محمد سلام/لبنان المريض بعشق القاتل

256

لبنان المريض بعشق القاتل
محمد سلام/الخميس 28 آب 2014

القتل بشع. هذه حقيقة إنسانية-أخلاقية-دينية لا جدال فيها. وقد حرّم الله قتل نفس بغير نفس، أي حرّم قتل من ليس بقاتل، وأحلّ الدين الإسلامي قتل القاتل والزاني والمرتد عن الإيمان بدين الله، أي من إعتنق الدين الإسلامي ثم خرج منه، وليس قتل من هو غير مسلم.

ولكن مراجعة تاريخ الأمم تكشف عن حقيقة مذهلة ومرعبة في آن: القتل هو عنوان تغيير كيانات سياسية وقيام كيانات سياسية. هذه حقيقة تاريخية ثابتة في كل الكون وليس في عالمنا المشرقي أو العربي أو العالمثالثي ألخ ألخ.

مراجعة بسيطة:

الولايات المتحدة الأميركية: كم عدد الأميركيين الذين قتلوا في الحرب الأهلية التي إنتهت بإنتصار الشمال الإتحادي على الجنوب الكولونيالي الإنفصالي؟

الصين: كم عدد الصينيين الذين قتلوا في معارك قيام الدولة الشيوعية على أنقاض البوذيّة؟

روسيا: كم عدد المواطنين الروس الذين قتلهم النظام الشيوعي (بعد الثورة وليس أثناءها) ضمن حملة تحويلهم من فلاحين إلى عمال مصانع؟؟؟ يقال خمسة ملايين فلاح روسي كانوا يرفضون التحول إلى عمال مصانع.

فيتنام: كم مواطن فيتنامي قتل قبل قيام الدولة الفيتنامية؟

كمبوديا: السؤال نفسه.

جنوب أفريقيا: السؤال نفسه.

ألمانيا: السؤال نفسه بتوسّع، أي في حالتي قيام الرايخ النازي ثم “التطهير” من الرايخ النازي بعد إنهزامه. والسؤال ينسحب على أوروبا كلها.؟

إيران: كم قتلت أسرة بهلوي كي تقوم، وكم قتلت ولاية الفقيه كي تقوم، وبعدما قامت؟

تركيا: كم قتلت الدولة العثمانية وكم قتلت العلمانية الكمالية (نسبة إلى مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك)؟

الشرق العربي(الأوسط) وشمال أفريقيا:

خلال المائة عام المنصرمة لا يوجد نظام واحد قام في الشرق الأوسط إلا على القتل، بإستثناء حالة لبنان. وأتحدي أي مؤرخ أو باحث أن يثبت العكس؟

الإستنتاج:

القتل، للأسف، هو أداة تغيير الواقع السياسي لإحلال واقع سياسي آخر مكانه. هذه حقيقة. مؤلمة، مؤسفة، مستنكرة، مرفوضة … ألخ، ولكنها حقيقة واقعية تاريخية وآنية.

القتل بصفته أداة للتغيير يستحصل على مغفرة أو شهادة حسن سلوك فقط إذا أدى إلى قيام كيان-نظام يوقف القتل. لذلك، على سبيل المثال لا الحصر، نرى أميركا تفاخر بحربها الأهلية أو ثورتها لأنها حققت وحدة أمة وأنتجت نظاماً لا يقتل مواطنيه. ونرى جنوب أفريقيا تفاخر بأنها أوقفت القتل بعد مسار طويل من القتل الذي مارسه نظام الفصل العنصري.

والقتل، بصفته أداة للتغيير، يعود إلى الواجهة ويتصدر الأحداث ليقتل أنظمة جاءت بالقتل ولكنها لم توقف والقتل والإستبداد بل مارسته عندما سادت وحكمت. وهذه العبرة هي خلاصة تجربة ديكتاتوريات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من الجزائر إلى سوريا مروراً بليبيا واليمن ومصر والعراق.

مطحنة القتل تحت شعار التغيير تستمر في طحن الشعوب طالما لم يتوفر لهذه الشعوب أنظمة حكم توقف القتل والإضطهاد والقهر.

في الفرادة اللبنانية:

لبنان حقاً فريد في نوعه، خصوصاً بالقتل بصفته أداة للتغيير. النظام اللبناني لم يقم بالقتل … ولا يستمر بالقتل.

لبنان هو نقيض التجربة العالمية:

في لبنان هناك ثورة مسلحة قاتلة ضد نظام غير قاتل.

الثورة القاتلة هذه شنها حزب السلاح الفقيهي المسمّى حزب “الله” في 7 أيار العام 2008 على شعب الدولة اللبنانية التي لا تقتل. والثورة القاتلة مستمرة في القتل والنظام اللبناني مستمر في تجاهل حقيقة أن هناك ثورة قاتلة تشن عليه لأنه لا يقتل ولا يردع القاتل، كما هو مستمر في تجاهل حقيقة أن القتل مارسته العصابة إغتيالاً “سريا” منذ تشرين الأول العام 2004 قبل أن تخلع قناعها وتعلن عن نفسها ثورة في العام 2008.

والثورة القاتلة إنطلقت من لبنان لتقتل في مصر والأردن، إنتقائياً، ولتقتل في سوريا شعبياً على نطاق واسع.

أما النظام اللبناني غير القاتل وجمهوره السيادي المقتول من قوى 14 آذار، فإنه لم يعد يكتفي بتجاهل الثورة التي تقتله، بل وصل به الغباء السياسي إلى درجة أنه صار يطالبها بسحب القتلة من سوريا وإعادتهم إلى لبنان.

صار النظام اللبناني غير القاتل وشعبه المقتول مصاباً بمرض ساديّة الضحية. صار مدمناً قاتله، تماماً كمدمن المخدرات، والأكثر خطورة، صار يطلب من قاتله أن يستعيد مجرميه من الأرض السورية ليقتلوا مزيداً من اللبنانيين على الأرض اللبنانية، تماماً كما يطالب مدمن المخدرات المروّج بإستيراد المزيد من “بودرة القتل” كي “يستمتع” المدمن بموته.

والأسوأ هو أن مدمني مرض ساديّة الضحية، بمطالبتهم قاتلهم حزب السلاح بالعودة من سوريا إلى لبنان ليقتلهم، صاروا ملزمين بحراسة مؤخرته لتأمين سلامة عودته إلى لبنان تسهيلاً لتنشيط عمليات قتله للبنانيين.

بل أكثر من ذلك وأخطر وأبشع وأشد وقاحة: صار حزب السلاح القاتل يطالب بفجور ضحاياه من اللبنانيين أن يتحالفوا معه لردع قاتل آخر يقتله في سوريا والعراق … وغيرهما.

فريد لبنان. فعلاّ فريد.

ولكن هل لبنان فريد بميزة الغباء السياسي أم بمرض إدمان القاتل … إلى هذه الدرجة؟