فشل انقلاب التأسيسي
١٦ اب ٢٠١٤
إلياس الزغبي
تطوّرات الشهرين الأخيرين، خصوصاً في العراق، فكّكت حلقات كثيرة من القوس السياسي والعسكري الإيراني الذي كان قد حقّق نجاحات ميدانيّة استتبعت اختراقات سياسيّة في اتجاه الغرب عبر الملفّ النووي، وفي اتجاه العرب عبر ملفّ الأنظمة المنخرطة في ‘جبهة الممانعة والمقاومة”.
لم يكن تفصيلاً بسيطاً ما جرى في وسط العراق وغربه، حيث قَصَمَ الميدان ظهر القوس وشقّ تماسكه وتكامله جغرافيّاً وعسكريّاً.
ولم يكن بسيطاً اضطرار نظام الوليّ الفقيه للتخلّي عن نور المالكي، بما يسمح بالمقارنة اللاحقة مع وضع بشّار الأسد ولو بعد حين، ويجعل إيران لاعباً أقلّ حضوراً وتأثيراً في العراق مع عودة اللاعبين العمالقة من وزن واشنطن وأوروبا وتركيّا والسعوديّة.
كما لم يكن سهلاً على طهران أن ترى أعداءها ما زالوا يدقّون باب دمشق برغم كلّ ما بذل الفريق قاسم سليماني ومليشياته اللبنانيّة والعراقيّة في حرب الريف، ويقتربون من المدى الحيوي لذراعها ‘حزب الله” عبر جرود القلمون وعرسال، بعدما نامت على حرير ‘نصر يبرود” بعد القُصَير وحمص..
وفي لبنان، فاجأها انتعاش حالة خصومها، سواءٌ من خلال انتصار مبدأ الدولة والجيش في المواجهة وانكفاء ذراعها إلى الصفّ الخلفي، أو من خلال معاني عودة الرئيس سعد الحريري ونجاحه في ضبط الوضع السنّي وإنعاش 14 آذار وحالة الاعتدال والعبور إلى تكوين المؤسّسات بدءاً من رئاسة الجمهوريّة.
ومع إدراك طهران مرارة خسارتها في العراق، بدأت تفكّر بالتعويض في مكان آخر، مع حال المراوحة في سوريّا واستحالة التعويض فيها تحت الميزان المتعادل للقوى المتصارعة، ومع دوران غزّة على نفسها.
هذا المكان البديل للتعويض ليس سوى لبنان. في حسابها الذي تسعى إلى تسويقه مع واشنطن والرياض أنّها يجب أن تقبض في لبنان ما دفعته في العراق: ذهب المالكي هناك فليأتِ مالكي آخر هنا، ويكون رئيس الجمهوريّة العتيد، من الإحتياط الإيراني، مجرّباً 9 سنوات على الأقلّ.
لا يخفى أنّ هذه المعادلة دغدغت شهيّة مرشّحي ‘8 آذار”، وأبرزهم سليمان فرنجيّة وميشال عون. فبادر الأوّل إلى جسّ النبض من خلال صديقه بشّار الأسد، وحرّك الثاني موفده نحو بعض العواصم العربيّة لاسيّما الرياض وعمّان، مع متابعة التغزّل السياسي بسعد الحريري، ومحاولة تجديد الهرولة إليه حتّى جدّة.
في الواقع، إنّه حساب أقرب إلى السذاجة والتبسيط السطحي، فليست المسألة في خفّة سياسة الأُمْنيات.
ففي نتائج الصراعات الكبرى لا تتمّ مقايضات مع المغلوب أو المهزوم، بل تقاسم تركته وتوزيعها على المنتصرين. وفي الوضع الإيراني، يصحّ حال أحجار الدومينو، حجر يُسقط آخر، فالخسارة لا يُمكن تحديدها في مكان واحد. ومن المنطقي أن تتمدّد من بغداد إلى بيروت عبر دمشق.
والخسارة الإيرانيّة المتوقّعة في لبنان ليست بالضرورة عسكريّة من خلال انكسار سلاح ‘حزب الله” مثلاً. بل هي سياسيّة بامتياز، ولا يستطيع السلاح منعها تكراراً، كما فعل سابقاً بانقلابه على نتائج الانتخابات.
عنوان الخسارة السياسيّة سيكون انهيار فكرة ‘المؤتمر التأسيسي” التي طالما اشتغلت إيران لتسويقها، منذ مسعاها مع الموفد الفرنسي جان كوسّران قبل 8 سنوات، ومن خلال مؤتمر الحوار اللبناني في سان – كلو.
كانت الفكرة قائمة على التغيير في موازين القوى لمصلحة سلاح ‘حزب الله” وسطوته الداخليّة على وهج حرب الـ2006. ولم يكن الاعتصام الدهري في قلب بيروت، ثمّ 7 أيّار، وانقلاب ‘القمصان السود”، فرفع إشارة النصر في سوريّا، سوى حلقات تمهيديّة لفرض التغيير في النظام عبر جرّ الجميع إلى ‘طائف” جديد ينسف توازنات الميثاق والصيغة، وعلى رأسها المناصفة.
ظلّ الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله يروّج لـ”التأسيسي” ومن ورائه ميشال عون، في كلّ خطاب أو موقف أو خطوة، بل ذهبا بعيداً في استغلال عبارة وردت على لسان البطريرك الراعي عن ‘العقد الاجتماعي” كي يوهما الرأي العام بأنّ بطريرك الموارنة مع مؤتمرهما، أو ائتمارهما لا فرق.
كانت آنذاك عوامل القوّة بلا ضوابط. كانت إيران تستشعر فائضها في ‘حزب الله” والنظام السوري والمالكي، وبفعل أزمات الخليج واليمن ومصر وسواها. كانت تحاول فرض نفسها لتغيير معادلات وتوازنات وأنظمة من البحرين إلى لبنان.
الآن، يصعد ثنائي الرياض – القاهرة، كما يعود أردوغان إلى وهج حكمه، وإيران ليست في حالة الاستكبار نفسها، فالتقليم يطاول أظافرها، ولم يَعُدْ طموحها مفتوحاً على مصراعيه. وهذا ما يحبّون تسميته براغماتيّة أو حياكة سجّاد أو فنّ علك الصوف، ولو كان في حقيقته تراجعاً.
والنتيجة المباشرة التي سنتلمّسها في لبنان هي غياب الترويج لمشروع ‘المؤتمر التأسيسي”. وستخلو خطابات نصرالله، بدءاً من أمس، ووراءه عون، من هذا الهدف المركزي. وستحلّ محلّه غزليّات في العيش المشترك والميثاق والمشاركة والطائف و .. سعد الحريري، والإمعان في تفريغ المؤسّسات في الوقت نفسه!
وداعاً انقلاب! وداعاً ‘تأسيسي”! وداعاً مثالثة!
المصدر : موقع Now