لبنان: تقطيع الوقت الضائع
علي حماده/النهار/26 آب 2014
لا جديد على صعيد إتمام الاستحقاق الرئاسي ما دام الطرف المتمسك بالتعطيل منذ الخامس والعشرين من آذار الفائت لم ير في اتمامه مصلحة له، وما دام التعطيل من الناحية الواقعية لا يزال عملاً غير مكلف. فلقد تمكّن الطرف المعطّل للاستحقاق من تعويد الجمهور على الشغور الرئاسي، بحيث كادت المطالبة باستعجال الانتخاب أن تصبح خطاباً عادياً لا يتوقف عنده السياسيون ولا الجمهور. حتى المسيحيون اعتادوا الشغور بفضل الضخ التحريضي الذي يملأ فراغهم حول ما يسمى خطر الإسلاميين والإرهاب الزاحف من وسط العراق الى قلب لبنان من خلال عرسال، إلى ما هنالك من خطاب هدفه زرع الهلع في قلب المسيحي بهدف تسهيل تجميع أحدهم المزيد من الاوراق في الطريق الى قصر بعبدا! لا جديد قبل أن تأتي الإشارة الإيرانية الى من يعنيهم الأمر بالإفراج عن الرئاسة في إطار تسوية منتظرة ستأتي عاجلاً أم آجلاً. فلقد خرج الاستحقاق الرئاسي من إطاره اللبناني، ولن يعود الى لبنان إلاّ مع اسم الرئيس الجديد. وسيسبق ذلك تمديد لولاية مجلس النواب في إطار استكمال “تفاهمات” إقليمية – دولية مطلع العام الجاري أفضت الى تهدئة سياسية، وشيء من الاستقرار الأمني مع تشكيل حكومة أكثر توازناً برئاسة تمام سلام تقطع مع مرحلة حكومة اللون الواحد التي رأسها الرئيس نجيب ميقاتي على مدى ثلاثة أعوام ترجمة لانقلاب “حزب الله” على حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري في كانون الثاني 2011. نحن، إذاً، في مرحلة الوقت الضائع بالرغم مما حصل أخيراً في عرسال، وجميع الفئات المعنية بالوضع اللبناني في الإقليم أو الداخل على حد سواء متفاهمون على المحافظة على حد أدنى من التهدئة السياسية والاستقرار الأمني الى أن يحين وقت التسوية الأكثر رسوخاً كانعكاس لتسوية أوسع إذا حصلت. المؤكد أن لبنان لا يزال يتمتع بمظلة تمنع انفجاره، لكن هل هذه المظلة كافية كضمان؟ لا شيء يضمن بقاء المظلة، ولا وقت محدداً لها، ولا ضمانات سوى في “اليومي”. أما بالنسبة الى مقبل الأيام فما من تصوّر لما ينتظر لبنان. ومن المهم بمكان إدراك أن الوقت الضائع هذا مشفوعاً بالتهدئة والحد الأدنى من الاستقرار لا يعني أن لبنان محصن في وجه الأخطار كلها، أو أن لا تهديدات أمنية يمكن أن تطرأ في الداخل أو في الأطراف، فتورّط “حزب الله” المستمر في سوريا يبقي سيف الأخطار الأمنية معلقاً في كل حين. بالعودة الى الاستحقاق الرئاسي المعلّق، تجدر الإشارة الى الاقتراح “الدستوري” الأخير في شأن تغيير طريقة انتخاب الرئيس، وهو اقتراح يبقى مجرد ضجيج لا يغيّر في المشهد العام. ولن يكون الرئيس المقبل الا نتاجاً لتسوية دولية – اقليمية – داخلية، لذلك قلنا أكثر من مرة أن لا رئيس في لبنان إلا رئيس تسوية. وفي الانتظار تبقى الجمهورية معلٌّقة حتى إشعار آخر.