التفرد بالسلطة «ثقافة» عربية
حسان حيدر/الحياة
04 أيلول/14
أوصلت ثورات «الربيع العربي» الدول التي كانت ساحتها الى مشكلات كارثية، أمنياً وسياسياً واقتصادياً، لكنها خرجت بنتيجة ايجابية واحدة على الأقل، عندما أثبتت ان عهد الانظمة الأحادية في هذه الدول ولى، وانه لا يمكن بعد اليوم ان تُحكم سوى عبر صيغ توافقية تعكس مشاركة واسعة، سياسية ومناطقية وشعبية، وتكرس مبدأ التداول، ولو بشكل مجتزأ في البداية. لكن قبول الشراكة يبدو امراً صعباً في العالم العربي حيث تسود «ثقافة» التفرد، فبعض هذه الدول لا يزال يتعثر في ايجاد طريق نهوضه بعد التحولات التي شهدها، فيما دخل البعض الآخر مرحلة اقتتال اهلي ليس معروفاً متى يخرج منها بسبب العجز عن الوصول الى صيغة جمعية للحكم. ففي ليبيا تتخبط القوى القبلية والسياسية والعسكرية في صراع طاحن يبدو بلا أفق زمني وبلا احتمالات حلول، ليس فقط بسبب عدم توافر الخبرة العملية لصوغ عقد سياسي واجتماعي جديد بعد سنوات طويلة من الجدب السياسي القسري، بل ايضاً لأن هناك محاولات مستمرة من مختلف الاطراف للاستئثار بالقرار وحصر السلطة مجدداً بجهة من دون غيرها، في استعادة للنظام الذي تطلب التخلص منه تدخل تحالف دولي. وما لم تقتنع الجماعات الدينية والاحزاب والقبائل بأن السبيل الوحيد لوقف الاقتتال الأهلي هو التوصل الى شراكة فعلية، فسيستمر النزف ويتواصل التدمير الذاتي. اما في اليمن، فيواجه الحكم الانتقالي الذي كان ثمرة المبادرة الخليجية للمصالحة الوطنية والرعاية الدولية نكسة خطيرة، بسبب رغبة احد المكونات الأهلية في فرض أجندته على سائر الاطراف، إذ شق «الحوثيون» الذين تنكروا للمشاركة في حكومة الوحدة، طريقهم الى العاصمة بقوة السلاح، وحاصروا السلطة المركزية بالعصيان المدني، ما يهدد بتجدد الاحتراب الذي كلف البلاد الكثير، وكاد يحول اليمن الى دولة فاشلة. ولا يزال «الحوثيون» يرفضون التسويات التي تعرض عليهم حتى بعد استقالة الحكومة، في اصرار على فرض شروطهم ورؤيتهم لمستقبل اليمن.
وكانت مصر شهدت ثورة جديدة، بعدما قررت جماعة «الاخوان» التي وصلت الى السلطة إثر اطاحة نظام مبارك، عدم اشراك اطراف آخرين ساهموا في الثورة الاولى اكثر منها، وقادوا التحركات الشعبية التي قادت الى التغيير، في تقليد لما فعله الخميني في ايران بالذين ساهموا معه في اطاحة الشاه. وأدت هذه الرغبة في الاستئثار والاقصاء الى عكس ما رمت اليه الجماعة التي أبعدت عن الحكم. لكن يبقى ان يثبت الرئيس الآتي من صفوف الجيش انه لن يعمل بالقاعدة نفسها التي كانت سبباً لوصوله الى السلطة.
ومع ان العراق لم يشهد «ربيعاً»، بل تغير نظامه نتيجة عامل خارجي هو الغزو الاميركي، الا ان النظام الذي انتجه الاحتلال الغربي شهد انتفاضة على أحاديته وتفرده ورفضه مبدأ المشاركة، تشبه الثورات التي اقصت القذافي وبن علي ومبارك وعلي صالح، وتحاول اطاحة بشار الأسد. وليس هناك أبلغ من النموذج السوري للدلالة الى التمسك الأعمى والشرس بالكرسي. فقد نجح الأسد في تدمير بلاده وتقويض اقتصادها، وقتل شعبه وتشريده، وتأجيج العنف الطائفي، وتقديم نصف مساحة سورية الى التنظيمات الارهابية، من دون ان «يقتنع» بعد بأن هناك ثورة شعبية على تسلطه الذي ورثه مع «ثقافة» التفرد عن ابيه