باسكال بطرس/لقاء سيّدة الجبل يُطلق كتلةً لبنانية عابرة للطوائف

305

لقاء سيّدة الجبل يُطلق كتلةً لبنانية عابرة للطوائف
باسكال بطرس/جريدة الجمهورية

 الاثنين 01 أيلول 2014

لم يكن «لقاء سيّدة الجبل» أمس مجرّد لقاء روتينيّ بل برزَت أهمّيته هذا العام من خلال الحضور الإسلامي الفاعل لكلٍّ من رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة والكاتب محمد حسين شمس الدين، بحيث تركّزَت الكلمات على رفض المشاريع «الداعشية» ومشروع «الولي الفقيه» وضرورة حياد لبنان حيال ما يحصل في المنطقة وأهمّية تعزيز منطق الاعتدال، فضلاً عن شهاداتٍ أدلِيَت من خارج لبنان، تأكيداً على ثقافة العيش المشترك، وأهمّية تواصل المسيحيّين مع الاعتدال الإسلامي في لبنان والعالم العربي.

«لا حلّ لمشاكل لبنان إلا بمساحة وطنية مشتركة»

لم يقتصر الحضور في «لقاء سيّدة الجبل» الذي افتتح أمس خلوته العاشرة تحت عنوان «لقاء سيّدة الجبل معاً مسيحيّين ومسلمين لحماية لبنان»، على الفاعليات المسيحية، بل اتّسعَت مروحة الحضور لتشملَ الشركاء في الوطن، من منطلق أنّ «اللقاء طابعُه مسيحيّ لكنَّ أحد أهدافه ووسائل عمله تتّجه الى القول أن لا حلّ لمشاكل لبنان إلّا بمساحة وطنية مشتركة»، الأمر الذي استدعى مشاركة أشخاص من خارج لبنان أجروا مداخلات غنيّة تمثّلت بكلّ مِن رئيس المجلس الوطني السوري جورج صبرة الذي أدلى برسالة التحالف اللبناني الأميركي، تحت عنوان «المسيحيون في الشرق الأوسط»، ووزير الخارجية السابق للمملكة الأردنية الهاشمية نائب رئيس معهد «كارنغي» الدكتور مروان المعشر تحت عنوان «أقليات أو مواطنون»، والسيّد هاني فحص، إلى جانب رسالتين من الاغتراب اللبناني لكلّ من الدكتور وليد فارس والياس بجّاني.

وفي بيانه الختامي، أعلنَ المجتمعون «تشكيل لجنة تحضيرية مهمّتُها الإعداد لإطلاق كتلة عابرة للطوائف تعمل من أجل لبنان»، وشدّدوا على أن «لا تمييز بين إرهاب وإرهاب، وهذا موقف إنساني مطلق»، لافتين إلى أنّ «إدانة الإرهاب الذي يمارسه «داعش» تستدعي إدانة الإرهاب الذي يمارَس بحقّ الشعب السوري وضدّ المدنيين في غزّة».

وأكّد اللقاء أنّ «الإرهاب يطال الجميع، الأقلّيات كما الأكثرية، صحيح أنّ المسيحيين يتعرّضون للإرهاب والتهجير على يد «داعش»، لكنّ مَن يتعرّضون للإرهاب بشكل أساسي هم المسلمون»، معتبراً أنّ «حماية المسيحيين لا تكون من خلال تحالف الأقلّيات الذي يضعهم في حالة حرب مع الأكثرية». وشدّد على أن «ليس هناك حلٌّ مسيحيّ خاص لمشاكل المسيحيين، بل حلٌّ شاملٌ لكلّ المنطقة، والحلّ هو بالعمل جنباً إلى جنب مع المسلمين من أجل عالم عربي متنوّع وديمقراطي»، داعياً إلى «تعميم التجربة اللبنانية في العيش معاً».

سعيد

في حضور حشدٍ من النواب والشخصيات السياسية الحزبية والمستقلّة وأكاديميّين وناشطين في المجتمع المدني وإعلاميين، افتتحَ المنسّق العام لقوى «14 آذار» النائب السابق فارس سعيد اللقاء في فندق لوغبريال في الأشرفية.

وإذ انتقدَ حملات استقطاب الناس الى طوائفهم ليعتقد كلّ منهم أنّ الحلّ لمشاكله هو من ضمن طائفته، قال: «ضمان حقّ الفرد والجماعة هو تجربة لبنانية موصوفة منذ نشأة لبنان الكبير، وكرَّسَته النصوص القانونية وترسّخَ في اتفاق الطائف»، مشدّداً على أنّ «حلّ مشاكل اللبنانيين هو حلّ وطنيّ، وحلّ مشاكل الأقلّيات في المنطقة هو حلّ عربي».

السنيورة

هذا الموقف أثنى عليه السنيورة الذي أكّد بدوره، أنّ «الأولوية هي للحفاظ على استمرارية الدولة»، وقال: «نؤمن بأنّ انتخاب رئيس للجمهورية هو المهمّة الأولى والأساسية كي يُعاد تكوين السلطة في لبنان، لمواجهة الأخطار والتحدّيات التي نواجهها»، لافتاً إلى «أنّنا نريد رئيساً يجمع اللبنانيين ويحقّق المصالحة بينهم تحت لواء احترام الدستور والقانون، ولا نؤمن برئيس ينحاز إلى المحاور الإقليمية والدولية، بل برئيس يؤمن بـ»إعلان بعبدا» ويلتزمه».

ورأى السنيورة «أنّ الطريق الصحيح لمكافحة الإرهاب تكون بإيجاد الحلول للأزمات السياسية، وعن غير هذه الطريق لا تكون إلّا معالجات مجتزَأة»، متخوّفاً من «أن يمتدّ لهيب النيران السورية إلى بلادنا، وهمُّنا هو تجنيب لبنان الويلات والشرور».

وإذ أعلن «أنّني لا أجد أيّ رابطٍ مع الإرهابيين»، توجَّه إلى المجتمعين بالقول: «أنا أجد نفسي معكم أنتم المجتمعين هنا أقربَ أكثر بكثير من الذين يرفعون راية ولاية الفقيه العابرة للحدود السياسية في طهران، أو راية الخليفة الحاكم في الرقّة والموصل.

وأنتم الذين تشبهون لبنان، مع أمثالكم نريد أن نبني معاً على أساس الثوابت الوطنية والعيش المشترك، لكي يتمكّن وطننا من أن يتلاءم مع طموحات أبنائه»، آملاً «أن يتعمَّم نموذجُ حلِّ الطائف في لبنان باعتباره رسالة، في العالم العربي». وقال: «نعم للعيش المشترك بين اللبنانيين، ونعم لاحترام الجيش والقانون في لبنان، ولا سلطة لسلاح خارج عن سلطة الدولة».

فرنجية

أمّا العضو المؤسّس في لقاء «سيّدة الجبل» سمير فرنجية فأكّد أنّ «السلام بات شرطاً ملازماً لبقاء لبنان، ويحتاج الى الإدراك بأنّ «خلاص لبنان يكون لكلّ لبنان أو لا يكون، ويقوم بكلّ لبنان أو لا يقوم»، ويحتاج الى استعادة الدولة سيادتها المفقودة منذ العام 1969 وتأكيد حقّها الحصري في امتلاك القوّة المسلحة، وإلى تحرير الدولة من نزاعات الطوائف عليها والشروع، تأسيساً على اتفاق الطائف، في بناء دولة مدنية». وأضاف: «السلام يحتاج الى البحث في تصوّرٍ مشترَك لعلاقات مستقبلية تضمن حقوقَ لبنان وسوريا وإلى طيّ صفحة الماضي مع الفلسطينيين».

شمس الدين

بدوره، أعربَ شمس الدين عن صدمتِه «إذ رأيتُ إخوتي المسيحيين، في تصوّرهم لأنفسهم، كيف انتقلوا من ديناميّة تاريخية رؤيوية فاعلة، إلى حالٍ منفعلة متلقّية تتقلّب على سطح صفيح ساخن. وصُدِمتُ ثانياً إذ رأيت أنّهم لم يصغوا جيّداً إلى تعاليم كنيستهم التي بَذلت الجهدَ الأوفى في التجدّد.

وصُدِمتُ ثالثاً إذ رأيتهم يتحفّزون لسحب ملحِهم من عجينتي اللبنانية والمشرقية، فقلتُ: فبماذا أمَلّح إذاً؟». واعتبر شمس الدين أنّ «أطروحة حماية الأقلّيات ورقة استُلّت من متحف التاريخ الحديث، وتمّ وضعها على الطاولة»، مؤكّداً «إنّني لا أؤمن مطلقاً بها، بل أقول مع البطاركة الكاثوليك: «نحن جميعاً، مسيحيين ومسلمين، مسؤولون عن بعضنا بعضاً أمام الله والتاريخ».

إذا كان لقاء «سيّدة الجبل» قد نجحَ في تقديم رؤية متكاملة لخيارات المسيحيين في لبنان والمنطقة بالشراكة مع المسلمين وتعميم التجربة اللبنانية، فإنّ التحدّي الأساس يكمن في ترجمة هذا التصوّر على أرض الواقع في لبنان والعالم العربي.