اتيان صقر- ابو ارز/رسالة إلى شهدائنا الأبرار

66

رسالة إلى شهدائنا الأبرار
اتيان صقر- ابو ارز/09 أيلول/2020

ما من شيئ أعظم من أن يقدم الإنسان نفسه فداءً عن غيره، هكذا قال الرب وهكذا فعل شهداؤنا.

ماتوا بصمتٍ ورحلوا بكبَر، وذهبوا بدون وداع ولم يستأذنوا أحداً، تسابقوا على الاستشهاد، وطوعاً وهبوا أنفسهم قرابين طاهرة وفديةً نقية عن لبنان وشعبه العظيم، فارتفعوا إلى مرتبة القديسين، وصاروا في ضمير الأمة، وسكنوا وجدان الناس، وأصبحوا النور الذي يضيئ عتمة الايام… وهل من عتمةٍ أشد من عتمة هذه الايام؟

للشهداء منزلة خاصة في قلبي، أحبهم كما لبنان، وأعشقهم كما القضية، وأكتب من وحيهم، وأستلهم منهم أفكاري والمواقف، ومنهم أستمد عزيمتي وقوةَ الإستمرار.

إنهم أهلي وعائلتي، يسكنون معي و في بيتي، وفي أعماق أعماقي، أستأنس بهم في وحدتي، وأتسامر معهم في غربتي… إنهم أصحابي وأصدقائي يوم قلّ الأصحابُ وغاب الأصدقاء… انهم الزاد والذخيرة، والقدوةُ والمثال ، والأملُ الباقي في بلدٍ هاجر منه الأمل.

هم الوفاء في زمن الغدر، الصدق في زمن النفاق، الطهر في زمن العهر، الرجاء في زمن اليأس، الإخلاص في زمن الخيانة، الأقدام في زمن التردد، والبطولة في زمن الجبانة، والاستقامة في زمن الأنحراف…. إنهم الصمتُ في زمن الثرثرة، وهل من صمتٍ أبلغ من صمت الشهداء.

أمامكم ايها الشهداء اجدد عهداً وارفع صلاةً:
العهد، لن نغيّر ولن نتغيّر مهما تلوّن الناس، وجارَ الدهر، وقسَت الايام، لن نُبدّل حرفاً من عقيدةٍ آمنتم بها، ومبادئ استشهدتم من أجلها. وفاءً لكم سنتابع المسيرة مهما تعرَجت مسالكُها، وسنُكمل المشوار حتى تتحقق أمنياتُكم- في قيامة لبنان من تحت الركام- وفي انتشاله من جحيمٍ اوقعه فيه سياسيون حقيرون ومجرمون- وفي إعادة السلام إلى وطن السلام.

والصلاة، يا رب قرٌب شهداءَنا منك، ودعهم يُقيمون في جوارك، كرّمهم مع ملائكتك وقديسيك، لان الأبطال يستحقون الحفاوة والتكريم؛ لا تدع دماءَهم تذهبُ هدراً، وامنح أهلهم ومحبّيهم جميلَ الصبر وبلسمَ العزاء…

أما لبنان الذي يحتضر أمام عينيك فأسرع إلى إنقاذه، الآن وقبل فوات الأوان، ولا حاجة لتذكيرك بأنه وطنُك على الأرض، انقذه يا رب رحمةً بشعبه الذي ينتمي إليك، والمعلّق على خشبة الصليب منذ خمسين عاماً، لأنك قادرٌ على كل شيئ، يا أرحم الراحمين… آمين.
لبييك لبنان
اتيان صقر- ابو ارز