فارس خشّان: الجوع وخيارات حزب الله… ركز حزب الله على وضعيته كجزء من المجهود العسكري الإيراني في الأمة الإسلامية وأهمل وضعية دولة لبنان التي تحتاج إلى إنقاذ سريع وفعّال

105
A man bakes bread inside a bakery in Sidon, southern Lebanon July 1, 2020. REUTERS/Ali Hashisho

الجوع وخيارات حزب الله …. ركز حزب الله على وضعيته كجزء من المجهود العسكري الإيراني في الأمة الإسلامية وأهمل وضعية دولة لبنان التي تحتاج إلى إنقاذ سريع وفعّال 
فارس خشّان/الحرة/03 تموز/2020

عندما شكّل “حزب الله” الحكومة الحالية، كان مضطرا. لم تكن أمامه خيارات كثيرة. كان عليه، إما أن يرضخ لشروط لا تناسبه طلبها مرشحون “طبيعيون” لترؤس حكومة تحل مكان الحكومة المستقيلة لمصلحة الشارع المنتفض، وإما أن يلجأ إلى حكومة تضمه وتابعيه وحلفاءه، مؤلفة من شخصيات ممسوكة، جرى تمويه حقيقتها السياسية بأقنعة التكنوقراط.

“المرشحّون الطبيعيون” لترؤس الحكومة، كانوا مقتنعين، بفعل الخبرة المرّة، أن كل حكومة لا تتمتّع بميزتين، هي حكومة ستولد ميتة.

الميزة الأولى أن تتشكّل، فعليا لا تمويها، من اختصاصيين مستقلين وذوي خبرة مشهود لها في مجالاتهم، قادرين على التفاعل الإيجابي مع الداخل والخارج.

الجثة الحكومية تتحلّل، وتفوح منها الروائح النتنة، وتنشر في الأجواء أخطر أنواع الميكروبات والفيروسات

الميزة الثانية، أن عدم عداء الحكومة لـ”حزب الله” لا يعني أن على “حزب الله” أن يبقي “متمترسا” مع “الحرس الثوري الإيراني”، بطريقة حوّلت الوعد اللبناني الرسمي بتحييد لبنان عن صراعات المنطقة ومحاورها، إلى سخرية كونية.

ولكن “حزب الله” لم يكن مستعدا لهذا التراجع الذي من شأنه أن يفتح كوّة في الحائط المسدود الذي بدأ يضغط بشكل خطر على لبنان، شعبيا وماليا واقتصاديا واجتماعيا، فهرب إلى الأمام بتشكيل هذه الحكومة من شخصيات تعتبر بالمعايير الديموقراطية “خطرة جدا” لأن لديها الكثير ممّا ترجو ربحه وليس لديها حتى القليل لتخشى خسارته.

في هذا الخيار، ركز “حزب الله” على وضعيته كجزء من المجهود العسكري الإيراني في “الأمة الإسلامية”، وأهمل وضعية دولة لبنان التي تحتاج إلى إنقاذ سريع وفعّال.

“الشرق” للتمويه
وحتى يبرئ نفسه من كارثة “بلا قعر” وقعت فيها البلاد، أطلق الحزب نظرية سمّاها “التوجه شرقا”، أي استبدال الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا والخليج العربي، بكل من الصين وإيران والعراق وسوريا، متبنّيا بذلك، السيناريو الذي سبق واعتمده الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، على سبيل المثال لا الحصر، عندما واجه الولايات المتحدة الأميركية بلجوئه إلى الاتحاد السوفياتي.

وهذا سيناريو لم يوتِ سوى ثمار كارثية في مصر التي كانت مهووسة بالتفتيش عن موارد أسلحة، مع أن العالم كان يعيش في ظلّ ثنائية قطبية شملت بين ما شملت التوجهات الاقتصادية، فماذا يمكن أن تكون عليه الحال في عالم كالذي نعيشه، حيث المشكلة ليست في سباق التسلّح بل في لقمة العيش؟

إن بكين، ولو كانت تحاول أن تنتزع قيادة العالم من واشنطن، إلا أنها في تعاطيها التجاري والاستثماري والتنموي مع دول العالم، تعتمد النظام نفسه الذي يعتمده الغرب، في حين أن سوريا وإيران تعيشان أسوأ أيامهما المالية والاقتصادية والاجتماعية، في ظل عقوبات ضاغطة، بينما العراق يمر بأزمة عميقة على كل المستويات، ويحتاج إلى العملة الصعبة غير المتوافرة في لبنان وإلى الغذاء الذي لا يمكن للبنان أن يوفّره للمقايضة مع الموارد النفطية، بلا توافر عملات صعبة لديه، لأن صناعته تطلّب استيراد مواد أولية كثيرة.

دياب…”الطروادي”
وما طرحه “حزب الله” حتى لا يُدخل تغييرات على وظيفته العسكرية في الإقليم، بدأ رئيس الحكومة حسّان دياب، ومن أجل إطالة بقائه في موقع عرف أن خسارته باتت محسومة، التلويح باعتماده، غداة إقدامه على شنّ هجوم غير مسبوق في تاريخ لبنان على البعثات الدبلوماسية لدول تربطها بلبنان ما سمّاه بنفسه “الأخوة والانتماء والصداقة”، متّهما إياها بالتآمر على البلاد.

وحسّان دياب الذي ينظر إليه بعض الداخل وكل الخارج على أنه “حصان طروادة” لـ”حزب الله” عجز عن نيل موعد واحد في الخارج وعن إقامة تواصل تنسيقي مع أي دولة في العالم، فيما حكومته فشلت في توحيد القوى التي تشكلها على تشخيص واحد للأزمة وأرقامها، مما أضعف موقف لبنان كثيرا أمام وفد صندوق النقد الدولي، ناهيك بما قدّمته هذه الحكومة من أدلة على عجزها عن الإصلاح وتجلّى ذلك، في مناسبات كثيرة، ومن بينها إدارة أكبر ملف هدر في لبنان، وهو الكهرباء، بحيث تراجعت، لمصلحة رئيس الجمهورية، عن قرار رفض إقامة معمل كهربائي مكلف للغاية وغير ضروري أبدا، في بلدة سلعاتا، واعتمدت “المحسوبية” و”المحاصصة” في التعيينات الإدارية والمالية، وأفشلت مساعي مجلس القضاء الأعلى لإصدار تشكيلات قضائية تعيد شيئا من الثقة المفقودة في قضاء متّهم بأنه يتخذ قرارات غب الطلب لمصلحة “حزب الله” هنا ولمصلحة فريق رئيس الجمهورية، هناك.

وأدى تراكم الفشل هذا إلى تدهور كارثي على المستويات المالية والاقتصادية والمعيشية.

ثلاثية “حزب الله”… المنهارة
وإذا كان قد جرى إحباط الانتفاضة الشعبية بالقمع هنا وبالحيلة هناك، فإن البلاد سقطت فريسة الفوضى، بحيث يغير الغاضبون على الشوارع والساحات والوزارات، وسط ارتفاع كبير في معدّل الجريمة والانتحار.

وبرعاية “حزب الله” أصيبت “ثلاثيته” الشهيرة بضرر كبير: الشعب، الجيش و”المقاومة”.

إن الشعب يشكو من مصّ دمائه، والجيش يشكو من “أكل لحمه”، فيما “المقاومة” ـ وهو الاسم الذي يطلقه “حزب الله” على ميليشياته المسلّحة ـ تتباهى بأنها الوحيدة القادرة على توفير الدولارات، حتى بدا أنه لتحيا “المقاومة” بات لزاما أن يموت الشعب ويتضعضع الجيش.

“حزب الله” سوف يذهب بنهجه الى الآخر، بغض النظر عن الكلفة الباهظة على اللبنانيين الذين لا يعيرهم اهتماما أكبر من السوريين والعراقيين واليمنيين والإيرانيين

وهكذا، أصبحت الحكومة اللبنانية جثّة سياسية، لكنّ دفنها مرجأ حتى العثور ـ وهو متعثّر حاليا ـ على من يتولّى هذه المهمة.

وصعوبة إيجاد حكومة بديلة عن “الحكومة المتوفاة”، تكمن في الأسباب نفسها التي أنتجتها.

وفي الانتظار، فالجثة الحكومية تتحلّل، وتفوح منها الروائح النتنة، وتنشر في الأجواء أخطر أنواع الميكروبات والفيروسات.

خيارات “حزب الله”
وهذا يعني أن “حزب الله”، وبنتيجة رعايته لهذه الحكومة، دخل في مأزق حقيقي، فما هي الخيارات المتاحة أمامه للخروج منه؟

البعض يتحدّث عن حرب مع إسرائيل، لكنّ كثيرين يستبعدون ذلك، فالحزب لديه قدرة قتالية وصاروخية، ولكن يفتقد إلى الإمكانات الهائلة التي تتطلبها الحرب نفسيا وشعبيا ووطنيا وماليا، فيما السلطة التي يفترض أن تحمي لبنان، في الأروقة الدولية، ساقطة معنويا.

وإسرائيل “الموحّدة” بحكومة والثرية نسبيا والتي تقيم علاقات مميّزة مع الصين وروسيا، تُدرك ذلك.

البعض الآخر يتحدّث عن “عقلنة” الحزب لما فيه مصلحة لبنان المالية والاقتصادية والمعيشية، ولكنّ كثيرين يستغربون هذا الطرح، فالحزب بعقيدته ودوره ليس لبنانيا، بل هو إيراني بامتياز، وما يأمر به “الولي الفقيه” هو الذي يسري وليس ما تفترضه المصلحة الوطنية.

ويبقى الخيار الثالث، وهو “الهروب إلى الأمام”، أي أن “حزب الله” سوف يذهب بنهجه الى الآخر، بغض النظر عن الكلفة الباهظة على اللبنانيين الذين لا يعيرهم اهتماما أكبر من السوريين والعراقيين واليمنيين والإيرانيين، فجوع هؤلاء مجرد تضحية ضرورية، من أجل انتصار الجمهورية الإسلامية في إيران.