كليفورد ماي/إلى متى يتظاهر الغرب بأن أردوغان حليفه؟

805

إلى متى يتظاهر الغرب بأن أردوغان حليفه؟

 كليفورد ماي/السياسة/10 كانون الأول/14

كان يمكن أن تكون تركيا جزءا من الحل, إلا أنها أصبحت جزءا من المشكلة التي هي انتشار الجهادية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وسواهما. إن السياسات التركية حرضت وقدمت المساعدة لكل من جبهة النصرة (احد فروع تنظيم القاعدة) والدولة الإسلامية (داعش) التي حولت مساحات واسعة من سورية والعراق ساحات للقتل, كما ساعدت جمهورية إيران الإسلامية التي لا تزال حكومة الولايات المتحدة تعتبرها رسميا راعية الإرهاب الرائدة في العالم, وهي على وشك أن تصبح مسلحة نوويا, كما ساعدت جماعة الإخوان المسلمين, بما في ذلك “حماس”, فرعها الفلسطيني. مثير للقلق, أيضا, ذلك الخطاب الذي نسمعه من القادة الأتراك. وزير العلوم والصناعة والتكنولوجيا في تركيا فكري اسيك, ادعى الأسبوع الماضي أن علماء المسلمين هم أول من اكتشف كروية الأرض, وقبل أسبوعين, أصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على ان البحارة المسلمين اكتشفوا أميركا قبل كريستوفر كولومبوس بنحو ثلاثمئة سنة, لذا تجد أن المسلمين استقروا في كوبا وبنوا مسجدا جميلا. إن أسلوب صنع الأسطورة هذا يجب أن نرفضه باعتباره أمرا أكبر من محاولات الفخر بالإسلام. قد يكون من الأسهل أن نجد العذر للسيد أردوغان لتنامي رهاب “الأجانب” لديه, كما لوحظ في الآونة الأخيرة, وحبه للنفط والذهب والماس وقوة العمالة الرخيصة من العالم الإسلامي. وأضاف أردوغان: “ان الغربيين يحبون نزاعات الشرق الأوسط وحروبه ومشاحناته. إنهم يظهرون كأصدقاء لكنهم يريدون لنا الموت, ويحبون رؤية أطفالنا يموتون. الى متى نقف عند هذه الحقيقة”؟ لو كانت تركيا مجرد نظام ديكتاتوري لما كان أي من هذا الكلام يهم كثيرا. لكن تركيا جمهورية غالبية مواطنيها من المسلمين (98في المئة) ولها اقتصاد ديناميكي (لا تعتمد النفط), وهي عضو في منظمة حلف شمال الأطلسي (ما يجعلها حليفة للولايات المتحدة), ومرشحة رسميا لعضوية الاتحاد الأوروبي (هذا الاحتمال يبدو حاليا بعيدا).

منذ ثلاث سنوات فقط, أدرج الرئيس الاميركي باراك أوباما السيد أردوغان كواحد من خمسة زعماء في العالم تربطه به علاقات شخصية وثيقة وخاصة, واعتبره الزعيم التركي المعتدل, وشريكه للتواصل مع العالم الإسلامي الذي يعيش أوضاعا مضطربة ومرتبكة. اليوم, كما ورد في تقرير جديد لجوناثان سكانزير وميرفي طاهراوغلو, زميلين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات, فإن أردوغان يرفض السماح للتحالف بقيادة الولايات المتحدة الذي تشكل في أغسطس بشن هجمات ضد “داعش” انطلاقا من الأراضي التركية. والأسوأ من ذلك, فإن هناك أدلة متزايدة على أن مقاتلين يعبرون من تركيا إلى سورية, وأن أسلحة تسلم إلى “داعش” فيما المسؤولون الأتراك يغضون الطرف, أو ربما حتى يسهلون حركة المرور هذه. النفط المسروق ينقل الى الداخل التركي ليباع ويجمع المال لمصلحة “داعش”, وكذلك, كما كتب السيد سكانزير والسيدة طاهراوغلو, فإن “داعش” أنشأ “خلايا لتجنيد المتشددين ولعمليات لوجستية أخرى”, وفي نهاية الأسبوع الماضي, اتهم الحزب الكردي الرئيسي في تركيا حكومة أردوغان بالسماح لمقاتلين بمهاجمة بلدة كوباني الكردية السورية انطلاقا من تركيا. كما ورد في تقرير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات عن مصادر عديدة تزعم بأن تركيا قدمت دعما ل¯”جبهة النصرة”, ولكي نكون منصفين نقول إن الحكومة التركية, مثل إدارة أوباما, تسعى الى إسقاط الديكتاتور السوري بشار الأسد المدعوم من جمهورية إيران الإسلامية. ونقل عن مسؤول تركي قوله: ان “مقاتلي جبهة النصرة ضروريون لبذل هذا الجهد”. واضاف: “بعد ذهاب الأسد, نحن نعرف كيف نتعامل مع هذه الجماعات المتطرفة”.

هل يفعلون؟ “حماس” جماعة متطرفة وأحد كبار قادتها, صالح العاروري, سمحت له تركيا بالاقامة على أراضيها. في شهر أغسطس الماضي, نشرت وكالة أمن اسرائيلية (الشين بيت) إنها أحبطت مؤامرة تقودها “حماس” لإسقاط رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس, وان السيد العاروري كان وراء ذلك. كما أنه أعلن مسؤوليته, بحضور نائب رئيس الوزراء التركي, عن اختطاف وقتل ثلاثة أولاد اسرائيليين في الضفة الغربية مطلع الصيف الماضي, وهذا العمل الإرهابي أدى إلى نشوب حرب لمدة 50 يوما بين اسرائيل وحركة “حماس” في غزة. هناك المزيد, ثمة مزاعم ذات مصداقية بأن تركيا ساعدت حكام إيران على التهرب من العقوبات الدولية, وكذلك حقيقة أن تركيا تسجن الصحافيين أكثر من أي بلد آخر, ومقارنة السيد أردوغان الإسرائيليين بالنازيين, وتعهده بحجب موقع “تويتر”, وقوله :”لا يهمني ما يقوله المجتمع الدولي.

فهم سيرون قوة الجمهورية التركية”. إن فهم ما آلت إليه تركيا يساعد على معرفته قليلا ما كانت عليه تركيا. العاصمة التركية اسطنبول كانت هي القسطنطينية عاصمة العالم المسيحي القديم في عام 1453, وسقطت على يد جيوش الامبراطورية العثمانية والخلافة الإسلامية. وسرعان ما أنشأ زعماء الإسلام السياسيين والدينيين الباب العالي, أي الحكومة المركزية في عالم الامبراطورية العثمانية المتنامية آنذاك. في وقت لاحق, أو بعد نحو 460 عاما, في أعقاب الحرب العالمية الأولى, انهارت الامبراطورية والخلافة. وتركيا الحديثة تدين بالفضل لقيادة مصطفى كمال أتاتورك, وهو جنرال صاحب رؤية آمن بأن التقدم والازدهار لا يمكن تحقيقهما إلا عبر فصل الدين عن الدولة, وكان من أهم أهداف أتاتورك النهوض بتركيا وتحويلها الى دولة حديثة وقوية مثل أي دولة في أوروبا. بعد قرن من الزمن, يبدو العالم مختلفا. هناك أسباب وجيهة للاعتقاد بان أوروبا في حال انهيار, والولايات المتحدة في تراجع (هناك ظواهر متباينة). وفي حين أنه قد يكون وهميا الاعتقاد بأن كولومبوس واجه المسلمين في منطقة البحر الكاريبي, ليس من الجنون الاعتقاد أنه على مدى العقود المقبلة, سيغير المحاربون المسلمون الأشداء النظام العالمي مرة أخرى. بالنظر إليه في ضوء ذلك, فإن السيد أردوغان يبدو كعثماني جديد يحلم بأن يكون قائد المسلمين, ومن يخضع لهم في كثير من المناطق. وإذا كان هذا الكلام دقيقا, فإن الصدع بين تركيا والغرب يمكن أن يتسع أكثر. رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات, وكاتب عمود في صحيفة “واشنطن تايمز”