حتى لا نذهب أبعد من عرسال
فايز سارة/الشرق الأوسط
10 آب/14
مما لا شك فيه أن ما حدث في بلدة عرسال اللبنانية ومحيطها هو أمر مأساوي بالمعنى الإنساني، بما حدث فيه من تطورات، وما ترتب عليه من نتائج، كان بينها قتل وجرح وتشريد آلاف من اللاجئين السوريين الذين كانوا يقيمون في البلدة، وفي مخيمات قريبة منها، كما قُتل وجُرح لبنانيون من البلدة ومن خارجها بفعل الأحداث المؤسفة، التي كانت في جانبها السياسي والأمني لا تقل سوءا في نتائجها الكارثية على السوريين واللبنانيين، حيث ذهبت بالطرفين إلى مسارات أبعد من الصراع والاختلاف، في وقت يفترض أن يكون بينهما مساحات أوسع من أجل التوافق والاتفاق، أقله فيما يتعلق بالوجود السوري في لبنان، وكيفية معالجة ظروفه، وتطوير أشكال التعامل معه. واستند ما حدث في عرسال إلى موضوعين أساسيين؛ أولهما تطورات واقعية تتصل بالوجود السوري في لبنان، والثاني واقع لبناني معقد، يتصل بموضوع السياسة اللبنانية في القضية السورية، والأبرز في الموضوع الأول يستند إلى زيادات كبيرة في أعداد اللاجئين، وأعداد كبيرة منهم تمركزت في عرسال ومحيطها لأسباب متعددة، وهذه شكلت أساسا لتغييرات في الواقع الديموغرافي السياسي والأمني في المنطقة، وفرضت مستويات من التغيير الاقتصادي – الاجتماعي وصولا إلى الثقافي، ويؤدي ما سبق لخلق أرضية لتوترات مرتقبة في المنطقة، يشكل الوجود السوري فيها عامل تفجير. أما الموضوع الثاني، فيتصل بالسياسة اللبنانية في الموقف من القضية السورية، والمنقسمة بصورة حادة حيال الوضع السوري، حيث قسمٌ معظمه من تيار «8 آذار» على رأسه «حزب الله»، يدعم سياسات نظام بشار الأسد، ويرسل مقاتلين للمشاركة في حرب النظام على السوريين، وقسم أكثره من «14 آذار»، يعلن وقوفه إلى جانب الثورة ومطالب الشعب السوري، وأبرز قواه تيار المستقبل، وفي صفوفه جماعات إسلامية متشددة. ووسط تلك الحالة من عوامل الشد والتوتر، انطلقت شرارة أحداث عرسال، التي لم تكن معزولة عن أجندات ثلاث، وإن كانت متباينة في ظاهرها، فقد كانت متوافقة في أهدافها من حيث خلق توتر في لبنان يغطي على استمرار وتصعيد جرائم نظام الأسد ضد السوريين، ويعطي مبررات لاستمرار مواقف «حزب الله» وسياسات أنصاره في الموضوع السوري، إضافة إلى أنه يظهر جماعات التطرف الديني في سوريا على أنها صارت حاضرة وذات وزن وتأثير في لبنان، والأهداف الثلاثة تتناقض مع مصلحة اللاجئين السوريين من جهة، ومصلحة لبنان وعموم اللبنانيين من جهة ثانية.
إن الأبرز في نتائج ما حدث في عرسال، من الناحية السياسية، أنه وتر الأجواء السياسية والأمنية في منطقة عرسال خصوصا، وفي لبنان على نحو عام، وعمق واقع الانقسام والصراع في الداخل اللبناني من جهة، وفي الموقف من القضية السورية من جهة ثانية، ومن الناحية الإنسانية عرض اللاجئين السوريين ومواطنين لبنانيين من أبناء عرسال وغيرهم للموت والتشرد وإلى مزيد من المعاناة الإنسانية، كما ألحق الضرر بالسلطات اللبنانية المسؤولة بصورة مباشرة، ليس فقط عن حماية مواطنيها، إنما عن حماية وتأمين اللاجئين على أراضيها، طبقا لمحتويات القانون الدولي. لقد بُذلت محاولات متعددة من أطراف مختلفة لحصار أحداث عرسال، والحد من نتائجها الكارثية، والأهم عدم تكرارها. لكن النتائج كانت محدودة، بسبب موقف أصحاب الأجندات المتدخلين في الأحداث، وأولهم نظام الأسد وأجهزته، وكذلك أنصاره في لبنان، وخاصة «حزب الله»، وجماعات التطرف السورية، ومنها «داعش» و«النصرة» التي تسللت إلى هناك، وما زالت لديهم الأهداف ذاتها في تفجير الوضع في لبنان، وحول اللاجئين فيه بشكل خاص.
وما لم يحصل تبدل في المواقف والأجندات، فإن الوضع في لبنان سوف يسير إلى ترديات أوسع، وأكثر خطرا، تقوده نحو انفجار، يتجاوز موضوع اللاجئين إلى كل لبنان، وإن كان موضوع اللاجئين سيظل النقطة التي ينطلق منها موضوع الصراع اللبناني – اللبناني. إن الخطوة الأولى التي يمكن أن تغير سيناريو انفجار الوضع اللبناني، تكمن في تثبيت ابتعاد لبنان عن تدخل مباشر أو غير مباشر في القضية السورية، وهذا لا يمكن أن يحصل مع استمرار إرسال «حزب الله» قواته للقتال إلى جانب النظام السوري، ومع استخدام «حزب الله» الجيش اللبناني واجهة له في التعدي على السوريين في لبنان، والخطوة الثانية، تبدو في التعامل مع موضوع اللاجئين بوصفه قضية إنسانية تتصل بالسوريين بوصفهم إخوة وجيرانا للبنانيين، ووفاء الدولة اللبنانية بالتزاماتها الدولية حيالهم، بما في ذلك وقف حملة التجييش والتحشيد العنصري ضدهم، التي تصاعدت في الفترة الأخيرة. ولعله لا يحتاج إلى تأكيد أنه، وبالتزامن مع ما سبق، لا بد من تدخل سوري تقوم به قوى المعارضة، وعلى رأسها الائتلاف الوطني، أساسه التواصل مع السلطات اللبنانية ومع الفعاليات السياسية والاجتماعية، وتأكيد أن السوريين، بمن فيهم اللاجئون السوريون، معنيون بأمن وسلامة لبنان واللبنانيين، وبسيادة السلطات اللبنانية على أراضيها، وأن وجود اللاجئين هناك ظرف مؤقت، وأنهم ليسوا جزءا أو طرفا في الصراعات اللبنانية، وأنهم يعارضون تمدد جماعات التطرف الديني من «القاعدة» وأخواتها عبرهم، أو في أوساطهم في لبنان. ولعله من المؤكد أن خطوات بهذا المحتوى، سوف تساهم في عدم تكرار عرسال أخرى، بل إنها يمكن أن تساهم في تصفية ما خلفته عرسال من آثار ونتائج سلبية في لبنان، وعلى صعيد العلاقات السورية – اللبنانية الآن وفي المستقبل.