د. توفيق هندي/اللبنانيون غير قادرين على حكم ذاتهم بذاتهم

51

اللبنانيون غير قادرين على حكم ذاتهم بذاتهم
د. توفيق هندي/اللواء/12 تشرين الأول/2020

لبنان يرزح تحت إحتلالين، إحتلال إيراني مقنع يمارسه حزب الله وإحتلال طبقة سياسية مافياوية.

لا خلاص للبنان إلا بمعالجة جذرية لهذين الإحتلالين القاتلين للبنان الكيان والدولة، بمعنى أن تحرير لبنان من واحد منهما دون الآخر يبقي لبنان في مأساته.

وإذا كان الإحتلال الأول طارئا» ظرفيا»، فالإحتلال الثاني يمد جذوره إلى البنى الإجتماعية-السياسية اللبنانية. غير أنه لا يمكن إيجاد معالجة أسياسية للإحتلال الثاني في ظل تحكم الإحتلال الأول بالوضع اللبناني برمته، إذ أن حزب الله يشكل المظلة الواقية للطبقة السياسية المارقة الفاسدة.

والمشكلة تكمن في بنية لبنان الاجتماعية-السياسية، وهي مزيج هجين من الإقطاع الآري والقبلية السامية، كما يوصفها اوهانيس باشا كويومجيان، آخر متصرف للبنان، وهي تتمظهر بما يمكن تسميته بالبيوتات السياسية الكبيرة والصغيرة، القديمة والمستحدثة، التي تفرض سيادتها على الحياة السياسية والاجتماعية العامة والخاصة بكل مفاصلها.

وفي واقع الحال، أن هذه البنية متجذرة بأيديولوجيتها وأنماط العلاقات الملازمة لها في الاجتماع والسياسة، بحيث لا تكمن المشكلة فقط في كينونة وتصرفات «زعامات» هذه البيوتات، إنما أيضا» في خضوع الشعب الطوعي لها وهو الذي يرتضيها مولاة له، فتحقق له مصالحه خارج المسالك القانونية والنظامية وتحميه من ملاحقة الدولة المركزية، أيا» تكن السلطة التي تتولاها، مقابل ولاءه الأعمى واستزلامه البخس لها.

فلبنان عبارة عن مجموعة دويلات متناحرة متنافسة فيما بينها تتشكل من البيوتات السياسية، تسعى كل منها على اقتطاع أكبر حصة ممكنة من سلطة الدولة المركزية لحساب سلطة دويلتها الخاصة.

فهي بذلك تشبه المافيات التي يتوقف قوة رئيس كل منها ليس على عدد الذين هم على استعداد للموت من أجله بل على عدد الذين هم على استعداد للقتل بأمر منه.

فالساحة السياسية اللبنانية يسودها ما يمكن توصيفه بتوازن الرعب فيما بين هذه المافيات. لذا لا يصح التساؤل حول أسباب ظاهرة المحاصصة والفساد والإفساد … وبالتالي لا سبيل للإصلاح في ظل سيادة البيوتات السياسية على الحياة السياسية اللبنانية؟!

والمشكلة تكمن في أن التنظيمات التغييرية، أو بالأحرى تلك التي طرحت نفسها كقوة تغير، لم تتمكن من تكملة الطريق وصولا» إلى تحقيق الهدف المنشود، لا بل تحولت من جماعات سياسية تلتف حول مشاريع سياسية وطنية وتغييرية إلى مجموعة أزلام تدين بالولاء البدائي والغددي لزعيم بيت سياسي مستجد، يختصر «القضية» بشخصه ويشكل نموذجا «مسخا» عن تلك الزعامات التي طرح نفسه أصلا» بديلا» عنها.

هذه حالة الغالبية العظمى للأحزاب اللبنانية، الرئيس هو أبدي سرمدي لا «يرثه» إلا ابنه أو زوجته أو أخوه أو ابن أخيه أو حفيده أو … أقرب الناس إليه بالدم. فالسياسة في لبنان كما في أكثر البلدان تخلفا» لها علاقة وطيدة، ويا للأسف، بالجينات.

لبنان الكيان والدولة ينهار وبسرعة بيانية، ولا مجال لحلول إصلاحية تمنع عنه الموت ولكنها تبقيه في الكوما، ولا النهج الثوري الذي يعتمد المراكمة ملائم للمعالجة لأن وجود لبنان على المحك وقد يزول قبل تغيير موازين القوى لوضعه على طريق الخلاص، كما أن الإصرار على المطالبة بالتغيير من خلال المسارات الدستورية (حكومة مستقلين، إنتخابات مبكرة أو بوقتها) تشكل قلبا» للأولويات، بمعنى أنها لا تأخذ بعين الإعتبار أن المكون الرئيسي لميزان القوى هو الميزان العسكري-الأمني، وهو بإمتياز بيد حزب الله يحمي به إمساكه بمفاصل الدولة كافة بالإضافة إلى تدجين الطبقة السياسية المارقة وحمايتها.

لذا، لا بد من علاج جذري يضع لبنان على طريق التعافي من الإحتلال الإيراني ويستأصل سرطان الطبقة السياسية المارقة ويحاول تخطي البنى الإجتماعية-السياسية الآنفة الذكر من خلال أيدولوجيا منفتحة حديثة يجسدها شباب لبنان الثائر.

فلا يسع الثورة الإطاحة بالإحتلالين بقواها الذاتية حصرا». غير أن مهمتها الرئيسية هي تظهير إرادة اللبنانيين بالخلاص من الإحتلالين والمطالبة بتدويل الوضع اللبناني، وذلك بإتخاذ مجلس الأمن الدولي قرارا» تحت الفصل السابع بوضع لبنان تحت الإدراة السياسية والعسكرية والأمنية.

بالطبع، ليست «الشرعية» اللبنانية الفاقدة لمشروعيتها الشعبية التي يمكنها أن تتقدم من مجلس الأمن بالمطالبة بهذا القرار في وقت هي في قفص الإتهام.

من ناحية، يعيش اللبنانيون حالات إنسانية تشبه جهنم على الأرض. ومن ناحية أخرى، يشكل لبنان قاعدة إنطلاق لحزب الله في مشروعه الجهادي المخل بالإستقرار والأمن والسلام في الإقليم والعالم. هذه الأوضاع كافية لتحرك الأمم المتحدة ووضع يدها على الملف اللبناني.

بأي أدوات؟ بتفعيل تنفيذ القرارات الدولية الحاضرة، ولا سيما القرارين 1559 والـ1701 ووضعهم تحت الفصل السابع، كما من خلال إستصدار قرارات جديدة. كما يمكن توسيع إطار عمل اليونيفيل وتقويتها عدة» وعددا». وبقدر ما لبنان يتجه إلى ما بعد بعد جهنم، سوف يكون المجتمع الدولي مضطرا» إلى التدخل الفاعل. في ظل التحرك المفترض للأمم المتحدة ، يكّون مجلس قيادة مؤقت مشّكل مناصفة بين نخبة من العسكريين ونخبة من المدنيين على شاكلة الوضع السوداني. يعلق مجلس القيادة المؤقت الدستور لمدة سنة أو ما يقارب ويقوم بتطهير مؤسسات وإدارات وأجهزة الدولة كافة كما القضاء من أزلام الطبقة السياسية المارقة، ويضع قانون إنتخابات، على أن تكون أعمال المجلس كافة تحت الرقابة الدولية، لكي لا تنتقل عدوى الفساد والمحاصصة إلى أعضاء المجلس لأن آفات المجتمع اللبناني بنيوي ولا يتعلق فقط بـ«آدمية» الأفراد. ثم يعاد بالعمل بالدستور بدأ» بإجراء إنتخابات نيابية، فإنتخاب رئيس المجلس النيابي ومكتبه، فإنتخاب رئيس الجمهورية وصولا» إلى تشكيل حكومة جديدة.

هكذا، يستعيد الشعب اللبناني الثقة بدولته كما يستعيد المجتمع الدولي والعربي والإنتشار اللبناني بالدولة اللبنانية، مما يمهد لتعاف سريع للبنان «إقتصاديا، ماليا، مجتمعيا، ثقافيا»،…

قد يعتبر البعض أن سلوك خارطة الطريق هذه ضرباً من الخيال وأن هذه الخارطة صعبة التنفيذ أو حتى مستحيلة. ولكن هذا لا يثنيني عن الإعتقاد أن هذه الخارطة هي الوحيدة التي توصل إلى خلاص لبنان الكيان والدولة وأن عدم إعتمادها يوصل دون شك إلى زواله.