د. وليد فارس/بين جمهورية الانفجار وجمهورية السكاي بار

168

بين جمهورية الانفجار وجمهورية “السكاي بار”
د. وليد فارس/05 أيلول/2020

كثيرون يسألوني اذا حل وقت ليهاجروا من لبنان لفقدان الامل، لانهم “لا يروا حلاً”. وجوابي لهم: ابداً، بالعكس، فلبنان لم يكن قريباً من مرحلة افضل مما كان عليه، كهذه المرحلة. فيُصعق السائلين ويسألون: وكيف ذالك والاقتصاد منهار، وحزب الله مُسيطر والطبقة الحاكمة قائمة على الفساد، ولا احد يساعدنا؟

فأقول لهم: طبعاً الوضع صعب جداَ، ولكنه استراتيجياً افضل…اذا وفقط اذا، تم التحرك باتجاه معين، دون اخطاء، بتركيز، ودون التأثر ببروباغندا حزب النفسية، مما كان عليه في الثلاثين سنة الماضية. فيعجبون اكثر.

الوضع ما بين ١٩٩١ و ٢٠٠٥ كان الاكثر خطورة لان الجيش السوري ومخابراته كان يحتل لبنان احتلالا كاملا، وحزب الله يكتسب قوة محلية واقليمية متزايدة ويُعتبر “مقاومة” حقيقية بطلة، والمقاومة السابقة للمحور دٌهست، او مبعثرة، وبعد ذلك سُجنت.

والاسوأ من ذلك ان الغرب اعتبر لبنان عائد الى الازدهار وحزب الله “لبناني”. ومعظم اللبنانيين هرولوا باتجاه الاعمار، والاحتفالات الثقافية، وبات ذاك الزمن رمزٌ لما ما اطلقت عليه “جمهورية السكايبار”.

تلك الجمهورية كانت تُنهش من الداخل، وهذا ما ادى الى ثورتي ٢٠٠٥ و ٢٠١٩. اما ثور ة الارز فكانت قصيرة وسقطت بسبب فشل ادارتها. وعات البلاد الى الانحطاط مع فرض حزب الله لحكمه المباشر منذ ٢٠٠٨. وانخرط الحزب في حروبه الاقليمية.

المفارقة ان البلاد دخلت في وضع اقتصادي أسوأ، فشعر اللبنانيون بردآة وضعهم المعيشي، بعكس زمن السكايبار الطائش.

وانفجر الشعب اللبناني في اكتوبر الماضي، فاضحى الوضع الاجتماعي الاقتصادي اسوأ، ولكن وضع الوعي الشعبي بات اقوى من التسعينات. العالم بات يعرف ان اللبنانيين بمعظمهم يرفضون النظام القائم. وبعد ٤ آب، ومنذ الانفجار، شعر معظم اللبنانيين بان لا عودة الى الوراء قبل انهاء السيطرة المسلحة لحزب الله، بطريقة او باُخرى، بشكل كامل او بشكل متدرج. وهذه هي بنظرنا اقوى واهم مرحلة في نضال الشعوب.

عندما يعي الشعب انه لا عودة الى الوراء، وانه لا دواء الا دواء واحد لا غيره ممكن. عندها يفهم الخصم ان ثمن ابقاء موقفه الغير عادل سيكون اغلى من ابقاؤه. ويعرف الصديق ان كل الطرق الاخرى قد جُربت وهي الان مسدودة، ولا مجال للمساعدة الا عن طريق واحد، وهو تطبيق القرار.

لهذا نقول ان افضل ما في هذه المرحلة الان هو الوعي المتزايد، الذي غاب كلياً ومن ثم جزئياً منذ ثلاثين عام.
للاسف فما يُحدث الوعي هو مصائب وكوارث.

اذ ان نفس الكلام الذي قيل في بداية عقود الانحطاط بعد ١٩٩١، لم يسمعه الناس المحتفلة في جمهورية السكايبار.

اما الان وبعد النكبة، فالناس عطشة لكلمة، وتريد الوثوب. الان، وبالرغم من المصائب، وربما بسبب المصائب، المواطنين باتوا اسياد انفسهم، او على الاقل، كثير منهم.

لذلك ما كان “فالج لاتعالج” منذ ٣٠ سنة بات نوماً انقلب يقظة. هذا هو الفارق الذي يُعتمد عليه الان.