خطة أميركا “لحماية لبنان”
محمد سلام، السبت 30 آب 2014
الإستراتيجية الأميركية “لحماية لبنان”، وفق التسمية الأميركية الرسمية، يجسدها مضمون عسكري يمكن تسميته “خط أوباما” الذي يرتكز على إقامة خط دفاعي لبناني على طول الحدود الشرقية والشمالية مع سوريا لخوض حرب مواقع طويلة الأمد (زمنياً) وطويلة المدى (قتالياً) لمنع دخول أي مكوّن قتالي من سوريا إلى لبنان من دون خوض عمليات إقتحام لمواقع العدو أو السماح للعدو بإقتحام المواقع اللبنانية.
هي “حرب صدّ” يستند مضمونها الفكري العسكري إلى قاعدة: لا نلتحم ولا نسمح للعدو بالإلتحام، بإنتظار حسم الصراع في الميدان السوري.
قراءة متأنية لصور الأسلحة التي تقدمها أميركا للجيش اللبناني، وتصريح السفير الأميركي ديفيد هيل تعبّر بوضوح عن مضمون الخطة الأميركية.
السفير الأميركي ديفيد هيل قال لدى تسليم شحنة سلاح إلى الجيش اللبناني ما حرفيته: “إلى أولئك الذين يقولون إن المساعدات الأميركية للجيش ليست متطورة بما فيه الكفاية، أقول: اذهبوا واسألوا جندياً في عرسال أو في رياق، أو في المقر الرئيسي في اليرزة، أو في الأمكنة الأخرى التي لا تحصى، حيث يعمل الجيش للحفاظ على أمن وأمان جميع اللبنانيين، والجواب الذي ستحصلون عليه من ذلك الجندي هو انه يحتاج بالضبط لما نحن نقدمه اليوم وما سوف نقدمه خلال الأسابيع القادمة. إننا ايضا، نناقش مع الجيش كيفية تلبية احتياجات إضافية، وسوف يكون لي المزيد لأقوله عن ذلك قريبا”.
الجندي اللبناني يحتاج إلى السلاح الذي قدمته أميركا، وتقدمه، (وفق رأي هيل) وهذا السلاح هو سلاح دفاعي فعال لخوض معارك مواقع لا معارك إلتحام.
فماذا قدمت أميركا؟
بندقية م-16أ-4. هذه البندقية الرشاشة من عيار 5،56 ملم مخصصة للقتال على مدى يبدأ من 400 متر وما فوق. البندقية المجربة والناجحة لا تصلح للقتال الإلتحامي لأنها تقتل مستخدمها. هي بندقية طويلة، مجرى البصر فيها مرتفع، ما يعرض مستخدمها لإصابات قاتلة في الرأس إذا إستخدمت في قتال إلتحامي.
هذه الحقيقة أدركها الراحل الكبير اللواء فرانسوا الحاج أثناء معارك نهر البارد إذ وردت معلومات أن عصابة شاكر العبسي المحاصرة في المخيم بصدد تنفيذ إقتحام لخطوط الجيش للهروب من المخيم. فإستدعى اللواء الحاج الضابط الميداني وأمره بتغيير سلاح الجنود من م-16 إلى كلاشنكوف إستعداداً لمعركة إلتحام. وقعت المعركة ليلاً وفشل عناصر العبسي في إختراق خطوط الجيش. نجح الجيش في صدهم لأن اللواء فرانسوا الحاج قرر تبديل السلاح. لو بقيت بندقية إم-16 مع العسكر أثناء الإلتحام لكانت النتيجة كارثية على الجيش. الكلاشنكوف القصير والمطواع والذي يطلق رصاصاً من عيار 7،62 ملم (أكبر من مقذوفة م-16) هو أشد فعالية في القتال الإلتحامي، مطواع، لا يكشف مستخدمه والأهم أن رصاصته تحدث ضرراً أكبر من رصاصة م-16 على المدي القصير، وتزداد فعاليتها … كلما قصر المدى.
سردنا تجربة الجيش في نهر البارد بقيادة الراحل الكبير الحكيم الشهيد اللواء فرانسوا الحاج لنؤكد على أن طبيعة المهمة يحددها السلاح المخصص لها، كما أن طبيعة أي مهمة تحددها الأداة المخصصة لها، فمن يريد أن يحرث حقلا لا يستخدم سيارة سباق، ومن يريد المشاركة في سباق لا يستخدم جراراً زراعياً.
من هنا يكتسب تصريح السفير الأميركي أهمية خاصة في تحديد طبيعة المهمة التي يعدها للجيش على الحدود الشرقية الشمالية: حرب مواقع على مدى رمي طويل، لا إلتحام ولا سماح بإلتحام.
هذا يعني أن العم أبو حسين أوباما يريد إقامة خط دفاعي طويل في لبنان يمتد من جنوب السلسلة الشرقية إلى شاطيء عكار، بإنتظار أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً في سوريا.
السلاح الثاني الذي قدمته أميركا للجيش، وفق ما ظهر في صور الخبر الرسمي لتسليم الشحنة، هو قاذف الصواريخ المضاد للدروع من طراز إ.ت-4 وهو عملياً بندقية عديمة الإرتداد تطلق قذيفة مضادة للدروع بالقذف الصاروخي، مجال إصابتها الأقصى هو 500 متر ومجال إصابتها الفعال هو 300 متر وسرعة مقذوفها هي 950 متراً في الثانية.
القاذف الأميركي الصنع السويدي التصميم أساساً وضع في الخدمة الفعلية في العام 1978 وإستخدم في الغزو الأميركي لباناما، وأفغانستان والعراق. وهو سلاح فعال جداً لصد الدروع (دبابات-ناقلات جند) من مسافة بعيدة من دون تعريض المستخدم لخطر التقدم إلى مواقع قريبة من الهدف، وبهذه الميزة يتفوق على شقيقه الروسي ب-7.
وتوضح مراجعة سريعة لأداء القاذف إ.ت-4 في العراق أن القوات الأميركية إستخدمته لحماية مواقعها من تقدم الآليات العراقية ولم تستخدمه في أي عمليات هجوم وإلتحام لأنها كانت تعتمد على التغطية النارية الجوية.
وهذا تحديداً يعني أن مهمة الصاروخ الأميركي في لبنان هي حماية مواقع الجيش اللبناني من أي محاولة تقدم مفترضة قد تقوم بها عناصر مسلّحة سورية مستخدمة آليات مدرعّة، ولا سيما آليات مدرّعة أميركية الصنع حصلت عليها من ترسانة جيش نوري المالكي في العراق.
أما السلاح الثالث الذي قدمته أميركا للجيش اللبناني، ودائماً وفق الصور المنشورة رسمياً، فهو سلسلة مدافع هاون ذات قواعد تثبيت أسطوانية (دائرية) وأعمدة تحريك هيدروليكية لتحديد إحداثيات الرمي.
مدافع الهاون هذه تستخدم تحديداً لصد محاولا تقدم قوات مشاة أو قوات محمولة كيفياً ضمن مجالات قصيرة (2-10 كلم) ما يوحي أيضاً أن طبيعة المهمة هي دفاعية على قاعدة عدم السماح بإلتحام القوات.
ما ينتظرنا، وفق ما نستنتجه من مضمون الخطة العسكرية الأميركية، هو معركة مواقع طويلة الأمد (العمر) والمدى (مجال الرمي وحقل القتل) على جبهة “خط أوباما” البالغ طوله تقديراً مع تعرجاته قرابة 160 كيلومتراً.
هذا في الشق العسكري. أما في السياسة فأوضح السفير هيل الهدف الأميركي في تصريح بالغ الأهمية لصحيفة الرياض السعودية إذ قال ما حرفيته: “الدعم الأميركي للجيش اللبناني مستمرّ وذلك لمساعدته في تنفيذ القرارين 1559 و1701.”مذكرا بأنّ “الولايات المتحدة الأميركية هي المساهم الأكبر بنسبة 75 في المئة في تسليح الجيش وتقوية قدراته من أجل مراقبة الحدود وحمايتها من التهديدات الإرهابية . “
أهمية الكلام تستند إلى أساسين: أولاً: أن الذي قاله هو سفير أميركا لدى لبنان. ثانيا: أن السفير الأميركي لدى لبنان قاله لصحيفة الرياض … السعودية.
أما مضمون التصريح فهو “المساعدة في تنفيذ القرارين 1559 و 1701.”
للتذكير: قرار مجلس الأمن الدولي 1559 الصادر في العام 2004 يدعو، كما إتفاق الطائف، إلى حل الميليشيات في لبنان. وهذا القرار هو الذي تم إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري … كي لا ينفذه.
والقرار 1701، الذي أوقف حرب العام 2006 بين حزب السلاح الفارسي وإسرائيل على أرض لبنان، يتضمن في مقدمته فقرة ربط مهمة رئيسية بالقرار 1559.
للتذكير أيضاً: القراران صدرا قبل أن تكون تنظيمات داعش والنصرة وغيرهما قد ولدت. وقبل إنطلاق الثورة السورية بسنوات.
ما سبق يلقي الضوء على ما تخطط له أميركا.
فماذا يخطط لبنان؟؟؟؟؟
لبنان لا يخطط لشيء. حزب السلاح الفارسي الرافض للقرار 1559 ومعه بشار الأسد … يخططان.
(صفحة كلام سلام)