كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل السابع/الخطف/الحلقة الثانية

159

كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل السابع/الخطف/الحلقة الثانية
07 كانون الأول/2020

#Madamek_Charbel_Barakat

كان عيد الميلاد تلك السنة مختلفا عن الأعياد بالنسبة لأبو طوني، فقد كان ابنه مارون عاد معافى من العراق بعد طول غياب، بحمد الله، وكانت ابنته الثانية قد تزوجت في الصيف الماضي بينما تنتظر ابنته الكبرى، التي كانت تزوجت خلال الأحداث، مولودها البكر في تلك الفترة. وكان قد باع في المحل، قبل العيد كل الثياب التي جهزها، حتى أن كثيرين أوصوه على اشياء أخرى قبل راس السنة. وقد راودته فكرة أن ينزل إلى صيدا مجددا لتأمين بعض الحاجيات للزبائن، ولكن ندى لم تشأ أن تترك ابنتها وهي “على أيامها لتلد” ولا يعرف متى يطرق الباب ذلك الحفيد المنتظر.
في صباح ذلك اليوم وقد كان اليوم الأخير من سنة 1978 والجميع يتحضر لسهرة رأس السنة نهض أبو طوني باكرا وقرر أن ينزل إلى صيدا ليعود قبل المساء. لم يكن يريد أن ترافقه ندى لكي تهتم بتحضيرات العيد في البيت، ولكنها أصرت ألا تتركه ينزل وحيدا وذهبت معه قبل أن يصحى الأولاد وفي فكرهما أن ينهيا المشتريات ويعودا حول الظهر. وهكذا كان، فقد وصلا إلى صيدا وكانت الطريق مسرحة جدا ولم يجدا عناء بالشراء لأن أبو طوني كان مصمما على ما يريد وقد توجه فورا إلى المحلات التي يعرف أنه سيجد فيها مطلوبه فوجد ذلك بالفعل.
كانت الساعة حوالي العاشرة عندما أكمل ابو طوني كل أغراضه إلا فستانا كان يلزمه بعض التصليح وقيل له بأن يعود ليأخذه في الحادية عشرة لذا فقد اقترحت ندى أن يزورا قريبتها “نهيل” في عبرا فيرتاحا قليلا ريثما ينتهي تصليح الفستان. ولكن أبو طوني لم يعجبه الاقتراح، فلم يكن يريد أن يطيل البقاء في صيدا وأن “نهيل” سوف تصر عليهما لتناول الغداء وسوف يتأخرا عن العودة ولا أحد يعلم ما ستكون حال الطريق. أما ندى فقد صورت الأمر بطريقة مختلفة فإذا كان لا بد من الانتظار فلماذا ننتظر في السوق وليس في مكان مريح حيث يمكنك أن “تقضي حاجة” وبنفس الوقت “نربح نهيل جميلة” بأننا زرناها في فترة الأعياد تلك ولما لا؟
فكر ابو طوني، بعد أن دخلا البيت في عبرا حيث تسكن قريبة زوجته التي استقبلتهم بالترحاب وبدأت بتسميعهم عن ضرورة البقاء لتناول الغداء معهم فزوجها سوف يعود من عمله في “التابلين” بعد حوالي الساعة وسيسر كثيرا بوجودهما.. وما إلى هنالك من حديث النساء، فكر بأن نهاره سيضيع ويا ليته لم يوافق على هذه الزيارة، فالجماعة طيبين ومحبين وهو يخجل من اللجاجة ولن يستطيع التملص من الواجبات التي ستأخره دون شك وهو في وضع حرج ونهار محشور وعنده طريق خطر لا بد له أن يجتازه. في الحادية عشرة اقترحت نهيل أن يذهب وحده لاحضار الفستان ريثما تكون قد وضعت الغداء على الطاولة “فتأكلان لقمة قبل أن تتسهلا”. وهكذا كان فقد نزل أبو طوني إلى صيدا حيث أحضر الفستان وعاد وهو يفكر بأن الوقت سوف يغدره إذا ما تأخر “موريس” زوج نهيل أو تمادوا في الحديث، ولكن فكرة خطرت له فعندما عاد نزل مسرعا دون أن يطفيء محرك السيارة وقال لزوجته أن أحد السائقين أخبره بضرورة الاسراع في الذهاب كون الحواجز سوف تغلق بعد الظهر. فهمت ندى أن القصة من اختراعه ولكنها قامت واعتذرت من نهيل ورافقته إلى السيارة وهي تتمتم. وما أن سارا قليلا حتى انفجرت بالصراخ:
– مش عيب نترك المرا بها الشكل بعد كل اللي عملتو؟.. ما كان فينا ولنو ناكل لقمة تنجبر بخاطرها ونمشي؟.. عشو بتضلك مستعجل؟…
لم يجب ابو طوني بل تابع سيره مسرعا، وفي نزلة القناية كاد أن يصدم رجلا عرفت به ندى “أبو وجيه” زوج صديقتها “تريز” وكان يسكن هناك وعائلته ويعمل في المصفاة كباقي أبناء البلدة الذين يسكنون صيدا. ولم ينبث أبو طوني ببنت شفة ولا أجاب باي تعليق إلا بعد أن قطعا جسر “القملة” حيث شعر أنه قد خرج من صيدا وأصبح في طريقه إلى عين إبل بالفعل.
بعد أن وصلا إلى الزهراني واجههما صف من السيارات فقد كان حاجز الزهراني آخر مركز فيه مخابرات سورية ولكنه كان يهتم أكثر بالقادمين إلى صيدا أكثر من الخارجين منها فلم يعتل ابو طوني الهم من جهة الأسئلة والمضايقة ولكنه فكر بالتأخير…
كانت الساعة قد قاربت الثانية عشرة عندما وصلا إلى “أبو الأسود” حيث حاجز الجيش العربي. لم يكن هناك أية سيارة متوقفة على الحاحز قبلهما وعندما وصلا إكتفى الغفير بمد يده مؤشرا لهما بالمرور دون أن يسأل حتى عن وجهة سيرهما أو عن الأسماء. إرتاح أبو طوني بعد خروجه من الحاجز وكأن حملا ثقيلا قد نزل عن ظهره وتصور أن الأمور مسرحة، بحمد الله، فلن يحتاج لأكثر من ساعة أخرى ويكون في البيت فحاجز القاسمية لم يكن يوقف السيارات عادة ولم يعد هناك من حواجز قبل الأمم المتحدة في عين بعال.
كان كل شيء كالمتوقع فقد مرا على القاسمية دون تدقيق وانطلقا بعد البص صعودا.
كانت الفولسفاغن تأكل الطريق أكلا فقد اراد ابو طوني الوصول قبل الغداء إلى البيت كون الزبائن سيحاولون بعد الظهر التأكد من وصول البضاعة، فسهرة رأس السنة مناسبة مهمة للظهور، والجديد له دائما رونقه. وقد كان المعلم حنا الذي أصلح له السيارة دقيقا في عمله على ما يبدو، فهو ولو “تعدى على الكار تعدي”، كما يقال، إذ لم تكن مصلحة تصليح السيارات مصلحته ولا عمل مرة في كاراج، إلا أنه، وبسبب الحرب واضطراره للبقاء في عين إبل وعدم وجود ميكانيكي مختص في البلدة، وقد كان الاعتماد فيما مضى على ميكانيكية بنت جبيل، وبما أن الحصار وتغير الأمور جعلت هناك ضرورة للميكانيكي، أستعمل كاراج “أبو يوسف العمار” لوجود الجورة والعدة وأصبح ميكانيكي القرية. فأبو يوسف العمار الذي كان أول من اعتمد النقل بالسيارة بعد بيعه الجمل، كان يحلم دائما بأن يكون لديه كاراج للتصليح، فكونه قد عمل وولداه في مصلحة السواقة كل الوقت وعرف قيمة الكاراج، كان أنشأ وجهز شيئا فشيئا كاراجا معتقدا أنه لا بد له من إيجاد من يديره. وكانت ام يوسف قد توفيت منذ زمن وتزوج أبو يوسف من جديد ورزق ثلاثة أولاد ذكور وإبنة تصور أن الكاراج سوف يكون لهم العون عندما يواجهون الحياة بعد موته. وهكذا فقد كان المعلم حنا وجد الكاراج مجهزا ينتظر من يديره فدخل على شغلة جديدة بالنسبة له، ولكنه بدقة ملاحظاته وعدم وجود من ينافسه أو يظهر أخطاءه، إذا أخطأ، وجد نفسه شيئا فشيئا معلم ميكانيك مقبول جدا، وقد قام في أول أعماله بنقل قطع الفولكسفاغن “المهروسة على الهيكل الجديد الذي اشتراه ابو طوني، وها إن عمله قد ظهر نجاحه، وقد تكلم أبو طوني عن شطارة المعلم حنا أينما حل كونه أعاد له سيارة جديدة من بقايا ذلك الحطام…
في طلعة المعشوق تجاوزته سيارة مسرعة كان فيها بعض المسلحين وقد تلفت أحد الجالسين بالخلف مدققا بالسيارة وكانت ممتلئة بالبضاعة أكياسا وعلب. لم يأبه أبو طوني ولكنه حفف سرعته كي تبتعد هذه السيارة ومن فيها قدر الامكان. ولكنه بعد أن أكمل النزول وبدأ بطلعة عين بعال، وعند وصوله إلى أول البستان هناك لا حظ وجود مسلحين على الطريق بينما تنبه إلى أن السيارة التي تجاوزته متوقفة بين الاشجار في مدخل ذلك البستان.
– الله يستر، قال ابو طوني وبدأ بتخفيف سرعته.
وعندما وصل إلى ذلك الحاجز التيار كانت رجلاه بدأتا “تسكان” وكأن شيئا ما قبض على صدره.
أشار أحد المسلحين على ابو طوني بالتوقف جانبا بينما دار الآخر حول السيارة بتفقد ما فيها وقد بدا عليه الاهتمام بالبضاعة. كان هو نفسه الذي التفت إلى السيارة عند تجاوزهم في طلعة المعشوق.
حاول أبو طوني التكلم ولكن المسلح اشار عليه بالصمت ثم بالترجل من السيارة هو وزوجته والركوب معهم في سيارتهم. وفور ترجلهما صعد المسلح الذي كان يدور حول السيارة إلى خلف المقود وأدار المحرك ليختفي بها خلف الأشجار بينما كان أبو طوني يشيّع بنظره ما كان يحلم بأن يكون اساس عمله ومعيل عياله.
لم يستطع ابو طوني التكلم أو السؤال فقد كان “الكلاشنكوف” مصوبا إلى رأسه وكانت ام طوني تتمتم في الخلف والهلع باد على وجهها، وبعد قليل كانوا يدخلون إلى مخيم الرشيدية.
توقفت السيارة أمام مكتب صغير ونزل سائقها ليخرج بعد برهة برفقة رجل بدا وكأنه مسؤول إذ أعطى أوامره فورا بادخال “الاخوان إلى مكتبي” مؤدبا ذلك الذي كان يصوب السلاح إلى راس ابو طوني، وعندما تبعهما إلى الداخل حاول الاعتذار من هذا التصرف وفسر لأبو طوني أن هناك سوء تفاهم بالموضوع وأنه حالما تصل سيارته سيطلق سراحهما. ثم أمسك الهاتف واتصل بأحدهم وسأل عن “ابو ماجد” ولكنه لم يتمكن من الكلام معه.
تنفست ام طوني الصعداء وبدأ ابو طوني باقناع نفسه أن القضية انشالله بسيطة وسوف يكمل طريقه بسلام بعد وصول سيارته. ثم كانت القهوة دليل على عدم وجود ما يشغل البال، إلا أن “الأخ محمود” المسؤول الذي كان أدخلهم المكتب خرج وتأخر غيابه، وبعد حوالي الساعة عاد ولكن ملامحه كانت متغيرة قليلا فقد بدا عليه القلق من شيء ما وعندما حاولت ام طوني السؤال عن موعد مغادرتهم بسبب الطريق ومناسبة العيد كان جوابه:
– بسيطة اذا تأخرتو بتسهرو معنا. في مانع؟..
عاد القلق إلى ابو طوني وبدأت أفكارا تأخذه وتجيبه بعض منها أسود حاول أن يستبعده، فلماذا “التفويل”. ثم وردت إلى ذهنه فكرة ترك السيارة والذهاب بدونها، واذا كانت نوايا الجماعة حسنة فيمكنه العودة لاحقا بعد الأعياد لاسترجاعها ولو بدون البضاعة، كونه بدا ييأس من موضوع البضاعة وتصور أن من أخذ السيارة أعجبه ما تحمله وسوف لن يعيدها وقد تكون المشكلة التي تواجه أبو محمود عدم قدرته على استعادتها والا فلماذا التأخير، لذا قرر ان يصارح الأخ” ابو محمود” بذلك ويستأذنه السماح لهم بالعودة إلى ضيعتهم قبل الليل فالأولاد سوف يقلقون عليهم خاصة في هذا الوقت وهذه المناسبة. ولكن ابو محمود كان قد خرج لتوه وتأخر بالعودة. وبعد مرور وقت قصير سمعوا أصوات اطلاق نار وانفجارات بدأت تقترب واذا بصفارة الانذار تطلق فيسارع الجميع إلى الملاجيء. في هذا الوقت دخل أحد المسلحين وقادهما إلى غرفة تحت الأرض تجمع فيها كثير من الأشخاص كان أغلبهم من سكان المخيم. ومرت ساعتان من دون أن يسمح لهما بالخروج وقد زاد موقفهما حرجا إذ سمعوا أن هناك جرحى من جراء هذه الاشتباكات.
عند خروجهم من الملجأ كانت الساعة قد قاربت الرابعة والنصف والشمس بدأت بالمغيب. ولم يقتادا إلى مكتب ابو محمود بل إلى غرفة صغيرة أشبه بالسجن وضعا فيها وأغلق الباب ولم يعد يظهر أحد ليسألاه عن العمل أو المصير. وبعيد حلول الظلام سمعا خطوات تقترب وفتح مسلح الباب وأدخل رجلا إلى الغرفة ثم طلب إلى ندى أن ترافقه. حاول أبو طوني الاستفهام عن الموضوع أو السؤال عن ابو محمود فلم يلق جوابا بل دفع إلى الداخل وأغلق الباب فاسودت الدنيا بعينيه.
كان ذلك الغريب الذي وضع معه في الغرفة يقف في إحدى الزوايا وينظر إليه بين الحين والآخر بينما لم يستطع هو أن يهدأ وظل يروح ويجيء فالقضية تطورة على ما يبدو ولم تعد مشكلة انتظار سيارته، وابو محمود الذي بدا لطيفا لم يعد له وجود، فهل هو الذي أصيب ؟ أم أن الموضوع تطور إلى أكثر من ذلك؟ ويا ليته لم ينتظر السيارة، ويا ليته طلب إلى أبو محمود منذ البدء الذهاب بدون تلك السيارة وما فيها، لكان ذلك افضل. ثم فكر بزوجته والى أين قد أخذت وهل ستكون بأمان؟ ام هل في الموضوع بداية جديدة لتحقيق من نوع آخر؟ أم هل يريدون فقط أخذها من هناك لوجود موقوف جديد؟ وهذا الذي من المفروض أن يكون موقوف، هل هو فعلا موقوف؟ أم أنه مدسوس بشكل موقوف ليعرف منه أشياء كثيرة؟ وماذا عنده ليخبئه؟ فهو لم يكن عضوا في حزب أو عنصرا مسلحا في اي ميليشيا. ولكن هل يفهم هؤلاء ذلك؟ أم أنهم سوف يفتحون ملفات القرية كلها ويحاولون أن يزجوا به كطرف في الصراع؟ فكل الناس في القرية أقاربه وكلهم قاتلوا ضد المنظمات الفلسطينية ولم يعد أحد يحب هؤلاء الفلسطينيين منذ اندلاع الاحداث.
كانت هذه الأفكار تدور في راس ابو طوني متسارعة متدافعة فها هو مسجون في ذلك المخيم ليلة راس السنة بعيدا عن عائلته وقد أخذت منه سيارته بما فيها وهي معيلته وها إن زوجته قد اقتيدت إلى غير مكان ولا يعلم إلى أين فكيف سيدافع عنها إن هي تعرضت للإهانة؟ وكيف ستواجه وحيدة هؤلاء الغرباء المسلحين المغلفين بالعنف والحقد؟ وماذا سيكون المصير؟ وماذا سيقال عنه إن تعدى أحدهم على زوجته وحبيبته وأم أطفاله ورفيقة العمر دون أن يستطيع حتى محاولة الدفاع عنها؟.. فكر بالصراخ لعل أحدهم يأتي فيطلب منه أن يرى المسؤول كائنا من كان هذا المسؤول أكان أبو محمود أم غيره، ولكنه تصور ذلك الفتى الذي اقتاد زوجته وكيف دفعه إلى الداخل عندما سأل عن ابو محمود فماذا سيفعل هذه المرة؟ ثم فكر بالتروي فقد تعوّد في هذه الحرب أن يكون صبورا على المسلحين فليس لهم ما يردع بالعادة وحياة أمثاله لا تكلف أكثر من رصاصة، ومن يسأل؟
ودارت في راسه أقوالا متناقضة، فبين البطولة والتهور مقدار شعرة، وبين التروي والجبن مقدار شعرة ايضا فلماذا يسمي انتظاره جبنا وليس تروي ولماذا يكون اندفاعه بطولة وليس تهور فليس بيده شيء يفعله وقد يعود عليه أي تسرع بكارثة ستتأثر بها كل العائلة وأولاده لا يزالون بحاجة ماسة له.
أدار ابو طوني وجهه بعد أن هدأ قليلا وفكر أن ليس له سوى الصلاة، فهو لم يكن مؤمنا بمعنى الممارسة، ولم يدخل الكنيسة الا في المناسبات، ولكنه لم يقم بأعمال لا ترضي الله، بل بالعكس فقد كان يذكر الفقراء متى استطاع دون أن يتباهى بذلك، ولم يحب النميمة ولا الكلام الرديء، ومعروف عنه أنه أكثر من خدم الكنيسة في شبابه؛ فلم يزين قوس نصر لعيد السيدة ما لم يكن هو بانيه ولطالما ساهم في صيانة قرميدها وأبوابها دون مقابل، ولم ينم ليلة قبل أن يصلّب ويقول الأبانا والسلام… أراحه ذلك الفكر قليلا فقد دارت برأسه جملة “أن الله لا يترك خائفيه” وأراد أن يرى الأمور بمنظار متفائل وقال في نفسه أن ما سيحدث لا بد سيحدث فلما استباق الأمور، وقرر أن يتكلم مع الشخص الموجود معه في الغرفة كائنا من كان ولعله مثله فعلا موقوف ومظلوم.
كان “طعمه” لم يزل في موضعه في تلك الزاوية من الغرفة لا ينبث ببنت شفة فقد حاول عند دخوله النظر صوب ابو طوني نظرة ود ولكن الأخير أدار وجهه وظل يروح ويجيء مقطبا جبينه غير ملتفت إليه، فقال في نفسه ما لي وله لعله سيء الخلق فلماذا أجلب لنفسي مشاكل جديدة، ويكفيني ما أنا فيه. ولكن عندما أحس بأن ابو طوني قد بدأ يهدأ بعد أكثر من ساعة من الحركة المتواصلة حاول من جديد أن يتقرّب منه عله يجد فيه ما يخفف من وطأة السجن هذه، فنهض في زاويته مستندا إلى الحائط ونظر باتجاهه. كانت الساعة قد قاربت الثامنة ليلا والظلام على أشده فليس في الغرفة ضؤ ولا في المحيط المطل على بابها ولا فيها شباك أو طاقة ليدخل منها النور، وحتى الأصوات هناك كانت شحيحة إذا ما اعتاد السمع على صوت البحر الذي لا يهدأ الموج فيه يتلاطم بشكل متتابع وتناغم يتردد حتى يصبح في النهاية خلفية صوتية يعتادها السامع فلا يعود يلحظها أو يعطيها اي انتباه. اقترب “طعمة” باتجاه الباب حيث يقف أبو طوني وإذا يضوء يلمع في الخارج ثم بدأ صوت خطى يقترب فوقف في مكانه يستطلع الأمر وتعلق نظره بالباب حيث أخذ وهج النور المنبعث من حوله يزداد شيئا فشيئا. وكان أبو طوني في هذه الأثناء قد تعلّق نظره مثل “طعمة” على الباب ولكن قلبه كان يخفق أكثر فقد كان ينتظر بفارغ الصير أن يأتي أحدهم ليسأل عن زوجته أو عن أبو محمود، ولم يعد يأمل بالخروج تلك الليلة فقد كتب عليه أن يكون “دايم دايم” في سجن ذلك المخيم بدل أن يكون في بيته وبين أولاده.
فتح الباب فاذا بالداخل مسلحا لم يكن قد رأه قبلا وكان يحمل في إحدى يديه كيسا ومطرة ماء بينما يمسك المصباح باليد الأخرى وقد علّق سلاحه في كتفه. وكان وجهه يبدو باسما بعض الشيء من خلال الضوء المنعكس على الحائط وقد بادره فور دخوله قائلا:
– وين بو طوني؟..
ودون أن ينتظر جوابا أكمل…
– أول شي ام طوني بتقولك طمن بالك هيي بخير عند ام محمود بالبيت… وبو محمود ما رضي تبقى هون لأنو اعتبر في رجال غريب معك…
والتفت إلى “طعمة” وقال له:
– انت متاع رميش؟.. وك شو جيبك؟.. وين كاين هيك جي؟…
وأردف:
– انشالله بسيطة، الله كريم، بكرا بتطلعوا، ابو محمود زلمي آدمي، والامام علي انو ما كان رايد تنامو هون لو طلع بايدو… على كل حال جبتلكن مطرة هالمي وشوية هالأكل دبرو حالكن فيهن الليلة، والصباح رباح… يالله تصبحوا على خير…

***********************
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة التمهيد والحلقة الأولى (طريق البحر) من كتاب الكولونيل شربل بركات “المداميك”
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/ الفصل الأول…الحلقة الثانية

*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/ الفصل الأول…الحلقة الثالثة
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/ الفصل الأول…الحلقة الرابعة
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/ الفصل الأول…الحلقة الخامسة

*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/ الفصل الثاني…الوصول إلى عين إبل/الحلقة الأولى
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/ الفصل الثاني…الوصول إلى عين إبل/الحلقة الثانية
* ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الثاني…الوصول إلى عين إبل/الحلقة الثالثة
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الثالث/الحلقة الأولى
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الثالث/الحلقة الثانية
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الثالث/الحلقة الثالثة
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الثالث/الحلقة الرابعة

*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الثالث/الحلقة الخامسة
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الرابع/الحلقة الأولى/سيطرة المنظمات
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الرابع/الحلقة الثانية
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الخامس/الحلقة الأولى/الجدار الطيب
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الخامس/الحلقة الثانية
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل السادس/الحسم والحصار/الحلقة الأولى
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل السادس/الحسم والحصار/الحلقة الثانية
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل السابع/الخطف/الحلقة الأولى