لقاء سيدة الجبل .. القوّة العابرة للطوائف
فاطمة حوحو/المستقبل
02 أيلول/14
تميزت الخلوة العاشرة لـ«لقاء سيدة الجبل» الذي انعقد أول من أمس في فندق «لوغبريال» في الأشرفية، بقرارات عملية أبرزها إنشاء لجنة تحضيرية لإطلاق كتلة لبنانية عابرة للطوائف تعمل من أجل حماية لبنان وسلامه الدائم. والأهم ذلك الكلام الذي قيل وتم التوافق عليه من أن الإرهاب واحد ولا تمييز بين إرهاب «داعش» أو النظام السوري أو الإرهاب في غزة، وكذلك تأكيد العمل لتعزيز العيش مع المسلمين في عالم عربي ديموقراطي ومتنوع ولعل ما استرعى المراقبين والمحللين المشاركة الإسلامية في لقاء كان يتخذ طابعاً مسيحياً للبحث في تدبير شؤون المنزل، بينما هذه المرة تجاوز هذه الحدود ليس فقط على المستوى اللبناني عبر مشاركة شخصيات إسلامية قدمت رؤيتها بل على المستوى العربي حيث كانت مداخلات من المعارضة السورية ومن الأردن وذلك من شخصيات اغترابية شددت على أن حضور المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط حضور مؤسس للكيانات وجزء لا يتجزأ من نظمها وتطورها السياسي.
«المستقبل» توجهت إلى عدد من الشخصيات السياسية وسألتها عن رأيها بما صدر من مقررات وعن تقويمها لهذا الحدث المميز واستشراف آفاقه.
بيضون
يلاحظ النائب السابق عبدالحميد بيضون أن «كلمة الرئيس فؤاد السنيورة في المؤتمر كانت مهمة، وأهميتها تنبع من كونها وضعت أسساً للوحدة الوطنية، في الوقت الذي كانت كلمة الرئيس نبيه بري في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر مثلاً فيها دعوة للوحدة الوطنية ولكن بشكل يتجاوز فيه الأسس، فالرئيس السنيورة يقول ما هو المطلوب، أما بري فكان يتهرب من الموضوع، فإذا كان بري يريد الوحدة الوطنية، عليه تقديم شيء ما من جهته، بل يريد أن يأتي الآخرون إليه وفقاً لشروطه بينما الرئيس السنيورة كان واضحاً أنتم أقرب لنا من الخلافة ومن ولاية الفقيه وهو أساس متين وضعه للوحدة الوطنية». ويشير إلى أن «لقاء سيدة الجبل» نفسه انطلق من نظرية تحالف الأقليات وهي نظرية عنصرية، وهم يؤكدون على رفض تحالف الأقليات إلا أنهم لا يترجمون ذلك في برنامج عمل، هذه المرة ذهبوا إلى مكان حسب البيان الختامي الصادر عنهم، أنهم باتجاه إنشاء كتلة عابرة للطوائف، وهذا الموضوع كان يجب أن يبدأ العمل به منذ العام 2005، بعد الخروج السوري من لبنان وكان يجب أن يكون مهمة فريق 14 آذار، وهذا اللقاء اليوم أتى ليقول إننا نريد أن نصحح الطريق الذي مشت عليه 14 آذار». وعن إمكان إيجاد كتلة عابرة للطوائف في نظام طائفي يجيب بيضون: «هنا إشكالية وهذه نقطة أساسية، فريق 8 آذار هو تحالف مذهبيات واضح، مذهبية زائد مذهبية ضد مذهبيات أخرى، بينما فريق 14 آذار ليس تحالف مذهبيات بل نشأ من ثورة الأرز من قوى سياسية تريد استقلال لبنان وبناء مؤسساته والدولة وتجربة 14 آذار بالممارسة بدأت تقع بأفخاخ المذهبيات خصوصاً وأن «حزب الله» استدرجها إلى رد فعل مذهبي، سني ضد شيعي، على أساس أن السلاح الشيعي تجاوز الحدود وعلى السني أن يتجاوز الحدود وغرور وغطرسة الشيعة بسلاحهم يجب أن يرد عليه السني بسلاح مماثل، «حزب الله» سعى إلى تحويل 14 آذار من ثورة وطنية إلى مذهبيات، خصوصاً من خلال التركيبات الحكومية وطريقة التمثيل خذوا السنة ولا تتحدثوا عن الشيعة، لكم النصف المسيحي ولنا النصف، ومن هنا كان على 14 آذار الخروج من المذهبية، لكونها ليست تحالف مذهبيات بل هي على النقيض من ذلك وكونها تحالفا وطنيا هدفه تأمين استقلال لبنان وإسقاط كل أنواع الوصاية لا سيما وصاية الميليشيات على البلد، وعندما نريد أن نقيم كتلة عابرة للطوائف فمعنى ذلك يجب الحديث عن مشروع إسقاط الوصاية الخارجية على البلد بكل أشكالها».
علوش
يلفت عضو الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق مصطفى علوش إلى أن رسالة لقاء سيدة الجبل الأولى هي أن لبنان الذي حلم به البطريرك يوسف الحويك هو الجواب الذي يجب تعميمه على المنطقة بكاملها وليس العكس، والثانية هي أن المنطق الأقلوي والحديث عن تحالف الأقليات هو منطق سينتج حروباً ويؤدي إلى استمرار الكوارث والصراعات، والرسالة الثالثة هي أن فكر «داعش» أو ما شابهه هو عملياً فكر معاد للحريات وهو عدو للأكثريات والأقليات في الوقت نفسه، لذلك فإن محاربته لا تكون بحرب بين الأكثريات والأقليات وإنما بحلف واسع يضم كل أبناء المنطقة على مختلف انتماءاتهم، أما الرسالة الرابعة فهي اعتبار الإرهاب بأشكاله المختلفة، سواء جاء من النظام أم الإرهاب الذي يأتي على شكل العصابات هو بالنتيجة ينتهي في مكان واحد وهو إرهاب المواطنين، ولذلك فإن هذا الإرهاب يعادل بعضه البعض، ومن هنا فإن الحديث عن العودة إلى مسلسل الديكتاتوريات والبطش لمواجهة تطرف وإرهاب داعش هو غير وارد، عملياً لأن إرهاب الدولة المنظم هو الذي أدى إلى بروز التطرف في مجتمعاتنا».
وعن تقويمه للمشاركة الإسلامية في مؤتمر ذي طابع مسيحي يقول علوش: « إن الرسالة الأساسية من هذه المشاركة أننا كلبنانيين بغض النظر عن طوائفنا نشبه بعضنا البعض، هناك كثير من النقاط التي أبرزت السمة اللبنانية وشعارها الذي يعتمد مبدأ التعدد وقبول الآخر وفي الوقت نفسه الرغبة والسعي إلى العيش مع الآخر وقبوله كما هو، بهذا فقط يمكن مواجهة مبدأ التطرف والتحزب والعشائرية التي تحاول بعض القوى السياسية وبعض القوى الدينية أن تجعل من الطائفة عشيرة ورئيس الطائفة إقطاعيا على العشيرة، أما ما قلناه نحن من خلال هذا اللقاء، أننا تخطينا هذا الأمر منذ زمن وبرأينا أن الوسيلة الوحيدة لمواجهة أي فكر متطرف هو بالمزيد من الحرية والمزيد من قبول الآخر وأيضاً إذا كان التطرف الموجود شعاره سنّي اليوم، فسنّة المنطقة الذين يشكلون أكثرية ساحقة باعتدالهم أيضاً عليهم مواجهة هذا الفكر».
الزغبي
ويجد الكاتب والمحلل السياسي الياس الزغبي أن مؤتمر سيدة الجبل تميّز هذا العام بتوقيته وأهدافه، ففي التوقيت هو انعقد في مرحلة بالغة التعقيد والدقة، خصوصاً على مستوى ما يجري في العراق وسوريا والتغييرات العميقة التي حصلت وضربت شبكة العلاقات بين المكوّنات التاريخية لهذه المنطقة، بما في ذلك الصراع المذهبي والطائفي والكياني، وهو يأتي في ظروف شديدة الوطأة على ما يعرف بالأكثرية والأقليات، وارتفاع الأصوات المنادية بحماية الأقليات، سواء من الداخل العربي أو من الخارج الغربي والدولي، وانعقاده في الأشرفية بصيغته المزدوجة بين المسيحيين والمسلمين بصفتهم مواطنين جاء ليرد على كل الدعوات المشبوهة لفرض حمايات على ما يسمى أقليات، لذلك كان عنوان اللقاء «مواطنون مسيحيون ومسلمون معاً لبناء مجتمع حديث». فهو وضع يده على مكمن العلة، بأن هناك نوعا من الاستقرار في بناء المستقبل، أي أن هناك قوى وطوائف وأكثريات معينة تذهب وحيدة لبناء مستقبل ما في لبنان والدول الأخرى، واللقاء جاء ليقول لا حل لمشكلة المسيحيين من داخل المسيحيين، أي لا حل مسيحيا لمشكلة المسيحيين ولا حل إسلاميا لمشكلة المسلمين، ولا حل شيعيا للشيعة ولا حل سنيا للسنّة، الحل يكون بشراكة الجميع من دون النظر إلى أكثريات وأقليات».
ويضيف: «هذا ما أثبته حضور نوعي ومميز لوجوه إسلامية في لقاء تقليدي ومميز بطابعه المسيحي ولعل كلمة الرئيس فؤاد السنيورة وهي كلمة تتعدى صفة الكلام الذي يقال في مناسبات عابرة يبلغ مستوى البناء المشترك والعمل المشترك البعيد المدى بين المسيحيين والمسلمين لتقديم لبنان، نموذجاً صالحاً وحياً وفاعلاً للحالات العربية الأخرى، فحين يقول الرئيس السنيورة أنا المسلم اللبناني العروبي أرى فيكم قيمة قريبة مني أكثر مما أرى في الحالات الخارجية الأخرى سواء بحالة ولاية الفقيه في طهران أو ولاية الخلافة في الموصل والرقة وفي غير ذلك، هذا الكلام يؤسس عليه، ويكفي هذا الكلام لنقول إن لقاء سيدة الجبل هذا العام قدّم شيئاً جديداً، قدّم رؤية متجددة مدنية ومتقدمة لحل النزاعات في العالم العربي وقدم النموذج اللبناني كصناعة مشتركة للمستقبل».
أما على المستوى العملي، فيشير الزغبي إلى أن «اللقاء قرر تشكيل لجنة تحضيرية لمتابعة توصياته، فهو ليس لقاء حزبياً كي ينتج توصيات سياسية بل أنتج رؤية وصناعة مشتركة لحل الأزمات التي تزداد استعصاء وخطورة في العالم العربي لذلك شكل لجنة تحضيرية لتوسيع وتشبيك الإرادات اللبنانية والعربية، لذلك فإن المرحلة المقبلة ستكون مبنية على تشكيل حالة متنوعة كانت بدايتها في اللقاء من خلال المشاركة العربية ولو عبر المداخلات المرسلة من الحالات العربية المسيحية والإسلامية التي تتوق إلى تقليد النموذج اللبناني، والأخذ به، هناك كلام مسيحي من وزير الخارجية الأردني السابق مروان المعشر ومن رئيس المجلس الوطني السوري جورج صبرا ومن المغتربين اللبنانيين كنظرة يجب أن ينقلها الاغتراب للعالم الغربي وللقول إن الأقليات ليست بحاجة إلى الحماية بل أن الأقليات بحاجة إلى صناعة مجتمعات متقدمة مدنية تصهر الإرادات فيها وتبني دولاً متقدمة وغير طائفية بمعنى أن نبني مجتمعات ودولاً غير قائمة على المذاهب والطوائف».