د. توفيق هندي/المطلوب إستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي تحت الباب السابع يضع لبنان تحت السلطة السياسية والعسكرية للأمم المتحدة

67

لبنان يحتاج إلى فترة نقاهة
المطلوب إستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي تحت الباب السابع يضع لبنان تحت السلطة السياسية والعسكرية للأمم المتحدة
د. توفيق هندي/11 أيلول/2020

لبنان يحتضر وهو معلق بين الحياة والموت. صحيح أن الشعب اللبناني يأبى أن يموت ويتحلى بعناد أسطوري بالتمسك بالحياة. ولكن حقيقة الأمر أن لبنان بات أرضا” سائبة يتحكم بها إحتلال إيراني تعاونه طبقة سياسية فاسدة وفاشلة، مشكلة من أتباع و”معارضين”.

عناصر القوة التي تتحكم بها السلطة المارقة عديدة وقوية وهي تمد جذورها إلى التركيبة السياسية-الإجتماعية اللبنانية (مزيج هجين من الإقطاع الآري والقبلية السامية على حد قول أوهانيس باشا قيومجيان، آخر متصرف)، تمتلك السلاح الشرعي وغير الشرعي والدولة العميقة بمؤسساتها الدستورية والإدارية والأمنية والقضائية وعلى مستوياتها كافة والتي إستولت عليها من خلال محاصصات مزمنة بين أركانها، مبنية على زبائنية سياسية مزمنة أيضا”.

نعم، الثورة مستمرة ويجب تفعيل دينامياتها لتظهير إرادة الشعب اللبناني بالتخلص من الإحتلال والتسلط والفساد. إنما يجب الإعتراف بالوقت عينه أن طريق التغيير مسدود من خلال الإصلاح مهما بنى البناؤون، ومهما توحدت قوى الثورة وأنتجت قيادة حكيمة ورشيدة ومهما طرحت من برامج ومهما كان عدد المنتمين إليها ومهما كانت وسائل تحركها. الموضوع يتعلق بميزان القوى الداخلي والإقليمي والدولي.

أما حكومة أديب، إن أبصرت النور، وأي حكومة أخرى توصف عن حق أو باطل، بالمستقلة والنظيفة و”التكنوقراطية”، تكون بأحسن أحوالها حبة أسبرين يراد منها أن تعالج مريضا” مصابا” بالسرطان. لماذا؟ لأنها مكبلة من رئاسة الجمهورية والبرلمان دستوريا” والسلاح والدولة العميقة عمليا”. فمصيرها الفشل حتما” مهما صفت نيات فرنسا والرئيس ماكرون ومهما أنزلت الإدرارة الأميركية من عقوبات على الطبقة السياسية الفاسدة.

لماذا، لأن قرار السلطة في طهران يمارسه حزب الله في لبنان ولأن قيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية أيدولوجية مصممة، مرنة وصلبة في الوقت عينه وتتصف بالإستمرارية على عكس أخصامها الغربيين.

أما التغيير من خلال إنتخابات مبكرة أو غير مبكرة، ووفق أي قانون إنتخابي، لن تحصل إلا إذا أعتبر حزب الله أنها تؤمن له الأغلبية البرلمانية كما هو الحال في البرلمان الحالي. فقد تم تأجيل الإنتخابات الفرعية. وهذا الأمر مؤشر لما سوف يحدث فيما إذا أبقى حزب الله على سلاحه: سوف تمدد ولاية البرلمان الحالي بحجة وضع أمني يختلقه الحزب، كما حدث على مدى أكثر من عشرين عاما” أثناء الحروب المتشابكة في لبنان.
لقد فقد لبنان مقوماته الكيانية: بات بأزمة عميقة ماليا”، إقتصاديا”، إجتماعيا”، معيشيا”، ثقافيا”، إستشفائيا”، بيئيا”، أخلاقيا”، إنسانيا”،…

من ناحية أخرى، يعيش لبنان حالة اللادولة. إتفاق الطائف (وهو إتفاق ميثاقي، سيادي، إصلاحي، دستوري) معطل منذ بداية تطبيقه لأن تنفيذه لزم دوليا” وإقليميا” لسوريا-الأسد، ثم وقع في براثم الطبقة السياسية المارقة. أما اليوم، وضمن لعبة تتقنها الطبقة السياسية الفاسدة والتي كانت في حينه بأغلبية أطرافها ضد إتفاق الطائف، تتقاذف الإقتراحات حول ميثاق أو صيغ سياسية جديدة أو متجددة لحرف الأنظار عن جوهر الصراع (وهو مع الأحتلال والطبقة السياسية الفاسدة الخاضعة له) وبالتالي النيل من ثورة الشعب اللبناني.

فأين الميثاق والصيغة والدستور والقوانين؟! بخبر كان: الطبقة السياسية المارقة لا تمارس إلا مصالحها.

ومن بعد فاجعة تفجير المرفأ منذ ما يقارب الأربعين يوما”، ها نحن نشهد على فاجعة حريق المرفأ. والحبل على الجرار! لا حاجة لتحقيق محلي أو دولي أو محلي بمشاركة دولية. فالأمر معلوم، وهو يتعلق بمرفأ “المقاومة” وسلعها المهربة وسلاحها الوافد والخارج.

الشعب اللبناني يطلب الخلاص (حتى إنسانيا”). وبات الوضع اللبناني كما هو، غير قابل للمعالجة من قبل اللبنانيين.

لذا، المطلوب أن يمنح لبنان من قبل المجتمع الدولي فترة نقاهة ريثما يستعيد أنفاسه. هذا ليس مطلبا” إنسانيا” فحسب، إنما يتعلق أيضا” بالإستقرار الإقليمي والسلام العالمي. فلبنان يحتوي على أهم صاعق للصراعات في المنطقة. وإن لن يعالج أمره بجدية من المجتمع الدولي، فهو قد يفجر الإقليم برمته والمصالح الإقليمية والدولية فيه.

فالمطلوب إستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي تحت الباب السابع يضع لبنان تحت السلطة السياسية والعسكرية للأمم المتحدة. ليس هنا المجال للبحث بكيفية تنفيذ هذا القرار. فهذا أمر يعود إلى الدول المشاركة في مجلس الأمن، وبشكل خاص الدول الخمس الدائمة العضوية فيه.

بعد فترة النقاهة، يعاد بالعمل وفق الدستور وفي فترة أولى تحت رقابة دولية وتصبح الطريق سالكة للتغيير والتطوير بعد أن يكون تخلص لبنان من الإحتلال والطبقة السياسية المارقة.