توفيق شومان/انتهت “المارونية السياسية” وانتهى لبنان

347

انتهت “المارونية السياسية” … وانتهى لبنان
توفيق شومان/28 تشرين الأول/2020

*”المارونية السياسية” انتهت ولم يرثها الموارنة الجدد، وأن “المارونية السياسية” انتهت ولم يرث المسلمون إلا مساوئها.
يعيبون نواقصها وهذا حق لهم، يغيبون نجاحاتها وهذا إثم عليهم،
يغفلون عن إنجازاتها وهذه من كبائر خطاياهم وأخطائهم.
ليس بالتأثيم تحيا الأوطان، وليس بتخليد الخطايا تُبنى الأوطان.

*****
يرفض الموارنة الحاليون الإعتراف بأنهم ورثة غير ناجحين لأسلافهم الموارنة الناجحين الذين أسسوا لبنان الحديث. ويرفض المسلمون الإعتراف بأنهم خلفاء غير ناجحين ل “المارونية السياسية” التي انتهت في العام 1975.

لم ينجب الموارنة فطاحل ولا رؤيويين بعد الحرب الأهلية، كابروا وعاندوا وكابدوا الأوهام ومن دون أن ينتجوا فعلا سويا ومرضيا، كما فعل آوائل الموارنة الذين بنوا الدولة الأكثر حداثة في الشرق الأوسط.

ولم يفعل “الخلفاء المسلمون” أكثر من الندب على مظلومية سابقة، فظنوا أن “الطائفية السياسية” التي ابتدعها الموارنة، يستعاض عنها ب “طائفيات سياسية” متعددة، تعيد لهم حقا مسلوبا وشراكة مغبونة، فاستقرت الحال على ما هي عليه الأحوال، طائفيات ترث الطائفية، ومتشرذمات ومتفرقات ترث المحاولات الضنينة لبناء دولة ووطن ومواطنين.

منذ عقود لم نقرأ نصا لمفكر سياسي ماروني!!.
هل هذا المفكر موجود؟ أم أصيب الموارنة بالنضوب؟.
ومنذ انتهت “المارونية السياسية” (بعد الطائف على الأقل) لم ينجب المسلمون مفكرا بديلا؟.

هل يفكر المسلمون بالبدائل؟
هل المسلمون لديهم البديل بالأصل؟
حتى الآن لا يجيب الموارنة (والمسيحيون عموما) على هذه الأسئلة .
وأغلب الظن أن المسلمين يفتقدون الإجابة.

أنتجت مرحلة “المارونية السياسية” مفكرين وسياسيين غير عاديين، موارنة وغير موارنة، قد يختلف البعض معهم أو يتفق مثل ميشال زكور وميشال شيحا وشارل مالك، وفؤاد إفرام البستاني، ويوسف السودا وكمال يوسف الحاج وغيرهم .

وأنتج المسيحيون اللبنانيون فكرتين ديناميتين غير مسبوقتين: العروبة مقابل العثمانية، ثم الوطنية اللبنانية مقابل العروبة. وحين آلت العروبة إلى المسلمين العرب دمروها (انظروا إلى أحوال العرب وبلاد العرب)، وحين آلت الوطنية أو الكيانية اللبنانية إلى المسلمين بعثروها.

نبقى في لبنان
لنعترف أنه لا يوجد مفكر مسلم مثل ميشال شيحا يهمس في أذني الرئيس بشارة الخوري بضرورة الذهاب إلى “عقد اجتماعي” مع رياض الصلح، إسمه “الميثاق الوطني”.

ولنعترف أنه لا يوجد بين المسلمين مفكر بوزن شارل مالك (بصرف النظرعن بعض أفكاره)، استطاع أن يُلهم الرئيس كميل شمعون، بفلسفته ورؤيته، وإلى حدود تعيينه وزيرا للخارجية.

ليس من مهمة السياسيين إنتاج الأفكار تلك مهمة المفكرين الذين يبتكرون التصورات ويصوغون الأفكار ويقدمونها بقوالب مقنعة ومقبولة لأهل السياسة وأصحاب القرار.

هكذا كان أرسطو مع الإسكندر، وهكذا كان كونفوشيوس مع ملوك الصين، وهكذا كان بوذا مع ملك ماغادا، وهكذا كان الإمام الغزالي مع نظام الملك، وإبن سينا مع فخر الدولة، والكندي مع المأمون والمعتصم، والفارابي مع سيف الدولة الحمداني، والسهروردي مع صلاح الدين الأيوبي، وإبن خلدون مع ملوك وأمراء زمانه.

وهكذا في كل عصر ومصر، وصولا إلى العصر الذهبي ل “المارونية السياسية”، حيث شهد لبنان:
قضاء معتبرـ أمن مقبول ـ فن راق ـ صحافة طليعية ـ قطاع مصرفي رائد ـ حركة نقابية فاعلة ـ عملة محلية توازي العملات الصعبة ـ فائض مالي مقداره 13 مليار ليرة لبنانيةـ بيئة نظيفةـ قطاعا التعليم والطبابة يتصدران القطاعات المماثلة في المنطقة.

كانت “المارونية السياسية”، مع عيوبها ونواقصها، تدرك ما تريد، وتعرف إلام تطمح، كانت تريد لبنان وطنا ودولة لتحافظ على استمرارها وتجديد نفسها من خلال إنجازات ملموسة ونجاحات على الأرض، ولذلك كان:
ـ الضمان الصحي والإجتماعي
ـ مجلس الخدمة المدنية
ـ وزارة التخطيط
ـ بحيرة القرعون
ـ مشروع نهر الليطاني
ـ مؤسسة كهرباء لبنان
ـ استجرار المياه إلى مختلف القرى والأرياف اللبنانية
ـ تعميم المدارس الرسمية على كل لبنان
ـ الجامعة اللبنانية كحاضنة للتعليم العالي للفقراء والطبقة المتوسطة، وبمستوى كاد يوازي الجامعتين اليسوعية والأميركية.
أيضا، كانت “المارونية السياسية” واضحة المعالم في خطابها وخطواتها، وكانت تقول:
نظامنا السياسي ديمقراطي برلماني
نظامنا الإقتصادي رأسمالي حر
منفتحون على الشرق والغرب

في السياسة الخارجية، كان ثمة رؤية واضحة للعمل الدبلوماسي اللبناني، وفي ذلك كتب فؤاد عمون وزير الخارجية الأسبق، عن معالم السياسة الخارجية اللبنانية، فقال: “إن مبادىء السياسة الخارجية اللبنانية تقوم على: الأخوة والتعاون مع الدول العربيةـ لا امتياز ولا مركز ممتاز لأي دولةـ لاحماية أجنبيةـ تنسيق السياسة الخارجية اللبنانية مع سياسة الدول العربية والتعاون معها عسكريا، وعلى الصعيد الدولي لا أحلاف ولا امتيازات ولا مراكز ممتازة لأي دولة كبرى”، ( راجع كتابه : سياسة لبنان الخارجية ـ دار النشر العربية ـ بيروت ـ 1959).

وبرأي فؤاد عمون ، أن الرئيس كميل شمعون خرق الميثاق الوطني في تحالفه مع الغرب، والرئيس فؤاد شهاب أحيا الميثاق الوطني.

أيضا يمكن أن نقرأ لوزير الخارجية الأسبق جورج حكيم، محاضرة عن سياسة لبنان الخارجية في العام 1965، يقول فيها: “إن سياسة لبنان الخارجية تتأثر بالعوامل الإقتصادية، فهي تعكس بصورة عامة أفكار ومصالح الطبقة الوسطى، ومن مصلحة لبنان التوفيق بين الدول العربية لأن الوفاق العربي ضروري لتأمين الوفاق بين الطوائف اللبنانية”.

كان ذاك في الماضي
كانت “المارونية السياسية” تعرف أي لبنان تريد
سعت كما تفعل الرأسماليات إلى تجديد نفسها بأفعال وإنجازات ملموسة وملحوظة وغير مسبوقة في الشرق الأوسط كله.
وربما تطرفت لبنانيا إلى حد الغلو، فأشعل غلوها عود الثقاب الأولى في غابة الطوائف اللبنانية.

وأما في الحاضر
فأي لبنان يريده المسلمون؟. أي لبنان يريده السنة؟. أي لبنان يريده الشيعة؟. وفي الطريق نحو الإجابة الضائعة، تنبت أسئلة شائكة تبحث بدورها عن كيفية:
إنعاش العمل النقابي
وإنقاذ التعليم الرسمي
وإحياء الأنهار اللبنانية وفي مقدمتها نهر الليطاني
وإعادة الإعتبار للصحافة والإعلام
والحفاظ على صندوق الضمان الإجتماعي
واستعادة حقوق المواطنين بقروض الإسكان
ومنع انهيار الإقتصاد الوطني

هذه الأسئلة، كانت إجابات أو نصف إجابات في مرحلة “المارونية السياسية”، أي أنها كانت تجري فعلا على الأرض أو نصف فعل أو في الطريق إلى جريان الفعل، وأما الآن فالأسئلة غير موجودة والإجابات مفقودة، فلا نجد نصا رؤيويا، ولا مشروعا واعدا، ولامفكرا يقدح فكرة، ولا مثقفا يتخيل صورة، ولا كاتبا يلهج سطرا.

ما السبب؟! لا إجابة
الإجابة المقنعة والمفحمة:
أن “المارونية السياسية” انتهت ولم يرثها الموارنة الجدد، وأن “المارونية السياسية” انتهت ولم يرث المسلمون إلا مساوئها.
يعيبون نواقصها وهذا حق لهم، يغيبون نجاحاتها وهذا إثم عليهم،
يغفلون عن إنجازاتها وهذه من كبائر خطاياهم وأخطائهم.
ليس بالتأثيم تحيا الأوطان، وليس بتخليد الخطايا تُبنى الأوطان.

أي لبنان بعد” المارونية السياسية ” ؟ الإجابة مجهولة
أي لبنان بعد خمس سنوات؟ الإجابة مجهولة
أي لبنان بعد عشر سنوات أو عشرين سنة؟ الإجابة مجهولة
أي لبنان نريد؟ الإجابة مجهولة
عشتم … وعاش لبنان