذبيحة مرضية له، باستحقاقات آلام وموت المسيح الرب، الحي أبدا فينا وبيننا، وعزز في قلوبكم الرجاء الوطيد المتدفق من روحه تعالى له المجد”.

اضاف: “في هذه المناسبة أنقل إليكم تحية وبركة صاحب الغبطة والنيافة، مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى، الذي بدافع أبوي، وبروح المسؤولية الروحية والوطنية، يتقدم منكم ومن ذوي الشهداء بأصدق عواطف التعزية المسيحية، مستمطرا شآبيب الرحمة من لدنه تعالى، على أرواح عنوان فخرنا واعتزازنا، فيستريحوا بقرب ورعاية الشهيد الأول والأكبر، يسوع الرب الذي طهر كل الدماء بدمه الإلهي الطاهر”، داعيا الجميع ولا سيما الذين يتسلمون مقدرات الوطن، إلى أن “يستنشقوا عطر قرابين هؤلاء الأبطال وأمثالهم الكثر، ويأخذوا العبر من سمو تضحياتهم وتضحيات ذويهم فيبادروا إلى القيام بكل ما هو خير للوطن وأبنائه، واعلاء ما يجمعنا من قيم ومبادئ، جعلت من لبنان أكثر من بلد، بل رسالة”.

وتابع “في هذا الأحد، الرابع عشر من زمن العنصرة، اختارت الكنيسة لنا النص الإنجيلي الذي ينقل إلينا حدثا غنيا بالمعاني العميقة والعبر المنيرة، الا وهو حدث زيارة الرب يسوع لبيت لعازر ومرتا ومريم، لقد سمعنا كيف أن مريم جلست عند قدمي المعلم الإلهي تصغي إليه بكليتها، تسمع كلامه، تتأمله وتتقبله، عابرة من خلاله إلى علاقة روحية عميقة مع الرب، تجعلها ترتفع إلى مستوى فكره وقلبه ورؤياه الخلاصية، لتتعامل مع ذاتها ومع الآخرين من خلالها، وتساهم في إنماء ملكوته. لقد استقبلته وتعاملت معه على أنه السيد المطلق، المرجع الحقيقي والوحيد، النصيب والكنز الأفضل لها ولغيرها. أما مرتا فكانت منهمكة بالخدمة قاصدة أن ترضي الضيف، وغاب عن بالها أنه ليس الضيف، بل هو صاحب المنزل، وأنه لا يريد ما تقدمه من جهد وعمل بقدر ما يريدها هي، بفكرها وقلبها وارادتها. غاب كل ذلك عنها فتاهت وراحت تتشكى وتتذمر وتحتج”.

وقال: “أمام دماء شهدائنا المراقة مدرارا، ماضيا وحاضرا، وأمام مريم الجالسة عند قدمي المعلم تصغي وتتأمل وترتفع، يريد روح الرب أن يرفعنا بفكرنا وارادتنا وقلوبنا وقناعاتنا وعواطفنا إلى فوق… فنصغي ونتأمل ونتقبل ونتبنى رؤياه،… في زمن المضايقات والتهديدات والإضطهادات الهاجمة من كل جهة، في زمن الأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأخلاقية التي نتخبط فيها من جراء الفردية والنفعية… في زمن الإنقسامات الوطنية والإجتماعية والدينية والحزبية والمناطقية…في زمن المخاوف والقلق والقنوط والهروب والهجرة، كم يجدر بنا أن ننفتح بكل جدية وصدق وإخلاص على الرب، فنجعله يتغلغل بروحه فينا فيزودنا:

– بحكمته فننظر إلى الأشخاص والأحداث نظرة ثاقبة، سليمة، صحيحة، تعزز فينا حسن التمييز والحكم والموقف المناسب من أجل البنيان.

– برجائه فنرى أبعد من الظلمة نورا وأبعد من الفشل نجاحا ومن الموت قيامة، وأبعد من الهوان والذل المجد، إن في هذا الزمن وإن في الزمن الآتي، فلا نتراجع ونيأس أمام أي شدة.

– بحبه، فننظر إلى الآخر نظرته هو تعالى إلينا، نظرة رفق وتفهم، ورحمة ومحبة وغفران، نحضن بعضنا بعضا بالروح والفكر والصلاة، وبمبادرات تلاقي وتوافق وتضامن… لكي نجابه الشر والموت، وننهض بمجتمعنا ووطننا، فنطل على العالم وعلى أجيالنا القادمة بلبنان جديد، لبنان الرسالة، بحضارته المميزة، بقيمه، بما يعيشه شعبه ويشهد له”.

وبعدما سأل “أليس هذا ما يستحقه شهداؤنا الذين قدموا أغلى ما عندهم في سبيله، مقتنعين بأنهم يعملون لأجله وسيصلون إليه؟”، أردف قائلا: “هذا ما يدعونا إليه روح الرب اليوم، وهذا ما تتوجه به الكنيسة مع جميع أصحاب النوايا الصالحة، الجالسين على قدمي الرب يصغون، ويترقون درجة بعد درجة، عبر العرق والدموع والدماء، ولكن بدون قنوط ويأس”.

أضاف “هلا نهب بكل كياننا، نقف تهيبا أمام شهدائنا، مطأطئين الرأس، تأسفا وندامة، عن كل مرة لم نقدر الوديعة حق قدرها؟ هلا نقف بإيمان وتواضع وثقة أمام الرب، تائبين واعدين، بأننا سنقوم تجاهه وتجاه ذواتنا وتجاه الآخرين، بمبادرات تنم عن جديد نهجنا وتوجهنا، وعن وفاء عهدنا له تعالى ولشهدائنا .هنيئا لنا وهنيئا لشهدائنا، إذ ستتحرك حينئذ عظامهم بهجة وحبورا وطمأنينة، وهنيئا لأمهاتهم وابائهم وجميع ذويهم، لأنهم سيرون فجرا جديدا يطل على وطنهم، رغم كل الغيوم المتلبدة فوق جبال الأحداث اليومية… وذلك كله لأن فكرنا وقلبنا وارادتنا وأيدينا مع الرب وبالرب وللرب، له المجد”.

وتوجه الى جعجع بالقول: “أمانتكم للذكرى واحتفالكم بهذه الذبيحة الإلهية، واشتراككم فيها بإيمان وتقوى وخشوع. كل ذلك دلالة على أنكم بهذا الخط تسيرون، وبهذه المبادئ والعبر تتوجهون. بارككم الرب وسدد خطاكم، وزادنا وإياكم إتحادا به وتواضعا منه وصلابة معه، ونقاوة بالروح والنية، وفاعلية بالعمل والمبادرة. حتى الآن لم تبخلوا بكل ذلك، ولكن الرب الذي قال: “كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي هو كامل” (متى 5/48)، يكرر الدعوة لنا بإلحاح: “إذهب إلى العمق والقوا شباككم للصيد” (لوقا 5/5)، لنذهب ونلق الشباك فنصطاد السمك الوفير، ونبرهن “بأننا قد اخترنا النصيب الأفضل ولن ينزع منا” (لوقا10/42) ويكون هذا فخركم وفخرنا”، خاتما “بركة الرب علينا جميعا آمين”.

وقرأ الرسالة سفير الأمم المتحدة للنوايا الحسنة فادي سلامة، كما رفع النوايا الدكتور جورج حداد والدكتور نزيه متى، فيفيان بو عيد ونادين ضاهر. أما صلاة الشكران فتلاها جاد رمزي عيراني.

بعد القداس، أنشدت الجوقة نشيدا جديدا عربون وفاء لشهداء المقاومة اللبنانية، بعنوان “درب الشهادة منتبعو…” من كلمات الشاعر حبيب أبو أنطون.