إياد أبو شقرا: طهران تدفع المنطقة إلى خياري الجوع والفوضى/سوسن الشاعر: تحرك جديد ضد إرهاب إيران

103

تحرك جديد ضد إرهاب إيران
سوسن الشاعر/الشرق الأوسط/05 تموز/2020

طهران تدفع المنطقة إلى خياري الجوع والفوضى
إياد أبو شقرا/الشرق الأوسط/05 تموز/2020
لو كان الفقر رجلاً لقتلته. (الإمام علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه).
أقرّ بأن إلمامي بأمور الفقه محدود، وبالتالي، لا يحق لي مجادلة أحد في هذا المجال. وأيضاً، أقرّ بأنني لست مرجعية في الاقتصاد… وإن كنت أزعم معرفة اقتصادية لا تقل عن معرفة الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني به، لكوني درست الاقتصاد في الجامعة، وعشت في دول ناجحة اقتصاديا بشتى المعايير.
ثم إن ما أفهمه عن تعريف السلطة هو صون مصالح الشعب والدفاع عن حقوقه، وعلى رأسها حقه في العيش الكريم. ولهذا السبب – باعتقادي – تقوم المؤسسات السياسية، وتُكتب الدساتير، وتتشكّل الأحزاب، وتُطرح البرامج، وتُنظم الانتخابات كي يقرّر الشعب ما يراه الخيار الأفضل، وعندها تُسنّ القوانين، ويُراقب تنفيذها على أيدي حكومة انتخبها الشعب. وفي نهاية المطاف، تخضع الأحزاب (أو التحالفات) الحاكمة أمام الشعب بعد فترة تعاقدية تداولية متفَق عليها… للمحاسبة الشعبية الانتخابية.
هذه الآلية تسود في دول العالم الكبرى، التي حلت مشاكل التعدّدية والتعايش والحكم الرشيد، ناهيك من صون ساكنيها وحماية مصالحهم ورعايتها. وبفضلها حلّت مشاكل التنوع بـ«مأسسة» التكامل، والخلاف بتنظيم الاختلاف، والتباعد بتوفير فرص للتقارب والتضامن.
في هذه الصيغة، المعتمدة في دول كدول أوروبا الغربية الشمالية والولايات المتحدة وكندا ونيوزيلندا، حيث أرقى مستويات الحياة والسعادة في العالم، لا توجد سلطة تنفيذية تحكم «غيبياً» تحت مرجعية غير منظورة.
ولكن هذه السلطة «الغيبية» تحكم بالوكالة في لبنان، حيث بدأ الناس مواجهة الفقر بالانتحار، وفي العراق حيث خرج إلى العلن صراع الدولة مع «اللادولة»، وطبعاً في إيران حيث بُنيت دولة بقضها وقضيضها على تهميش الإنسان، وتصدير ثقافة الموت إلى قلب العالم العربي.
خلال اليومين الماضيين شهد لبنان بضع حالات انتحار هرباً من غول الجوع، بينما أصحاب القرار في مكان آخر. وأمس، بدأت المماحكات في لبنان تحت وطأة معاناة الناس من الانهيار الاقتصادي والسقوط الحرّ لقيمة العملة المحلية «الليرة». وخرجت إشاعات حول وجود تفكير باستقالة التشكيلة الوزارية، وذلك في محاولة لإضاعة مزيد من الوقت والتعجيل بالانهيار. والحال، أن أي عاقل في لبنان يعرف الواقع المؤلم الذي يُختصر بما يلي:
أولاً، أن المجتمع الدولي يعرف جيداً أن البلد تحت احتلال «قوى الأمر الواقع»، وأن هذه «القوى» مشاركة في مؤسسات الدولة من ناحية، وتملك مؤسسات موازية ومستقلة عنها من ناحية أخرى.
ثانياً، أن هيمنة «قوى الأمر الواقع» على لبنان، أمنياً وعسكرياً واقتصادياً وسياسياً – بل وفي بعض الحالات قضائياً – لا تشجع على خلق مناخ مناسب لأي شكل من أشكال الاستثمار فيه.
ثالثاً، أن المجتمع الدولي يرصد منذ مدة غير قصيرة كيف أخلف لبنان بكل تعهداته المتصلة بالإصلاح المالي والاقتصادي، وذلك تحت «ضغط قوى الأمر الواقع» وابتزازها منذ نحو 15 سنة، وكان آخرها التعهدات بعد مؤتمر «سيدر» (عام 2018). وبطبيعة الحال، تفاقم الوضع أكثر بعد انتفاضة «17 أكتوبر (تشرين الأول)» الماضي التي أطاحت حكومة سعد الحريري الائتلافية… وتسببت في تنصيب تشكيلة وزارية تابعة لـ«حزب الله» وحليفه التيار الوطني الحرّ (التيار العوني).
رابعاً، أن «قوى الأمر الواقع» ربطت فعلياً الوضع اللبناني بالخريطة السياسية والاقتصادية والعسكرية الإقليمية التي تعمل من أجلها. وكان من نتائج ذلك تسارع الانهيار في كل من لبنان وسوريا، التي تحوّل لبنان، منذ بعض الوقت، إلى مركز لغسل أموالها ومتنَفساً – عبر الحدود المفتوحة – لنظامها المعاقَب دولياً، والمحاصَر حالياً بـ«قانون قيصر» الأميركي. وكانت كلمة الأمين العام لـ«حزب الله» الأخيرة لافتة في دعوته الصريحة لتوجّهات اقتصادية بديلة تخرج لبنان من النظام المالي العالمي وترهنه للمعسكر الذي تقوده طهران… بتواطؤ روسي – صيني.
بناءً عليه، أعتقد أن التفاؤل بأي دعم عربي أو دولي في ظل الوضع القائم مسألة غير واردة. والأهم، أن هذا الوضع يوضح أكثر «خطوط المواجهة» بين إيران وأدواتها من جهة، والمواطن اللبناني والعالم العربي والمجتمع الدولي من جهة ثانية.
أما ما يخصّ العراق، فإنه شهد خلال الأيام الفائتة «اختبار قوة» مهماً بين حكومة مصطفى الكاظمي والميليشيات المحسوبة على إيران، ومنها «كتائب حزب الله» العراقي. وبالتزامن تقريباً مع هذا الاختبار، تحدّث ناطق حكومي عراقي عن ضرورة حصر السلاح بالدولة. وهذا موقف متقدم، أيضاً يزيد وضوح «خطوط المواجهة» بين إيران وأدواتها من جهة والمواطن العراقي والعالم العربي والمجتمع الدولي من الجهة المقابلة.
ثم إن ما يزيد من أهمية ما يحدث ورود تقارير من إيران تفيد بأن العقوبات الأميركية المفروضة على طهران، ومعها جائحة (كوفيد – 19)، باتت تؤثر سلبياً على حجم الدعم المالي والعسكري الإيراني لميليشياتها العراقية. ولقد ازداد الحال سوءاً خلال الأشهر القليلة الماضية، مع إغلاق الحدود لمنع تفشي الجائحة.
ووفق بعض التقارير، فإن قسماً من الأموال الإيرانية المُرسلة إلى العراق كان يُرصد عادة لعمليات تشمل شنّ هجمات على الأهداف الأميركية. وقدّر أحد المصادر أنه منذ مطلع العام الحالي تراجع حجم الإمدادات المالية الشهرية المقدّمة لكبريات الميليشيات العراقية من نحو 4.5 أو 5 ملايين دولار إلى ما بين مليونين وثلاثة ملايين دولار.
وهكذا، فرض تراجع أسعار النفط وعجز الميزانية والعقوبات، إلى جانب جائحة (كوفيد – 19)، على طهران الحد من إنفاقها العسكري، وبضمنه مخصصات «الحرس الثوري»، ما انعكس وينعكس على الصورة الإقليمية في العراق ولبنان وسوريا. ولعل هذا ما دفع بريان هوك، المبعوث الأميركي الخاص بشؤون إيران، إلى القول إن العقوبات الأميركية لها تأثير على تمويل إيران للميليشيات، «وتقدم أدلة إضافية على أن حملة الضغوط الأميركية القصوى ناجعة» في حرمان طهران من الإيرادات اللازمة لتمويل وكلائها وأعمالهم المزعزعة للاستقرار في أنحاء المنطقة.
ختاماً، سواءً في العراق أو في لبنان أو في سوريا، أزعم أن لا خلاص إلا بدولة حقيقية.
لا شرعية لسلطة حكم تعجز عن ضمان الحياة الكريمة للشعب، ولا حاجة إلى دولة تتجاهل أسباب معاناتهم، ولا مسوّغ لفكر سياسي لا يفهم «المقاومة» إلا مقاومة حق المواطن في لقمة العيش.

تحرك جديد ضد إرهاب إيران
سوسن الشاعر/الشرق الأوسط/05 تموز/2020
بالنسبة لنا -الدول الخليجية- يعد تمديد واستمرار حظر السلاح على إيران مسألة تقرير مصير، وعدم الاكتفاء بتذكير العالم بعدد الأسلحة التي سقطت أو هُربت على أراضينا ومصدرها إيران، حتى في أثناء فترة منعها من استيراد الأسلحة، فكيف لو سمح لها، أم أنه بإمكاننا أن نستخدم مزيداً من الضغط، وربط مصالحنا ومصالح الدول المترددة بأمننا، من خلال كثير من أوراق القوى الناعمة التي نملكها، كصناديقنا الاستثمارية على سبيل المثال؟! ففي أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ستنتهي المهلة التي اتفق فيها العالم على منع تصدير السلاح لإيران بموجب الاتفاق النووي، لهذا يجوب بومبيو وزير الخارجية الأميركي العالم، ويعقد الاجتماعات الافتراضية مع مجلس الأمن، من أجل تمديد تلك المهلة، واستمرار تعهد العالم بعدم تزويد جمهورية الإرهاب بأسلحة خطيرة تهدد أمن العالم بها.
وكانت الولايات المتحدة قد وزعت في وقت سابق من الشهر الحالي مسودة قرار بهذا الصدد على أعضاء المجلس الخمسة عشر، لكن روسيا والصين اللتين تملكان حق النقض (الفيتو) أشارتا إلى معارضتهما للإجراء.
وقال بومبيو، في اجتماع افتراضي للمجلس: «لا تأخذوا هذا من الولايات المتحدة، استمعوا إلى الدول في المنطقة، من إسرائيل إلى الخليج؛ دول الشرق الأوسط -الأكثر تعرضاً لهجمات إيرانية- تتحدث بصوت واحد (وهو): مددوا حظر السلاح».
لكن السفير الروسي في مجلس الأمن، فاسيلي نيبينزيا، وصف هذا النهج، في كلمته أمام المجلس، بأنه «سياسة الخنق القصوى»، وأضاف: «الهدف هو تغيير النظام، أو خلق وضع تكون فيه إيران عاجزة حرفياً عن التنفس؛ هذا أشبه بوضع ركبة على رقبة شخص»، في إشارة مستترة إلى مقتل الأميركي جورج فلويد في مدينة مينيابوليس، بعدما جثم شرطي بركبته على رقبته.
المتضرر الأول من تصدير السلاح لهذه الدولة الإرهابية لن يكون الولايات المتحدة الأميركية بالدرجة الأولى، بل العالم أجمع، بما فيه روسيا والصين اللتان تهددان باستخدام «الفيتو»، والمستفيد من منعها هو أمن العالم كله؛ هذه رسالة ومهمة يجب أن يتحرك عليها دبلوماسياً الجميع، وأولهم نحن الدول الإقليمية التي وصل لها السلاح الإيراني، وتسبب في موت الآلاف منها. ليس وزير الخارجية الأميركي فحسب، بل حتى أوروبا تعلم أن عليها أن تتحرك لأن الإرهاب الإيراني قد وصل إلى أرضها، فالموقف الأوروبي يميل لتمديد المنع، بعد الخروقات التي يرتكبها النظام، سواء ما يتعلق بالتفتيش النووي أو ما يتعلق بتزايد العمليات الإرهابية الإيرانية في الأراضي الأوروبية، التي تهدف لاغتيال المعارضين خارج الحدود الإيرانية، وعلى الأراضي الأوروبية تحديداً، فقد بلغ عدد تلك الاغتيالات ما يقارب 360 منذ تولى هذا النظام السلطة، وعمَّ 40 دولة.
أما عن دولنا الخليجية، فقد بلغ الجميع مدى مروق هذه الدولة، والتقرير الذي صدر بعد أشهر من التحقيقات من الأمم المتحدة مؤخراً، والذي أعلنه الأمين العام أنطونيو غوتيريش لمجلس الأمن الدولي، أكد أن صواريخ كروز التي هوجمت بها منشأتان نفطيتان تابعتان لـ«أرامكو»، ومطار دولي في السعودية، العام الماضي «أصلها إيراني». وقال غوتيريش أيضاً، ضمن التقرير، بحسب ما أفادت به وكالة «رويترز» الجمعة الماضي، إن عدة قطع ضمن أسلحة ومواد متعلقة بها، كانت الولايات المتحدة قد ضبطتها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 وفبراير (شباط) 2020، هي «من أصل إيراني» كذلك.
وفي جولة براين هوك في البحرين والسعودية، رأى بنفسه أسلحة الدمار التي تصلنا من إيران، ناهيك من تصديرها للأسلحة إلى الميليشيات الإرهابية في اليمن ولبنان وسوريا والعراق، وجميع هذه الأنشطة مكشوفة للعالم أجمع، لكن المصالح الروسية – الصينية من جهة، ومناكفة أميركا من جهة أخرى، والاستفادة من الموقف المتردد في المساومة على المصالح بينها وبين الدول الراغبة في استمالتها، هي ما سيقرر المواقف ويحددها.
نتصور أننا مطالبون بالتحرك شرقاً، وتذكير روسيا والصين بأن لها مصالح مشتركة لا تقل عن مصالحهما مع إيران التي يدافعان عنها حتى لا تختنق!