الأب سيمون عساف/الأرض حديقة نعمة بفضل نساء صالحات

80

الأرض حديقة نعمة بفضل نساء صالحات
الأب سيمون عساف/07 تموز/2020

العذراء مريم هي ام، الكنيسة هي ام تعتبر من أهم التلميذات ليسوع المسيح، وتعتبر رمزا للإنسان الخاطئ الذي يتوب ولها مكانة عالية هي أول من ظهر لها المسيح بعد موته حسب ما جاء في إنجيل يوحنا (يو20).

مريم المجدلية لازمت يسوع المسيح في فترة دعوته، ويعتبرها اللاهوتيّون الكنسيّون “المعادلة للرّسل”. هي “مجدلية” نسبة إلى قرية “مجدلا” للصيادين على ضفة بحيرة طبرية من جهة الجليل، ففيها ولدت، وليس في “مجدلا” الأخرى على السفح الجنوبي لجبل حرمون في الجولان. جليلية هي إذاً كأغلب الجماعة التي تشكّلت حول يسوع الناصري.

وجد لغط طويل في تاريخ المسيحية يتعلّق بها، هل هي فقط الإمرأة التي أخرج منها الرّب سبعة شياطين أو أرواح شريرة، بحسب انجيل لوقا، أم هي كذلك الأمر تلك الزانية التي تابت على يد المسيح ثم دخلت في خدمته، أم هي نفسها مريم بنت “بيت عنيا”، أخت اليعازر ومرتا؟

في الأناجيل الأربعة التي جرى تضمينها في “العهد الجديد” نجد مريم المجدلية مشاراً لها بهذا الوضوح، من بين النسوة اللواتي شهدن حادثة صلب المسيح (متى ومرقس).

لكن الأهم، الدور المعطى لها، خصوصاً في إنجيل يوحنا، كونها الشاهدة البصرية الأولى للمسيح القائم من القبر ومن الموت. فيما كانت واقفة عند القبر تبكي، يخبرنا هذا الإنجيل، أن ملاكين بثياب بيض اقتربا منها، وسألاها أمرها، ولما قالت لهم أنهم “أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه” التفتت إلى الوراء فرأته واقفاً يسألها “لماذا تبكين من تطلبين”، وينبهها بأن لا تلمسه “لأني لم أصعد بعد إلى أبي، ولكن إذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى إلهي وإلهكم”.

الصلاة علم وعمل، كلمة بالتبشير وقدوة بالسلوك
كونوا كالحَيَّاتِ حاذِقين وكالحَمامِ ساذِجين
بلغ رجل الله فرنسيس جرّاء انكبابه المستمرّ على الصلاة وممارسة الفضائل، حالة من شفافية الروح، إذ أنّه قد قام، من دون أن يكتسب بالدراسة معرفة الكتب المقدّسة، إنّما مستنيرًا بأشعّة النور الأبدي، بسبر عُمقِ أعماق الكتابات ببراعة مذهلة. فقد وَجَدَتْ روحه الخالية من أي شائبة المدخل إلى الأسرار الخفيَّة، وفَتَحَ حُبُّهُ العاصف الأبواب التي يمرّ أمامها علم كبار المعلِّمين.

طلب منه إخوة في أحد الأيّام الإذن للانخراط في دراسة الكتاب المقدّس، لأولئك الذين قاموا بدراساتهم. أجاب: “أسمح بذلك، شريطة ألاّ يهملوا التمرّس بالصلاة كما أن الرّب يسوع المسيح قد صلّى أكثر ممّا درس كما نقرأ في الإنجيل (راجع لو 11: 1؛ 2: 46). وشريطة ألاّ يدرسوا لكي يعرفوا كيفيّة التكلّم فحسب، بل ليطبّقوا أوّلاً ما قد تعلّموه؛ ومن بعد التطبيق، لكي يعلّموا الآخرين ما يجب أن يفعلوه.

وأضاف: أريد أن يكون إخوتي تلاميذ الإنجيل، وأن يكون التقدّم الذي يحرزونه في معرفة الحقيقة لاحقًا التقدُّم المُحرَز في النقاء والبساطة، بطريقة لا يُفَرِّقوا فيها ما جمعه الربّ بكلمة من فمه المقدّس: “كالحَيَّاتِ حاذِقين وكالحَمامِ ساذِجين”

«مَن سَقى أحدَ هؤلاء الصغار، ولو كأسَ ماءٍ باردٍ لأنّه تلميذ، فالحقَّ أقولُ لكم إنّ أجرَه لن يَضيع»

قالَ الرّب يسوع: “كنتُ غريبًا فآوَيتُموني” (متّ 25: 35). وقالَ أيضًا: “كلّما صَنعتُم شيئًا من ذلكَ لواحدٍ من إخوتي هؤلاء الصغار، فَلي قد صَنعتُموه” (مت 25: 40).

وبما أنّه مؤمن وأخ، حتّى لو كان صغيرًا، فإنّ الرّب يسوع المسيح يدخلُ معه. افتَحْ منزلَكَ واستَقبلْه. “مَن قَبِلَ نبيًّا لأنّه نبيّ، فأجرَ نبيّ ينال”. هذه هي المشاعر التي يجب أن تَنتابَنا عندما نستقبلُ الغرباء: اللهفة، والفرح والكرم. فالغريب يكون دائمًا خجولاً. وإن لم يستقبلْه مُضيفه بفرح، فهو سيَنسحبُ نتيجة الشعور بأنّه مُحتقَر. فإنّ استقباله على هذا النحو المُهين، لهو أسوء بكثير من عدم استقباله على الإطلاق.

إذًا، فليكنْ منزلكَ مكانًا حيث يجدُ الرّب يسوع المسيح مسكنًا له. قُلْ لنفسكَ: “هذه هي غرفة الرّب. هذا هو المسكن المخصَّص له”. وحتّى لو كان المسكن متواضعًا جدًّا، فإنّ الرّب يسوع لن يحتقرَه.

فالرّب يسوع المسيح عريانٌ وغريب؛ وهو لا يحتاج سوى إلى سقف. قدِّمْ إليه ذلك على الأقل؛ لا تكنْ قاسيًا وغير إنسانيّ. أنتَ الذي تظهر لهفة كبيرة للممتلكات الماديّة، لا تكن فاترًا أمام ثروات الروح… أنتَ الذي تخصِّص موقفًا لعربتك، أيُعقَل ألاّ يجد الرّب يسوع المسيح المشرّد مكانًا عندكَ؟

كان إبراهيم يستقبلُ الغرباء حيث كان يقيم وكانَتْ زوجته تعاملُهم وكأنّها الخادمة، وهم الأسياد ولم يدركْ أيّ منهما أنّه كان يستقبلُ الرّب يسوع المسيح والملائكة. فلو علما بذلك، لَتَخلّيا عن كلّ ما كانا يملكانه ونحن الذين نستطيع أن نتعرّفَ إلى الرّب يسوع المسيح، فَلنُظهرْ لهفةً أشدّ من اللهفة التي عبّرا عنها حين استقبلا بشرًا فحسب.