اتيان صقر- أبو أرز/الثورة خبت ولم تنطفئ

111

الثورة خبت ولم تنطفئ
اتيان صقر- أبو أرز/28 تشرين الأول/2020

*اذا كانت إيران تنوي اليوم السير على خطى من سبقوها فسوف تلاقي حتماً نفس المصير، وحينئذٍ بئس المصير، فالعبرة لمن يعتبر… والويل لمن تقع عليه لعنة لبنان.

*“انا أخجل بزعمائكم”، قالها مدوية الرئيس ماكرون على الهواء. j’ai honte de Vos dirigeants، ما يشير الى مدى الأحتقار الذي يكنٌه المجتمع الدولي لهذه المجموعة من اللصوص التي تقود البلاد إلى الأنتحار بعيون مفتوحة.

***
الرأي السائد اليوم في لبنان يَعتبر ان الثورة انتهت على أرض الواقع، وفشلت في تحقيق أهدافها لاسيما في إسقاط المنظومة السياسية الحاكمة واستبدالها بمنظومة ثورية تعيد صياغة السلطة وتبعث الحياة في هذه الجثة الهامدة المسماة دولة…

وهذا الرأي يعتبر أيضاً ان البلد كله مرشح للزوال والسقوط لُقمةً سائغة في اشداق دويلة “حزب الله” الإيرانية التي تسيطر حالياً على جميع مفاصل الدولة.

للوهلة الأولى يبدو أن هذا السيناريو واقعيٌ وصحيح.
اولاً، لأن هذه المنظومة الفاسدة تمكًّنت من الصمود في وجه عاصفة ١٧ تشرين الشعبية، ثم من الإرتداد عليها وقمعها بوحشية غير مسبوقة، وخرق مجموعاتها وتشتيت صفوفها، أضف إلى ذلك جائحة كورونا التي جاءَت لتؤازر هذه المنظومة الأبليسية في حجْر الناس قسراً في بيوتهم.

ثانياً، لأن الإهتراء الشامل الذي عمّ المؤسسات الرسمية من أعلى الهرم إلى اسفله، مكّن دويلة “حزب الله” من السيطرة على الدولة وسياساتها الداخلية والخارجية.

ولكن في نظرةٍ ثاقبة إلى واقع الحال اللبناني نلاحظ ما يلي:
١- صحيح ان الثورة خبت ولكن شعلتها لم تنطفئ، وصحيح انها إنكفأت ولكن الدلائل كلها تشير الى انها عائدة في أول فرصة سانحة، سيما وأنها خلقت حالة شعبية جديدة من الرفض والغضب والوعي الجماعي لا يمكن أن تعود إلى الوراء.

٢-صحيح ان الثورة لم ُتسقط المنظومة الحاكمة ولكنها أسقطت القناع عن وجهها القبيح، وصدّعت اركانها، وحطّمت هالة اصنامها الذين كانوا الى الأمس القريب رموزاً “مقدسة”، ومنعتهم من الظهور في الشوارع والأماكن العامة، وألغت مواكبهم الصاخبة، وحرمته حتى من ارتياد المطاعم و المقاهي ومراكز التسوق وغيرها.

٣- صحيح ان المنظومة الفاسدة ما زالت في مواقعها، ولكن الثورة انتزعت منها شرعيتيْها، الشرعية الشعبية الداخلية والشرعية الدولية، وعرّتها أمام المجتمع الدولي، ما أدى إلى تسليط سيف العقوبات الأمريكية على رقاب زعمائها والتهديد بتجميد أموالهم المسروقة والمهربة إلى البنوك الأجنبية تمهيدا لإعادتها إلى خزينة الدولة… أما إذا استمروا في غيّهم وفسادهم وفجورهم، وهم مستمرون، فلا نستبعد ان يعمد المجتمع الدولي يوماً إلى منعهم من السفر إلى بلاده، وعندئذٍ سوف تقتصر رحلاتهم السياحية على زيارة المعالم “الحضارية” في سوريا او إيران او فنزويلا او كوريا الشمالية.

“انا أخجل بزعمائكم”، قالها مدوية الرئيس ماكرون على الهواء. j’ai honte de Vos dirigeants، ما يشير الى مدى الأحتقار الذي يكنٌه المجتمع الدولي لهذه المجموعة من اللصوص التي تقود البلاد إلى الأنتحار بعيون مفتوحة.

إما الكلام عن “زوال” لبنان وإلحاقه في مشروع إيران التوسعي، فهو حديث خرافةٍ يدحضه تاريخ هذا البلد وخصوصيته الفريدة ومكانته الحضارية الضاربة عميقاً في جذور الإنسانية.

ومن يراقب مراحل الصعود والهبوط، أقله في زماننا المعاصر، يلاحظ ما يلي:
ذات يوم حلم عبد الناصر بضم لبنان إلى ما اسىماه “الجمهورية العربية المتحدة”، فسرعان ما تلاشى حلمه، وسقط مشروعه الوحدوي في بيروت قبل أن يسقط في دمشق.

ثم جائنا عرفات حاملاً حلمه في انشاء دولة فلسطينية على أرضنا، فما لبث ان سقط هو الاخر ومنظماته الإرهابية في شوارع بيروت وزواريبها، وسقطت معه قضيته التى راحت تبحث اليوم عن دولةٍ لها بين غزة ورام الله فلا تجد، وعن وسيلةٍ لوقف الزخم العربي نحو التطبيع مع إسرائيل فلا تجد أيضاً.

ثم جاءنا” أسد” سوريا مدججاً بصواريخه ومجنزراته وجيشه الجرار، متفقاً مع الإدارة الأميركية على وقف “الحرب الأهلية”، ومختبأً وراء خدعة اسمها “قوات الردع العربية”، فسقط هو أيضاً في بيروت ومتاهاتها، وراح يبحث اليوم عن كيانه الضائع بين دمشق واللاذقية وبين إدلب والقامشلي فلا يجده، وعن قراره المصادر في موسكو وانقرة وطهران فلا يجده أيضاً، وعن هوية بلاده المطمورة تحت ركام مدنها المدمرة وأحيائها المهجورة وبيوتها المحروقه، فلا يجدها أيضاً وايضاً.

واذا كانت إيران تنوي اليوم السير على خطى من سبقوها فسوف تلاقي حتماً نفس المصير، وحينئذٍ بئس المصير، فالعبرة لمن يعتبر… والويل لمن تقع عليه لعنة لبنان.
لبيك لبنان
اتيان صقر