مهى عون/فشل اتفاق فيينا وحوار الضرورة في لبنان

330

فشل اتفاق فيينا وحوار الضرورة في لبنان 

 مهى عون/السياسة/28 تشرين الثاني/14

 بدأت تتكون قناعة لدى العديد من المراقبين لمجريات الأحداث الدولية ذات الصلة بالأوضاع الإقليمية, بأن تزامن بعضها لم يأت نتيجة الصدفة, ومنها -وربما ليس آخرها- تزامن انطلاق أعمال المحكمة الدولية الخارجية بلبنان في لاهاي الناظرة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري مع انعقاد مؤتمر مجموعة ال¯5+1 (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا) مع الوفد الإيراني في فيينا, للبحث في الملف النووي الإيراني العالق, إذ من غير المستبعد أن يكون انعقاد هيئة المحكمة أتى من منطلق الحاجة لزيادة نسبة الضغط على النظام السوري حليف النظام الإيراني وربيبه الأهم والأساسي في المنطقة العربية, بهدف حمل طهران على تقديم بعض التنازلات خلال انعقاد المؤتمر في فيينا.

هذا في وقت راهن اللبنانيون على نتائج حسية قد تواكب سير المحاكمة وتساهم في إماطة اللثام, ولو جزئياً, عن مرتكبي جريمة اغتيال الرئيس الحريري, خصوصاً أن معلومات كانت صدرت عن المحكمة تشير إلى احتمال تورط الرئيس السوري, بسبب ظهور رقمه الخاص على الشبكة الخليوية لأحد المتهمين بهذه الجريمة. لكن هذه الآمال لم تتبلور واختتمت المحكمة نشاطها مرحلياً بعد الاستماع لشهادة الوزير السابق مروان حمادة قبيل انتهاء مؤتمر فيينا بقليل, وأجلت أعمالها إلى موعد آخر, تماماً كما انتهت محادثات فيينا لاحقاً بوصولها إلى الحائط المسدود.

وفي حال اعتبرنا أن هاتين النتيجتين لا تصبان في مصلحة بعض الأطراف في لبنان, لا سيما الجهات التي كانت تراهن على ما كانت تسميه “زمن العدالة”, ناهيك عن المراهنة على انفراجات إيجابية على الساحة اللبنانية مواكبة لفرضية نجاح مؤتمر فيينا, من ناحية إحداث تليين إضافي في مواقف “حزب الله” المتصلبة حيال مختلف الملفات اللبنانية العالقة, ولا سيما تلك المتعلقة بالفراغ الرئاسي, فلا بد من التسليم بأن الأمور عادت إلى نقطة الصفر, التي تعني من الناحية العملانية عودة كل فريق إلى مواقعه السابقة.

ولعل هذه الفجوة غير المنتظرة في عدم التوصل إلى كسب نقاط جديدة على الساحة السياسية في لبنان, حملت تيار “المستقبل” على استشعار الحاجة للبدء بحوار الضرورة لردم الهوة التي كانت قائمة سابقاً بينه وبين “حزب الله” على خلفية الاستحقاقات العالقة ولترميم ما أصاب العلاقة من تشنج نتيجة الشهادة التي أدلى بها الوزير السابق مروان حمادة في لاهاي. وبالنظر إلى الارتياح النسبي الذي يظهره الحزب اليوم في العودة إلى قواعده سالماً بعد مرور زوبعة المجتمع الدولي التي كانت ستؤول إلى الإطاحة ببعض امتيازاته على الساحة اللبنانية والممهدة لمشروعه, ناهيك عن ستراتيجية إيران في سورية ولبنان, كان لا بد لتيار “المستقبل” من اجتراح البدائل التي جاءت كالعادة, عبر ما يمكن تسميته ب¯”حوار الضرورة”.

وعلى خلفية هذا الواقع الذي يقول إن سياسة “حزب الله” ليست منفصلة عن ستراتيجية إيران الإقليمية وأهدافها, قد لا يكون من المستبعد أن تترجم تداعيات فشل مؤتمر فيينا في التوصل إلى نتائج حسية وتأجيل انعقاده من جديد إلى شهر يوليو المقبل من السنة الجديدة, عبر المضي في سياق اتفاق مع تيار “المستقبل” حول اسم جديد لرئيس الجمهورية خارج إطار التسميات التي كانت مطروحة سابقاً, ولا سيما الجنرال عون والدكتور جعجع, وذلك لأن طهران تريد اليوم أن تظهر بعض بوادر حسن النية تجاه المجتمع الدولي تمهيداً لكسب بدائل بخصوص مسألة رفع العقوبات التدريجي والذي استلمت وعوداً بخصوصه في نهاية محادثات فيينا.

وفي سياق يصب في هذا المنحى, يكثر الكلام في الدوائر السياسية في لبنان حالياً عن قرب انطلاق الجولة الجديدة من حوار الضرورة بين تيار “المستقبل” و”حزب الله”, وهو حوار يهدف للتوصل إلى ترميم الوفاق على طروحات مستقبلية تبدأ في تخطي وتناسي ما جاء على لسان الوزير السابق مروان حمادة الذي استفاض في شهادته أمام المحكمة الدولية في توصيف مرحلة الوصاية السورية وكيفية انتهائها بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري, والتي وفق شهادته أوصلت البلد إلى ما هو عليه اليوم من حالة الاستسلام والتسليم بهيمنة “حزب ولاية الفقيه” على صناعة القرار السياسي في لبنان, ولا تنتهي بانتخاب رئيس جديد للجمهورية, بل تستكمل كما تهدف أوساط تيار “المستقبل”, إلى بناء مساحة جديدة من الوفاق على مختلف القضايا العالقة, ومنها خروج “حزب الله” من الساحة السورية.

والجدير بالذكر, أن مبادرة الحوار هذه تحظى برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري وبمواكبة النائب وليد جنبلاط الذي أعرب عن رأيه بهذا الخصوص في كلامه عن الحاجة “لتدوير الزوايا” من جديد مع “حزب الله”. ورغم يقين جميع الأطراف بأن الوفاق اليوم, وخصوصاً ما يتعلق باستحقاق رئاسة الجمهورية, دونه صعوبات كثيرة, لكن وتبعاً لما بات يصدر عن مختلف المرجعيات التي ترى ان الحاجة باتت تفرض نفسها على الجميع, وبخاصة أن الإرهاب ومحاربته أصبحا يشكلان قاسماً مشتركاً بين الحزب و”التيار الأزرق”. وإذا كان تيار “المستقبل” و”حزب الله” لم يبادرا حتى الساعة إلى وضع شروط مسبقة للشروع بالحوار, فذلك عائد لحسابات خاصة بكل منهما, قد لا تكون بالضرورة فقط من منطلق حاجتهما للتكاتف في مواجهة التكفير وخطره على الداخل اللبناني.

ففي وقت ترتكز حسابات الحريري على الواقعية السياسية التي ترى أنه حيال صعوبة حصول توافق إقليمي على الحل في لبنان لا بد من اعتماد فن الممكن, بدءاً بمحاورة الأطراف الداخلية وربما لتجنيب الساحة اللبنانية 7 مايو جديد… فحسابات “حزب الله” للمجيء إلى حوار الضرورة مختلفة تماماً, حيث إنه يقارب أي خطوة يقوم بها على الصعيد الداخلي في لبنان حكماً على خلفية ستراتيجية طهران الشاملة لسورية ولبنان.

وضمن هذا التوجه, قد يأتي قبول “حزب الله” بشرط خروجه من الداخل السوري فقط من منطلق تماشيه وتلازمه مع رغبة طهران في حلحلة بعضٍ من تشددها على بعض ساحات نفوذها مقابل حصولها على بداية وعود ورَدَ الكلام عنها في فيينا وتتعلق برفع العقوبات المالية وسواها. يبقى أنه ومن منطلق حسابات داخلية بحتة وبعيداً من مصالح إيران هذه, وعن ستراتيجيتها الشاملة لسورية ولبنان, فالجدير بالذكر هو أن “حزب الله” قد لا يهمه استمرار الشغور في موقع رئيس الجمهورية بقدر ما يهمه وصول رئيس جديد يكون موالياً له يساهم في تغطية سياسته وستراتيجيته على الصعيدين السوري واللبناني, ناهيك عن أن استتباب الأوضاع وإعطائها نوعاً من الشرعية الهرمية في لبنان, قد يضفي بعضاً من الشرعية على سياسة “حزب الله” ويساهم في الحد من تنامي الضغوط التي باتت تنهك كاهله وتلوث صورته وتربكه حيال قاعدته الشعبية التي بدأت تطرح ألف سؤال وسؤال حول شرعية وأحقية تدخله في سورية.