الياس بجاني: فيديو  وبالنص تأملات إيمانية في معاني ومفهوم الضمير والخجل وتعليق على قول الرئيس عون أمس “ضميري مرتاح ولكن بالي مشغول”

218

الياس بجاني: فيديو  وبالنص تأملات إيمانية في معاني ومفهوم الضمير والخجل وتعليق على قول الرئيس عون أمس “ضميري مرتاح ولكن بالي مشغول”

الرئيس عون:”ضميري مرتاح ولكن بالي مشغول”

رئيس الجمهورية العماد ميشال عون استقبل فريق عمل اغنية بدنا نعيش: على المربين متابعة الأطفال وتنشئتهم على محبة الآخر والعناية بالبراءة
وطنية – الخميس 26 تشرين الثاني 2020
اكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان “على المربين متابعة الأطفال وتنشئتهم على محبة الآخر والفضائل التي تعود بالخير عليهم وعلى الآخرين، وكيفية التعامل مع اشقائهم في الوطن، وتزويدهم بالمناعة الكافية لمكافحة الوباء الذي ينتشر في المجتمع”.
وشدد على “أهمية العناية بالبراءة التي لا تنحصر بالطفولة فقط، بل تتعداها الى براءة الضمير الذي يعتبر وسيلة التعبير للانسان بشكل عام”. كلام الرئيس عون جاء خلال استقباله بعد ظهر اليوم في قصر بعبدا، فريق عمل اغنية “بدنا نعيش” LET US Unite التي يؤديها أطفال لبنانيون، وهدفها التوعية على أهمية السلام والعيش

Aoun receives team work who presented “Let us Unite” song: Educators must follow up with children and raise them to love the other
NNA/November. 26, 2020
President of the Republic, General Michel Aoun, stressed that “educators should follow up on children and teach them the love for others and the virtues that benefit them and others, and how to deal with their brothers in the homeland, and provide them with adequate immunity to combat the pandemic that is spreading in society.”The president stressed the importance of caring for innocence, which is not confined only to childhood, but rather to the innocence of conscience, which is the means of expression for the human being in general.
President Aoun’s words came during his reception this afternoon at Baabda Palace, of the team working for the song “We Want to unite” performed by Lebanese children, and aim at raise awareness of the importance of peace and living in safety.

NB: Click her to read the article in English/Elias Bejjani: Conscience and Shame Are God/اضغط هنا لقراءة المقالة بالإنكليزية

الياس بجاني: الضمير والخجل هما الله في داخل الإنسان
27 تشرين الثاني/2020
Conscience and Shame Are God
إن الحرية المتفلتة من محاسبة الضمير، والبعيدة كل البعد عن أحاسيس ومشاعر وعن كل مقومات الحياء والخجل، والمتعامية عن ضرورة الخوف من الله ومن يوم حسابه الأخير هي حرية مدمرة وسرطانية لا تقود إلى غير مسالك الخطيئة وإلى الوقوع في أوحال وشباك التجارب الشيطانية.
الله الذي خلقنا على صورته ومثاله ووهبنا نعمة الحياة ودعانا أولاده هو يحبنا ويريدنا أن ان نعود إلى مساكنه السماوية التي اشادها لنا لنكون إلى جانب البررة والملائكة والقديسين حيث الفرح الدائم والأبدي.
ولكن، ومن أجلل أن نستحق السُكن في هذه المنازل السماوية مطلوب منا أن نحيا حياة أرضية ترضي الله في كل افعالنا وأقوالنا وحتى في أفكارنا وبحرية ولكن بمفهوم الله وبتعاليمه لهذه الحرية.
الله منحنا الحرية المطلقة ولكنه وحتى يتمكن من تنبيهنا لكل ما هو مهدد لإيماننا ولحريتنا بقي في داخلنا من خلال الخجل والضمير.
ومن هنا فمن من يقتل نعمتي الخجل الضمير بداخله فإنما هو يبعد الله عنه ويبقي نفسه عرضة للتجارب وللنزعات الغرائزية وذلك دون حماية أو تنبيه أو محاسبة للذات.
من المتفق عليه أنجيلياً بأن هدف كل تعليم أخلاقي في المسيحية يبغي اقتياد الإنسان إلى الحرية الحقيقية التي تتحقق بالرب يسوع المسيح: “تعرفون الحق والحق يحرركم” (يو 8: 32).
هكذا يدعونا الإنجيل، وتدعونا الكنيسة، إلى “حرية مجد أبناء الله” (رو 8: 21)، التي تتحقق عندما نحيا وصايا الرب ونسمع كلمته ونستنير بتعاليم قديسيه.
من هنا فإن أي دعوة إلى أي نوع أو نمط أو اسلوب لمفهوم الحرية خارج الحق، وبعيدا عن المسيح وسيادته على حياتنا، هي انغلاق لقلب الإنسان وأسر الخطيئة لنفسه في الأوهام والأهواء المعابة.
الحرية في مفهومها الإنجيلي هي أن “لا يتسلط شيء” على الإنسان.
“كل الأشياء تحل لي، لكن ليس كل الأشياء توافق. كل الأشياء تحل لي لكن لا يتسلط علي شيء” (1كو 6: 12).
بهذه العبارات، أوضح الرسول بولس حدود حرية الإنسان على المستوى الأخلاقي. فالمؤمن بالرب لا يسمح لأي فكر أو ممارسة أو عقلية أن تقيده أو تحرمه من حريته الممنوحة من الله.
الإنسان خلق على صورة الله ومثاله، أي على صورة حريته. هو في تكوينه كائن عقلي حر، وسيد على الخليقة، وهو مدعو إلى المحافظة على هذه النعمة الفريدة التي تميزه عن سائر المخلوقات.
الإنسان الذي يخاف الله ويوم حسابه الأخير هو مدعو إلى النمو في الحرية والسيادة والحكمة والإدراك، وإلى بلوغ كمال الحرية التي تُعطى له في مسيرة نموه الروحي من خالقه الكريم والمعطاء والمحب، ووكذلك في عمله على تنمية مواهبه الخلاقة، وفي العطاء والبذل والتضحية.
تتحقق الحرية في المسيحية بانفتاح الإنسان على نعمة الروح القدس وليس في ممارسات الشواذات الجسدية بكافة مواصفاتها المرّضية.
الحرية هي قدرة كل واحد منا على امكانية تحطيم أغلال الخطيئة وإبعاد كل ما من شأنه أن يؤذيه أو يدخل الظلمة إلى نفسه ويبعده عن الله وعن كل الأخلاقيات.
الحرية هي انطلاق الإنسان إلى ملء الحياة، في التوبة والجهاد والتنقية والمحبة.
الحرية هي المناعة النفسية والروحية ضد كل خطيئة وشر، والتي يقتنيها المؤمن بتمرسه على الاعتراف بخطاياه بصدق والتجائه المستمر إلى المعونة الإلهية.
يحرز الإنسان الحرية بالتربية الصالحة والتدرب الشجاع على طاعة الله واستمداد القوة منه.
يُعطي البشر تعريفات مختلفة للحرية بحسب ما يوافق غاياتهم وتطلعاتهم وتشرّع شوذاتهم وممارساتهم غير السوية.
والبعض يعتبرون الحرية قيمة أخلاقية إنسانية فقط طبقاً لمعاييرهم وبالتالي بثقافتهم هي مجردة من كل بعد إيماني وتتغير وتتبدل وتتلون لتتناسب مع اجنداتهم واطماعهم وشوذاتهم الأرضية.
هذه الحرية غير إيمانية هي في حقيقة أمرها أداة ومجرد أداة بعيدة عن الله وعن تعاليمة ومفرغة كلياً من العطاء والتضحية والتجرد والأهداف النبيلة .. وهي بمفهومها الشارد هذا تستعبد الإنسان وتقتل الله بداخله الذي هو الضمير والخجل وتجعله عبداً لغرائزه والشهوات الجسدية والترابية.
إن ما يدعو إليه البعض ويعيشه اليوم باسم الحرية من تفلت لا مسؤول، وغوغائية، وضياع للقيم، وتمحور أناني حول الذات، وإرضاء للشهوات المظلمة، فهو في حقيقته تذرع غير صادق بأفكار تجرد الإنسان من أثمن ما في حياته، من صورة الله فيه ومن إمكانية النمو وبلوغ “ملء قامة المسيح” (أف 4: 13).
لا يحقق الإنسان إنسانيته إلا في المسيح، وأي كلام غير هذا هو ضياع، بل تضليل، لمن يبحث عن معنى الحياة وعن غاية الوجود.
واجبنا كمؤمنين نؤمن بالعطاء دون مقابل وبواجبات الأبوة والأمومة المقدستين، واجبنا أن نصون أبناءنا من كل أذى، وأن نحميهم ممن يحاولون أن يسبوهم بأفكارهم الدهرية العالمية الغريبة عن الإنجيل وعن وصايا الرب يسوع. واجبنا أن نحميهم من كل شر متأت من كل حرية زائفة، وأن نقودهم، كرعاة ومعلمين وأهل، إلى ينابيع ماء حية.
“الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف” (يو 10: 11) لا سيما إذا ما شاهد الذئب مقبلا. لذا، من واجب المؤمن أن يتصدى بقوة سلمية وحضارية بشجاعة لكل ما من شأنه أن يسيء إلى حرية أبنائه من فن أو فكر أو عادات أو انحرافات وأنماط عيش شاذة.
الحرية هي صورة لكمال الله ومحبته. الله، بملء حريته، يخلق الكون من العدم، ويبدع الإنسان، ويسكب فيه نعمته، ويتدخل في تاريخ الخلاص من أجله.
الرب، من أجل عظم جلال محبته، وبحريته المطلقة، تجسد من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا، وقبل الصليب طوعا من أجلنا، وفتح للانسانية جمعاء الطريق إلى الحق والحياة لأنه هو كان وما زال “الطريق والحق والحياة” (يو 14: 6).
طاعتنا لله ولناموس المسيح هي الضمانة الوحيدة لحرية الإنسان، ولازدهار حياته “بالروح والحق” (يو 4: 23)، وللفرح الحاصل بخلاص الرب. وحدها الطاعة لله تضمن حرية الإنسانية وانعتاقها من كل شر وظلمة.
لذلك، يفتخر الرسول بولس بأن يسمي نفسه في أكثر من رسالة “عبد يسوع المسيح” (رو 1: 1).
هذه التسمية في الكتاب المقدس هي أحد أقوى التعابير عن الحرية الحقيقية التي يمكن للانسان بلوغها.
هي اتحاد الإنسان الكامل بالله، وامتلاؤه من نوره الإلهي، وغلبته على كل ظلمة وقباحة وخطيئة في هذا الدهر.
هذه التسمية هي الانعكاس الكامل لمحبة الله في قديسيه الممجدين بالنعمة، والذين أضحوا، بانفتاحهم الكامل على النعمة المحيية والحق المحرر، آنية مختارة للثالوث القدوس. ألا جعلنا الله القدوس من عداد هذه الآنية المختارة.

الياس بجاني/رابط موقعي على اليوتيوب/ندعوا الأصدقاء للإشتراك subscribe  لنتمكن مع غيرنا من الناشطين من استعمال هذا الوسيلة الإعلامية المهمة للتسويق بشكل أوسع لقضية وطننا المحتل
اضغط على الرابط  الذي في اسفل لدخول موقعي ومن ثم اضغط على مفردة subscribe
https://www.youtube.com/channel/UCAOOSioLh1GE3C1hp63Camw

*الكاتب ناشط لبناني اغترابي
عنوان الكاتب الألكتروني
Phoenicia@hotmail.com
رابط موقع الكاتب الالكتروني على الإنترنت
http://www.eliasbejjaninew.com

في أسفل  دراسات وشروحات انجيلية تحكي معاني الضمير في العهدين القديم والجديد وتدرج الآيات الوادرة في هذا الشأن

الضمير في الكتاب المقدَّس
الأب جورج الترس م.ل
ما هو الضمير
لقد قيل فيه إنّه صوت الله يرنّ في أعماق القلب، وإنّه النّجم الهادي في ظلمات الحياة إلى درب الصّلاح، وإنّه الدفّة التي تسيِّر مركب الإنسان في بحر متلاطم الأمواج، حتّى تبلغ به شاطئ الأمان، إنّه العين السّاهرة التي تنفذ إلى أعماق المرء، لتشهد له أو عليه بعد كلّ عمل. أمّا الضمير في الحقيقة فهو تلك الشريعة التي كتبها الله في قلب الإنسان عندما كوَّنَه.
فالضمير إذًا قوَّة باطنيَّة يعي بها الإنسان ذاته، فيدرك معها ما هو خير وما هو شرّ.
يكشف الإنسان في أعماق ضميره شريعة، لم يسنّها لنفسه ولكنّه مجبر على الطاعة لها. إنّ هذا الصّوت، الذي لا يفتأ يستحثُّه على فعل الخير وتجنُّب الشرّ، يدوّي أبدًا في آذان قلبه أن يعمل هذا وتجنّب ذاك. أجل إنّه ناموس حفره الله في قلب الإنسان، وكرامته في أن يخضع له، وبموجبه سوف يدان.
“فالضمير هو المركز الأشدّ عمقًا في الإنسان، والهيكل الذي ينفرد فيه إلى الله، ويسمع فيه صوت الله”.
الضمير الخلقي في الكتاب المقدَّس
المعرفة المسيحيَّة للضمير الخلقي يجب أن تؤسّس على إتّصال بعقيدة الكتاب المقدَّس. اللاهوت يجب أن ينطلق من هذا المضمون البيبلي لأجل أن يُحلِّل وينظِّم.
1- الضمير الخلقي في العهد القديم
في العهد القديم تظهر كلمة ضمير تظهر ثلاث مرّات (سي 10/ 20؛ 42/ 18؛ حك 17/ 10). لكنَّ مبدأ الضمير في العهد القديم لا يستطيع أن يُختصر وببساطة بتعبير “الضمير”، لكنّنا نراه بكلام آخر، ومعرفة أخرى:
أ- المعرفة من “القلب”
في العهد القديم القلب هو عرّاب (شاهد) مثل شاهد للقيم الخلقيَّة للأعمال الإنسانيَّة. داود يقول إنّه “بعد ذلك خفق القلب” في مناسبتين فعل بعض الشيء السيّئ، (1 مل 24/ 6، 2 مل 24/ 10).
سليمان يؤكِّد ضدَّ شمعي: “قال الملك لشمعي إنّك قد عرفت كلّ الشرّ الذي قلبك عارف به ممّا صنعته بداود أبي فرد الربّ شرك على رأسك” (1 مل 2/ 44).
إرميا أكَّد أنَّ “خطيئة يهوذا مكتوبة بقلم من حديد بظفر من السامور منقوشة على ألواح قلوبهم وقرون مذابحهم (إر 17/ 1)، أيّوب يجاوب: “قلبي لا يدينني” (أي 27/ 6). الله هو الذي يتفحَّص القلب وعلى القلب سيحكم، بشكل نهائي، الذنب أو البراءة للرّجل.
فالربّ قال لصموئيل: “لا تلتفت إلى منظره وطول قامته فإنّي قد رذلته لأنّه ليس كما ينظر الإنسان فإنَّ الإنسان إنّما ينظر إلى العينين وأمّا الربّ فإنّه ينظر إلى القلب” (1 مل 16/ 7)؛ كما نجد في سفر الأمثال: “كلّ طريق للإنسان مستقيم في عينيه ووازن القلوب الربّ” (أم 21/ 2).
القلب هو مكان الشريعة الإلهيّة الداخليّة. يأتي ليحوِّل في الشريعة الداخليّة، “فاعلم اليوم وردِّد في قلبك أنَّ الربَّ هو الإله في السّماء من فوق وفي الأرض من أسفل ليس سواه” (تث 4/ 39). (إر 31/ 33) و(حز 11/ 19) أعلنوا أنَّ الشريعة الجديدة ستكون محفورة من الله ذاته في قلب الإنسان. كتاب الأمثال أعاد التأكيد على ما قاله تثنية الإشتراع: “خذوا مبادئي المخبَّئة في عمق قلوبكم…” (تث 2/ 1 – 5؛ 10/ 15؛ 3/ 1 – 3؛ 4/ 4 – 6؛ 20 – 21؛ 7/ 1 – 3).
القلب يقارن أيضًا كمصدر وأساس للحياة الخلقيّة. الإنسان يمشي “لأجل طرقات قلبه” (أش 57/ 17). وهذه الطرقات ستكون جيِّدة أو سيِّئة بحسب الجيِّد أو السيِّئ في القلب (أم 29/ 27).
تحوَّل الضمير مرتبط بالقلب. “معرفة الألم للقلب الخاصّ وبسط الأيدي لله” (حز 6/ 9؛ مز 51/ 19؛ 146/ 3).
إستعمال لفظة “القلب” للضمير يوضح أنَّ في الضمير أيضًا تختبر القيم التي تُلزم أخلاقيًّا، وهي لا تؤثِّر إلاَّ إذا كانت راسخة تمامًا في عمق داخلنا. فلذلك من المهمّ أن تتوطَّد في عمقنا.
الإنسان عليه أن يتبع وصيَّة يسوع ويفتح قلبه لكلمة الله، وأن يخلق الظروف المؤاتية لتقبّلها والتثقّف بها. عليه أن يسمع الكلمة، ويحفظها، وأن يتّخذ قراراته، إنطلاقًا من هذا الموقف الأساسي.
ب- المعرفة من “الحكمة”
معرفة الحكمة في العهد القديم غنيَّة جدًّا. لأجل هذا ننظر إلى عملنا بإختصار بإختلاف وجهات النّظر في الحكمة والفطنة وفي الضمير. الحكمة هي ثمرة “إختبار”، تحمل في ذاتها معنى الذكاء (البصيرة، المهارة). تظهر في العلاقة مع إختيار وسائل لتحقيق الغاية. إمتلاك وممارسة الفطنة تسلك في طريق الأعمال الجيِّدة: الرّحمة (أم 19/ 11)، العدالة (1 مل 3/ 11 – 28) الفطنة (أم 7/ 4)، الصّبر (أم 14/ 29)، الشجاعة (أش 10/ 13).
ت- المعرفة من “الرّوح”
يتَّحد الرّوح في وحدة مع القلب، إنّه المبدأ الأساسي لكلّ الحياة الأخلاقيّة والدينيّة. إصلاح الحياة الأخلاقيّة هو في تجديد الرّوح والقلب لكلّ واحد منّا (حز 11/ 10؛ 18/ 31؛ 36/ 23 – 26).
ونلاحظ أنَّ مبدأ الضمير في اليهوديّة يأخذ دائمًا منحى الكمال الأكثر. أيضًا في شيعة قمران هنالك تلميح للضمير، ولو لم تستعمل كلمات تقنيَّة.
إنَّ حركة الضمير لا تحدث فقط كخليفة فعل سيّئ، بل تعلن عن ذاتها أيضًا قبل الفعل. نقرأ في رواية قايين وهابيل:
“فنظر الربّ إلى هابيل وتقدمته، وإلى قايين وتقدمته لم ينظر. فغضب قايين، وأطرق رأسه. فقال الربّ لقايين: لمَ غضبت، ولمَ أطرقت رأسك؟ فإنّك إن أحسنت، تنال وإن لم تُحسن، أفلا تكون الخطيئة رابضة عند الباب؟ إليك تنقادُ أشواقها، فعليك أن تسودَها” (تك 4/ 4 – 7).
ينظر إيمان العهد القديم إلى خبرة الضمير، لأوَّل وهلة، في إرتباطه بالله، فمن وراء ما يقوله الضمير، وهو يرشد ويحذِّر ويدين، يُدرَك صوت الله. وفيه يُخاطَب الإنسان شخصيًّا.
هناك إرتباط دائم بين الضمير ودعوة الله الخاصّة بكلّ إنسان. ففي أعماق ذاته يختار الإنسان بين الخير والشرّ. بضميره يشعر بنداء الله وبضميره يقرِّر: فيختار الله، أو يرفضه.
الضمير لا يضع الإنسان فقط بإزاء الله، بل يُظهر له أيضًا مسؤليّته تجاه سائر النّاس. فيُعلِّمه بإلحاح جسامة العمل السيّئ الذي يقوم به. لذا يبدو يأس قايين بعد قتله أخيه شديدًا، لوعيه بأنّه فعل شرًّا لا رجوع فيه، له تبعات مُفجعة.
وناتان النبي يبكِّت داود على إثمه الذي إرتكبه بحقّ أوريّا (2 صم 12/ 7 – 12؛ مز 51)، فيقرّ بما فعله من الشرّ، ويُدركُ بذلك أيضًا أنّه قد أخطأ إلى الله، ويقول: “قد خطئت إلى الربّ” (2 صم 12/ 13).
قلب الإنسان يحصِّل ثقافته من شريعة الله، عندما يدع كلمة الله تفعل في داخله. هكذا ينفذ قولُ الله إلى عمق الإنسان ويصير أمرًا خاصًّا به ودليلاً ناشطًا يهديه في حياته.
الضمير الخلقي في العهد الجديد
رغم أنَّ كلمة ضمير غير مستعملة في الأناجيل، إنّما فحواها واضح للغاية. يستشهد يسوع في أقواله عن الضمير إنطلاقًا من تصوّرات العهد القديم.
“أمّا الزّرع الذي وقع في الأرض الجيِّدة، فهم الذين يسمعون الكلمة بقلب نبيل صالح، فيحفظونها، ويثمرون بالصّبر” (لو 8/ 15).
القلب كما في العهد القديم، مركزيَّة الوجود الإنساني، مكان المعرفة والشعور والقرار. والعبارة “مكتوب في قلوبكم” تشير بطريقة غير مباشرة إلى أنَّ الله قد وضع في الإنسان القدرة على تمييز الخير والشرّ بشكل عفوي.
بحسب تعليم يسوع، كلّ تصرُّف أخلاقي لديه بعد إلهي: “وأبوك، الذي يرى في الخفية، هو يجازيك” (متّى 6/ 4 – 18).
ثمَّ إنَّ الضمير مرتبط بحقيقة ملكوت الله الجديدة، في شخص يسوع المسيح نفسه. إنَّ إرادة الله تتَّضِح في التعاليم بشأن ملكوت الله وفي الأوضاع الرّاهنة. فمن المهمّ جدًّا تمييز “علامات الأزمنة”.
بالنسبة إلى المؤمنين، يسوع المسيح هو نفسه أساس الحياة الدينيَّة الأخلاقيَّة وغايتها. والأخلاق التي يعتمدها في بشارة الخلاص لا تنفصل عن شخصه بالذات.
على الإنسان أن يتبع وصيَّة يسوع ويفتح قلبه على كلمة الله، ويخلق الظروف المؤاتية لتقبّلها. عليه أن يسمع الكلمة، ويحفظها، ويتَّخِذ قراراته، إنطلاقًا من هذا الموقف الأساسي.
يستشهد بتعبير “الضمير” مرارًا في العهد الجديد، وبخاصّة في رسائل القدّيس بولس وفي الرّسالة إلى العبرانيّين، إضافة إلى تعبير “القلب”. هكذا نقرأ في (1 يو 3/ 19؛ 19/ 20) “وبذلك نعرف أنّا من الحقِّ ونُقنع قلوبنا بأن تطمئنّ أمامه. وإن كان قلبنا يبكِّتنا فلنا حينئذ ثقة أمام الله”. في هذه الآيات كلمة قلب تعني “الضمير”. ويصدق على ذلك مرقس: “فأدار نظره فيهم بغيظ وهو مغتمّ لعمى قلوبهم ثمّ قال للرّجل أُمدُد يدك فمدَّها فعادت يده صحيحة” (مر 3/ 5).
هكذا نقرأ عن “الضمير”:
ثماني مرّات في: 1 قورنتس (8/ 7، 10، 12؛ 10/ 25، 27، 28، 29) (مرّتين).
ثلاث مرّات في: 2 قورنتس (1/ 12؛ 4/ 2؛ 5/ 11).
ثلاث مرّات في: روما (2/ 15؛ 9/ 1؛ 13/ 5).
خمس مرّات في: عبرانيّين (9/ 9 – 14؛ 10/ 2 – 22؛ 13/ 18).
ستّ مرّات في الرّعويّات: 1 تيموتاوس (1/ 5 – 19؛ 3/ 9؛ 4/ 2؛ 2 تيموتاوس 1/ 3).
ثلاث مرّات في: 1 بطرس (2/ 19؛ 3/ 16؛ 21).
– معرفة الضمير: “الضمير هو حكم ديني، خلقي” أو ذهنيّة “دينيّة – خلقيّة”، نقرأ في الرّسالة الثانية إلى قورنتس: “بل ننكر خفايا الخزي ولا نسلك بالمكر ولا نغشّ كلمة الله ولكن بظهور الحقّ نوصي بأنفسنا لدى ضمير كلّ إنسان أمام الله” (2 قور 4/ 2؛ 5/ 11)؛
أمّا في الرّسالة إلى أهل روما فنقرأ: “فلذلك يلزمكم الخضوع له لا من أجل الغضب فقط بل من أجل الضمير أيضًا” (روم 13/ 5)، الضمير يقرأ كشاهد “ويظهرون عمل النّاموس المكتوب في قلوبهم وضميرهم شاهد وأفكارهم تشكو أو تحتجّ في ما بينها” (روم 2/ 15؛ 9/ 1)؛ “لأنَّ فخرنا هو شهادة ضميرنا” (2 قور 1/ 12)؛ بولس يشير دومًا إلى خلقية الضمير، هو شاهد صالح غير قابل للفساد.
– الضمير: تصرُّف خلقي طبيعي مشترك لكلّ الناس “الأُمم الذين ليس عندهم الناموس إذا عملوا بالطبيعة بما هو في الناموس فهؤلاء وإن لم يكن عندهم الناموس فهم ناموس لأنفسهم” (روم 14/ 2). في هذا النصّ، يؤكِّد القدّيس بولس، القدرة على الحكم الخلقي.
– الضمير هو إلتماس أخير للقرار الخلقي، فهو عند القدّيس بولس التحديد الأخير لنوعيّة خلقيّة للعمل.
– تنشئة وتربية الضمير. القدّيس بولس يتطلَّع إلى ملكة ذهنيَّة مستضيئة وواضحة “ولست أعني ضميرك بل ضمير غيرك فلماذا تُدان حريَّتي من ضمير غيري. إن كنت أنا أتناول بشكر فلماذا يُفترى عليَّ فيما أنا شاكر عليه” (1 قور 10/ 29 – 30)، إنّه تطلَّع للقلوب التي تمتاز بالحبّ.
– على المسيحيّين إلزام تكوين الضمير الخاصّ: يفحص ذاته “فليختبر الإنسان نفسه” (1 قور 11/ 28)؛ “فامتحنوا أنفسكم هل أنتم على الإيمان. إختبروا أنفسكم” (2 قور 13/ 5). التفتيش عن إرادة الله “لا تتشبّهوا بهذا الدّهر بل تحوّلوا إلى صورة أُخرى بتجديد عقولكم لتختبروا ما مشيئة الله الصالحة المرضيَّة الكاملة” (روم 12/ 2).
– على الضمير أن يكون “جيِّدًا” و”مستقيمًا” و”صالحًا”. “أيّها الرّجال لقد تصرّفت أمام الله بكلّ نيَّة صالحة إلى هذا اليوم” (أع 23/ 1).
– كاتب أعمال الرّسل يضع الضمير في علاقة مع الإيمان والهرطقة. المسيحي الكامل هو من لديه الإيمان بدون خطأ، بدون حلّ وسط (تسوية) مع الهرطقة ومن لديه الضمير الجيِّد والكامل. لا يقدر أن يمتلك ضميرًا صافيًا إن لم يتَّصِف بالإيمان الكامل. الإيمان هو شرط ضروري من أجل ضمير خلقي جيِّد.
يقول بولس الرّسول في رسالته إلى رومية: “يؤمن الإنسان بقلبه” (روم 10/ 10). وإن كان يستخدم الرّسول الكلمة بمعناها الكتابي العادي كتعبير عن المركز الرّوحي في حياة الإنسان، فمن الواضح أنّ هذا الإستعمال يتضمَّن الضمير الذي كما رأينا يحتلّ مركز القلب.
ليس الضمير مجرَّد شعور الإنسان بالذات إنّه أيضًا إحساسه بنفسه من حيث صلته بالله. أي أنَّ الضمير إنّما هو الرّابط الحيوي ما بين شعور الإنسان بالذات وما بين الشعور بالله.
– كاتب الرّسالة إلى العبرانيّين يضع الضمير في علاقة مع الخطيئة والتطهير (التنقية). بإمكان دم المسيح أن ينقي الضّمير الإنساني من الخطيئة فيجعل من الوجود الإنساني عبادة جديرة لله. “دم المسيح الذي بالرّوح الأزلي قرَّب نفسه لله بلا عيب يطهِّر ضمائركم من الأعمال الميتة لتخدموا الله الحيّ” (عب 14/ 9).
في المبدأ البيبلي، يكتسب الضّمير تدرُّجًا أكثر حيويَّة. التدرُّج هو من الشخصانيَّة، من الحوار، من المحافظة على التعاليم الدينيّة، إلى آخره…
هكذا نرى أنَّ تعبير “القلب” المستعمل في العهدين القديم والجديد يشير إلى الضمير. وهذا ما يدفعنا إلى أن نفهم كلمة قلب بهذا المعنى فتصبح الآية على الشكل التالي: “ففتح الربّ ضمير ليديا لتصغي إلى الكلمة”.
النواة والمركز في المعنى الكتابيّ للضمير هما في العلاقة بالله. ففي صوت الضمير، الذي يدعو إلى فعل الخير وتجنُّب الشرّ، يُسمع الله صوته. وهو يدعونا إلى الإصغاء إلى صوته، والتوجُّه نحوه، والعيش بالتالي بمقتضى إرادته. وهذا ما يتحقَّق لنا بقدرة الرّوح القدس، “الحقّ أقول في المسيح لا أكذب فإنّ ضميري شاهد لي بالرّوح القدس” (روم 9/ 1)، الذي إنّما يهدي إلى معرفة الخير.
الضمير هو القاعدة الأخيرة الحاسمة بالنسبة إلى الأخلاق الشخصيَّة. لا قاعدة أهمّ من الضمير فهو، يساعدنا على أن نقف بوعي أمام الله، ونبحث عن إرادته. لا شكَّ في أنّه يتوجَّب على كلِّ مسيحي أن يجتهد في الوصول إلى حكم ضميري يتلاءم والإيمان.
تربّي الكنيسة الضمائر في إظهارها الله للشعوب وفي إظهارها مساواة البشر جميعًا بصفتهم أبناء الله، وسلطانهم على الخليقة الموضوعة لخدمتهم، وواجبهم بالإلتزام من أجل ترقّي الإنسان كلّه وكلّ إنسان.
إنَّ الكنيسة من خلال الرّسالة الإنجيليّة، تأتي بقوّة تحرُّر وتفعل لصالح الترقّي، وبطريقة خاصّة وهي التي تؤول إلى توبة القلب والرّوح، وتفترض الإعتراف بكرامة كلّ شخص، وتعدّ للتضامن والإلتزام وخدمة الآخر، وتدخل الإنسان في مشروع الله الذي يقتضي بنيان ملكوت سلام وعدالة، إنطلاقًا من هذه الحياة.
“إنَّ الرؤيا الكتابيّة في “السموات الجديدة والأرض الجديدة” (أش 65/ 17، 2 بط 3/ 13، رؤ 21/ 1)، هي التي كانت في التاريخ الدافع والهدف لمسار البشريّة وتقدّمها. إنّ ترقّي الإنسان يأتي من الله ومن المثال الذي هو يسوع الإنسان – الإله. ويجب أن يقود إلى الله. هذا هو السبب الذي لأجله يوجد رباط وثيق بين التبشير بالإنجيل وترقّي الإنسان.
ويجد المؤمنون في الكنيسة وتعليمها عونًا كبيرًا على تنشئة ضميرهم، كما يؤكِّد المجمع الفاتيكاني الثاني:
“على المؤمنين في سعيهم إلى تنشئة ضميرهم أن يمعنوا في التأمُّل بتعليم الكنيسة المقدَّس الحقّ. فالكنيسة الكاثوليكيّة من خلال إرادة المسيح هي معلّمة الحقيقة ومهمّتها إعلان الحقيقة أي المسيح وتعليمه وتثبِّت بسلطتها الخاصة مبادئ النظام الأخلاقي المتحدِّرة من الطبيعة البشريّة ذاتها. فالكنيسة دائمًا هي في خدمة الضمير ليس إلاّ، وهي تسنده لئلاّ يكون “متزعزعًا مائلاً مع كلّ ريح تعليم من خداع الناس” (أف 4/ 14)، ولئلاّ يضلّ عمّا هو خير الإنسان الحقّ، ولكي يبلغ المؤمنون في الأمور الصّعبة خاصّة، الحقيقة ويتثبّتوا فيها.

شرح كلمة ضَمِير
موقع الأنبا تكلا هيمانوت
لم ترد لفظة في العهد القديم وجاءت مرة في (حكمة سليمان 17: 10). ومع ذلك فالروح والنفس والقلب مرادفات لها فالله فاحص “القلوب والكلى” (مز 7: 9). والخطيئة تحزن النفس (اش 65: 14). والقلب يشي أو يوبخ (أيوب 27: 6 و2 صم 24: 10). في العهد القديم الله يخاطب الإنسان (تك 4: 9-12). وهو المرشد الشخصي لضمائرنا التي تحكم على أنفسها من خلال علمه ونظرته إليها. الضمير حاكم ولكن الضمير يتقسى ويضعف ويذهب صفاؤه، والضمائر تتباين في وضوحها فإذا انحدر هكذا يفسد حكمه “قال الجاهل في قلبه ليس إله” (مز 53: 1). وربما سقط الضمير سقوطًا عظيمًا “فإن كان النور فيك ظلامًا فالظلام كم يكون” (مت 6: 23 ولو 11: 33-36). ومع ذلك فالأممي متى فعل بالطبيعة ما هو في الناموس ويصبح ناموسًا لنفسه ويشهد له ضميره (رو 2: 14 و15). وأما المسيحي فضميره ينيره، والضمير والإيمان متصلان اتصالًا لا تنفصم عراه (1 تي 3: 9 راجع 1: 19). ولا يكفي أن يفعل الإنسان ما هو مسموح في حدّ ذاته كي يكون مبررًا بل ينبغي أن يحب الآخرين ولا يكون لهم معثرة عن معرفة (1 كو 8: 7-13 و10: 28-31). وإننا ننال الضمير الطاهر بواسطة دم المسيح (عب 10: 22).

الضمير: صوت الله في الإنسان
نقلاً عن موقع دير القديس أنبا مقار الكبير
طبيعة الضمير:
حدث مرةً أن امرأة فقيرة سرقت شيئاً من محل تجاري وخرجت به دون أن يراها أحد، وفي طريقها إلى البيت أزعجها شعورٌ جعلها مضطربة حتى فقدت سلامها الداخلي. فكان عليها أن ترجع وتُعيد الشيء المسروق إلى مكانه، ثم رجعت إلى بيتها مع شعورها بالراحة الداخلية. وتوجد أمثلة بلا عدد مشابهة لذلك لأُناس يُجبَرون على عمل ما هو صواب، وليس ما يريدونه.
كل إنسان يألف صوته الداخلي الذي يتهمه في بعض الأحيان ويُضيِّق عليه، وفي أحوالٍ أخرى يجلب له السرور. هذا الصوت الرقيق إنما هو شعور فطري يُدعَى ”الضمير“. وهو بطبيعته غريزة روحية تُفرِّق بين الخير والشر بوضوح وبسرعة أكثر من الذهن. ومَن يستمع لصوت ضميره لا يندم قط أو يخجل من سلوكه.
في الكتاب المقدس يُسمَّى الضمير ”القلب“. وفي العظة على الجبل شبَّه الرب يسوع الضمير بالعين، لأن الإنسان يُقيِّم بها حالته الأخلاقية، إذ قال: «سراج الجسد هو العين. فإن كانت عينك بسيطة، فجسدك كله يكون نيِّراً. وإن كانت عينك شريرة، فجسدك كله يكون مظلماً» (مت 6: 23،22). كما أنه شبَّه الضمير بالندِّ الذي به يجب على الإنسان أن يعود إلى صوابه قبل أن يتواجد أمام دينونة الله: «كُن مُراضياً لخصمك سريعاً… لئلا يُسلِّمك الخصم إلى القاضي» (مت 5: 25). فكلمة ”خصم“ تؤكِّد على موقف الضمير، وهو أنه يُقاوم رغباتنا ومقاصدنا الشريرة.
وقد أقنعتنا خبرتنا الشخصية أن الضمير ليس تحت سيطرتنا، ولكنه يُعبِّر عن ذاته تلقائياً رغماً عن إرادتنا. فكما أنه لا يمكننا أن نقنع أنفسنا أننا شباعَى عندما نكون جياعاً، أو أننا مستريحون عندما نكون متعبين؛ هكذا لا يمكننا أن نقنع أنفسنا أن سلوكنا صحيح عندما يُخبرنا ضميرنا بغير ذلك.
ويرى آباء الكنيسة في الآية: «حيث دودهم لا يموت» (مر 9: 48)، أنَّ هذا الدود هو الضمير الموبِّخ الذي يظل يُبكِّت الخطاة في عذاب الحياة المزمعة. ويصف الشاعر الروسي ”بوشكين“ هذا العذاب قائلاً عن الضمير: ”إنه ضيفٌ غير مدعوٍّ، مُخاطِبٌ مزعج، دائنٌ عنيف“!
الضمير هو ناموس طبيعي شامل:
لقد غرس الله في طبيعة الإنسان صورته الإلهية التي تجذب الإنسان نحو كل ما هو صالحٌ، وتُجنِّبه كل ما هو شرير. هذا الناموس الداخلي يعمل بواسطة صوت الضمير الذي يُعتبر حقّاً أنه صوت الله في الإنسان. فهو جزءٌ مُكمِّلٌ للطبيعة البشرية، وهو نشيط في الناس أجمعين، بصرف النظر عن أعمارهم وأجناسهم ودرجة تعليمهم أو تطوُّرهم. وهو، حتى في القبائل البدائية، يُميِّز بين ما هو صالح وما هو طالح، وبين الفضيلة والرذيلة. والجميع يتفقون في أن الخير يستحق الجهاد من أجله، وأنَّ الشر ينأى الإنسان بنفسه عنه؛ وأنَّ الخير يستحق المديح، والشر يستحق اللوم. ورغم أنهم في الأحوال الفردية ربما لا يتفقون في تسمية نفس الشيء خيراً أو شرّاً؛ ومع ذلك فإنهم يتفقون في المبدأ: إنَّ الخير هو الذي يجب عمله، والشر يجب تجنُّبه.
والتناقض العَرَضي في تصنيف بعض التصرفات كخير أو شر، يبدو أنه يتأتَّى من الظروف الخاصة التي تتطور فيها الأُمة. إنه مبدأٌ متعارف عليه عالمياً، أن المرء يجب ألاَّ يعمل للآخرين ما لا يرغب أن يعملوه هم له (مت 7: 12؛ لو 6: 31). والرذيلة تطلب في كل مكان أن تختبئ أو على الأقل أن تلبس قناع الفضيلة. والرسول بولس يشرح بشيء من التفصيل كيف يعمل الناموس الأخلاقي في الإنسان، فهو يُوبِّخ الذين يعرفون ناموس الله المكتوب، ولكنهم يتعدّونه بتعمُّد. إنه يُماثلهم بالوثنيين الذين «إذ ليس لهم الناموس (المكتوب) هم ناموس لأنفسهم، الذين يُظهرون عمل الناموس مكتوباً في قلوبهم، شاهداً أيضاً ضميرهم وأفكارهم فيما بينها مشتكية أو محتجَّة (أو تُعاقب أو تُبرِّر بعضها بعضاً)» (رو 2: 15،14). فحسب القديس بولس، سيدين الله الناس في يوم الدينونة، ليس فقط حسب إيمانهم، بل أيضاً حسب ضمائرهم.
وبصفة عامة، فإنَّ الضمير هو مُقيِّمٌ أخلاقي حسَّاس، ولا سيما عند الصغار والشباب الذين لا زالوا أنقياء وأبرياء. فلو لم تُلطِّخنا الخطية لما احتجنا إلى مرشد خارجي، والضمير وحده هو الذي يمكنه أن يُوجِّه سلوكنا بدقة. فضرورة الناموس المكتوب نشأت من دخول الخطية إلى العالم، عندما أخفق الإنسان – الذي أظلم قلبه بالشهوات – في الاستماع بوضوح إلى هذا الصوت الداخلي. وعلى ذلك، فإنه يوجد احتياج إلى كلٍّ من الناموس المكتوب وناموس الضمير الطبيعي، وكلاهما يقولان: «كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا هكذا أنتم أيضاً بهم، لأن هذا هو الناموس والأنبياء» (مت 7: 12).
في علاقتنا اليومية بالناس، نحن نثق بدون وعي في الضمير أكثر من النواميس والأنظمة المكتوبة. حقّاً، إنه من المستحيل أن توجد نواميس أو شرائع لكل حالة يمكن تصوُّرها، وأن نتنبَّأ عن كيفية أن نمنع أية محاولات لكسرها. والناس العُنفَاء يعملون على التحريف والتلاعُب حتى بأوضح القوانين. وهكذا، فإننا نترجَّى أن الضمير – الذي يعمل بداخل كل إنسان – يُجبر الإنسان الذي نتعامل معه أن يعمل ما هو صالحٌ وعادلٌ أخلاقياً.
الضمير في الروايات الكتابية:
لا يوجد كتاب يشهد بوجود الضمير في الإنسان مثل الكتاب المقدس. ولنفحصْ بعض أشهر الأمثلة على ذلك. وإذا ركَّزنا أولاً على أمثلة سلبية، نجد أن السلوك غير اللائق يُثير في الإنسان الخجل والخوف والمعاناة ومشاعر الذنب، بل وحتى اليأس. فمثلاً آدم وحواء، عندما أكلا من الثمرة المُحرَّمة، شعرا بالخجل وحاولا أن يختبئا من الله (تك 3: 7-10). وقايين، بعد أن قتل أخاه هابيل حسداً، بدأ بعد ذلك يشعر بالخوف على حياته (تك 4: 8-14). والملك شاول، بعد أن اضطهد داود البريء، بكى في خجله، عندما وجد أن داود بدلاً من الانتقام منه بالشر، حفظ حياته (1صم 26). والكَتَبَة والفرِّيسيون، بعد أن جاءوا بالمرأة الزانية إلى المسيح، تفرَّقوا بخجل عندما شعروا بخطاياهم التي وبَّخهم عليها الرب (يو 8: 2-11).
وأحياناً تصير أوجاع الضمير غير محتملة لدرجة أن الإنسان يُفضِّل أن يُنهي حياته بالانتحار. وأوضح الأمثلة على ذلك نجدها في يهوذا الإسخريوطي (مت 27: 5). وبصفة عامة، فإنَّ جميع الخطاة والمؤمنين وغير المؤمنين، يشعرون بالمسئولية عن سلوكهم. وهكذا تتحقَّق نبوَّة المسيح عن الخطاة أنهم في نهاية العالم، عندما يرون اقتراب دينونة الله، «يبتدئون يقولون للجبال: اسقطي علينا، وللآكام: غطِّينا» (لو 23: 30؛ رؤ 6: 16). ويحدث أحياناً، أنَّ الإنسان – وهو في اضطراب وفي دوامة ألم شديد، أو مغمور بالخوف – يبدو أنه لا يُصغي لصوت الضمير؛ ولكنه فيما بعد يشعر بتبكيت الضمير بقوة مُضاعفة!
عندما صار إخوة يوسف الصدِّيق في ضيقة، تذكَّروا خطية بيعهم لأخيهم وتسليمه للعبودية، وأدركوا أنهم يُعاقبون على قسوتهم (تك 42: 21). وداود النبي، أدرك خطية زناه بعد أن وبَّخه عليها ناثان النبي (2صم 12: 13). والرسول بطرس المندفع، أنكر المسيح تحت ضغط الشعور بالخوف، ولكنه لما سمع صياح الديك تذكَّر نبوة المسيح عنه وبكى بكاءً مُرّاً. واللص اليمين، أدرك، وهو مُعلَّقٌ على صليبه بجوار الرب قبل موته فقط، أن آلامه كانت جزاءً عادلاً لجرائمه (لو 23: 41). وزكَّا العشَّار، بعد أن تأثَّر بحب المسيح، تذكَّر إساءاته للناس التي ارتكبها بجشعه، وقرر أن يُصحح أخطاءه التي ارتكبها (لو 19: 8).
ومن الناحية الأخرى، عندما يكون الإنسان على دراية ببراءته، فإن ضميره الصافي يُقوِّي رجاءه في الله. فمثلاً، عندما كان أيوب البار يتألم، عَلِمَ أن سبب ذلك لم يكن هو ارتكابه لأيَّة خطايا؛ بل إن ذلك كان في خطة الله وكان يترجَّى رحمة الله (أي 27: 6). وكذلك الملك حزقيَّا، عندما شعر أنه سيموت بمرض مستعصٍ، تعافَى عندما توسَّل إلى الله من أجل الشفاء مكافأةً له على أعماله الصالحة (2مل 20: 3-5). والرسول بولس، الذي تكرَّست حياته لله ولخلاص البشر، لم يَخَفْ من الموت، بل إنه رغب أن يستريح من أتعاب جسده ويُكافَأ بوجوده مع المسيح إلى الأبد (في 1: 23).
وبالنسبة للخاطئ، لا يوجد ارتياح وسعادة أعظم من أن ينال المغفرة وسلام الضمير. والإنجيل غنيٌّ بأمثلة التوبة. فالمرأة الخاطئة، عندما نالت مغفرة خطاياها، اعترفت بفضل المسيح وغسلت قدميه بدموعها وجفَّفتهما بشعر رأسها (لو 7: 38). ومن الناحية الأخرى، فإنَّ إغفال صوت الضمير مع تواتر الخطايا، يُظلِم النفس لدرجة أنَّ الإنسان يُقاسي انكسار سفينته من جهة الإيمان (1تي 1: 19)، حيث يغرق نهائياً في الشر.
الجانب السيكولوجي للضمير:
دراسة علاقة الضمير بالصفات الروحية للإنسان هي ميدان علم النفس (السيكولوجي). يحاول علماء النفس أن يُوضِّحوا موضوعين:
الأول: هل الضمير هو صفة يُولَد بها الإنسان؟ أم أنه نتيجة التعلُّم ومواجهة خبرات الحياة في البيئة التي ينمو فيها؟
والثاني: هل الضمير هو نتيجة للطريقة التي يعمل بها كلٌّ من الذهن والمشاعر والإرادة؟ أم أنه صفة مميَّزة مستقلة؟
وللإجابة على السؤال الأول، نقول إن فحص الضمير يُقنعنا بأنه ليس نتيجة للتعلُّم ولا هو غريزة طبيعية في الإنسان، ولكن له مصدر أعلى لا يمكن شرحه. فمثلاً يرتقي الضمير عند الأطفال قبل أن يتلقَّنوا أي تعليم من الكبار أو أي تطوُّر لهم. إذا ألحَّت الغريزة الطبيعية برغباتها على الضمير، فإنها تحاول أن تُقنع الإنسان أن يسلك بطريقة نفعية أو شهوانية؛ ولكن الضمير غالباً ما يستميل الإنسان أن يعمل بطريقة غير نفعية وكذلك بضبط شهواته. ورغم أنه يبدو على فاعلي الشر أنهم يتمتعون بحياة هنيئة، وأن الفضلاء يُقاسون؛ إلاَّ أن الضمير يُنبِّهنا بأنه ينبغي أن توجد عدالة عُليا. وأخيراً، لابد أن ينال الجميع الجزاء العادل. ووجود الضمير هو لدى الكثيرين البرهان الأكبر إقناعاً على وجود الله وخلود النفس.
وبالنسبة لعلاقة الضمير بالخواص الروحية الأخرى في الإنسان، كالذهن والمشاعر والإرادة الحُرَّة؛ نُلاحِظ أن الضمير يتكلَّم، ليس فقط عمَّا هو صالح، أو يكشف ما هو شرير نظرياً، ولكنه أيضاً يحث الإنسان على عمل الصالحات وتجنُّب الشر. والأعمال الصالحة يتبعها شعورٌ بالاطمئنان والسرور، في حين أن الأعمال الشريرة ينتج عنها الشعور بالخزي والخوف وانعدام السلام الروحي. وفي كل ذلك يكشف الضمير فينا عن درايتنا بالإرادة الحُرَّة والمسئولية.
والعقل وحده، طبعاً، لا يمكنه أن يُقرِّر ما هو صالحٌ أو شرير أخلاقياً. فهو يؤسِّس حُكْمه على ملاحظة إن كان الشيء منطقياً أم غير منطقي، حكيماً أم تافهاً، نافعاً أم غير نافع.
وصفة العقل المميَّزة هي أن يختار الفرص النافعة أكثر من الأعمال الطيبة. ومع ذلك، فإن شيئاً في الإنسان يُجبر عقله، ليس فقط على البحث عن المنفعة كتقدير تصوُّري دقيق، بل أيضاً على أن يُقدِّر القيمة الأخلاقية لمقاصده. وإذا كان ضميرنا يؤثِّر على عقلنا، أَلاَ يتبع ذلك، حينئذٍ، أن يكون الضمير مستقلاً عن العقل بل فوقه؟ صوت الضمير يحاول أن يُوجِّه قرارات الإنسان. والإنسان ربما لا يُحقِّق دائماً متطلبات الضمير، إذ أنه حُرٌّ في الاختيار، ولكنه لا يمكنه أن يتجاهل صوت الضمير؛ وإذا حدث أن تجاهل صوت الضمير، فلن يقدر أن يهرب من تبكيته الداخلي.
وأخيراً، فإن الضمير لا يمكن أن يكون كنتيجة للمشاعر التي تجيش في القلب. فالقلب يلتمس الأحاسيس المُسِرَّة ويتجنَّب غيرها. ولكن رفض المتطلبات الأخلاقية كثيراً ما يجلب معه صراعاً روحياً قوياً يُمزِّق القلب البشري. ولا يمكننا أن نهرب من النتيجة بالرغم من رغبتنا وجهدنا. وعلى ذلك، فرغم أن الضمير محصورٌ وساكنٌ بداخل الإنسان، إلاَّ أننا يجب أن نُسلِّم بأنه صفة مميَّزة مستقلة وفائقة توجِّه عقل الإنسان وإرادته وقلبه بناموس إلهي.
والكتاب المقدس يدعونا أن نحفظ نقاوتنا الأخلاقية بقوله: «فوق كل تحفُّظ احفظ قلبك، لأن منه مخارج الحياة» (أم 4: 23). ولكن أي رجاء يمكن أن يكون لخاطئ مع ضمير غير نقي؟ هل يكون مُداناً إلى الأبد؟ كلاَّ. فالميزة العظيمة التي يُقدِّمها الإيمان المسيحي، هي أنه يفتح للإنسان طريقاً ويُعطي الوسيلة لتنقية الضمير بالكامل. هذه الوسيلة هي التوبة والرغبة الجدِّية لتغيير الحياة إلى الأفضل. إن الله يغفر لنا بسبب دم ذبيحة ابنه الوحيد على الصليب: «فكم بالحري يكون دم المسيح الذي… يُطهِّر ضمائركم من أعمال ميتة» (عب 9: 14).
والكنيسة – بتعاليمها ونعمة الروح القدس الساكن فيها – تُمكِّن المؤمن من أن يتكمَّل أخلاقياً، وتجعل ضميره أكثر حساسية وتمييزاً. ولذلك قال الرب: «طوبى للأنقياء القلب، لأنهم يُعاينون الله» (مت 5: 8). ويدخل النور الإلهي في نفوسنا من خلال ضمير نقي، وكأنه بللور صافٍ، ويخترق كل ركن فيها.
وطالما أن الضمير موجود فينا، فإنه يُوجِّه أفكارنا، ويسمو بمشاعرنا، ويُقوِّي إرادتنا، ويُعيننا في كل صلاح نأخذه على عاتقنا. وبواسطة تلك الاستنارة المباركة يصبح العديد من المسيحيين آلات للعناية الإلهية. وبذلك يتمتع المسيحي، ليس ببركات روحية فحسب، بل ويصير أيضاً وسيلةً لخلاص آخرين. وتاريخ الكنيسة حافلٌ بأمثلة لا تُحصَى من حياة القديسين والخُدَّام والمبشِّرين.
الضمير النقي هو ينبوع لكل البركات الإلهية. فذوو القلوب النقية يتمتعون بسلامٍ داخلي، وهم لطفاء وأسخياء في العطاء. وهكذا يُعطيهم الله، في هذه الحياة المليئة بالمحن والعذاب، سَبْق تذوُّق للملكوت السماوي.
وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: ”لا الشهرة ولا الثروة ولا السلطان ولا القدرة الجسدية ولا المائدة الشهية ولا الملابس الأنيقة ولا أيَّة ميزة بشرية، يمكنها أن تجلب سعادة حقيقية؛ بل كل هذه تتأتَّى من صحة روحية وضمير نقي“. كما يقول القديس يوحنا الدرجي: ”لنتخذ من ضميرنا ناصحاً لنا بعد الله، ودستوراً في كل شيء؛ وذلك لكي نعرف من أيَّة جهة تهبُّ الريح، فنفرد شِرَاعنا ونوجِّه سفينتنا طبقاً لها“.