المخرج يوسف ي. الخوري/حكومة فرّيسيّين

165

حكومة فرّيسيّين…
المخرج يوسف ي. الخوري/02 تموز/2020

كفاكم استغباءً لنا، احترموا فخامة رئيسنا الهَرِم، الذي راهن على عهده بتكنوقراطيّتكم، وحقّقوا له إرادته التدقيق جنائيًّا في أفعال مَن أنهكوا الخزينة العامة، “فشّولوا خلقو، فشّولنا خلقنا، عْمِلوا شي” يا فرّيسيّين، يا مَن جعلتم السبت أهمّ من الإنسان.

******
جريمة جديدة تُرتكب بحقّ الشعب اللبناني باسم إسرائيل. فبعد أكذوبة طمع إسرائيل بأرضنا؛ وأكذوبة طمع الإسرائيليّين بمياهنا؛ وأكذوبة طمع إسرائيل بنفطنا، تأتي اليوم أكذوبة شركة “كرول” للتدقيق المالي.

أخبرونا بالأمس أن وزير المال غازي وزني اعترض على طلب الحكومة تكليف شركة “كرول” بالتدقيق المالي في حسابات البنك المركزي، وما حجّة الوزير المذكور إلّا أنّ “كرول” يعمل لديها محقّقون ومدقّقون مرتبطين بأجهزة أمنيّة إسرائيليّة، مما قد يكشف حسابات البنك المركزي للصهاينة.

ما أن وقَعْتُ على هذا الخبر في نشرات الأخبار مساء أمس، حتّى تعرضت لنوبة من الضحك وألم المعدة في آن، ضحِكتُ لسذاجة الوزير وزني، وألمتني معدتي لشعوري كم أنّنا، كشعب، عميان لنقبل بوزير ساذج يسمح لنفسه بالاستخفاف بعقولنا بهذا الشكل!

وبينما أنا في نوبتي المزدوجة، حضر في ذهني فصل من إنجيل لوقا (لو 14/1 – 6) عن شفاء مستسقٍ يوم السبت، حيث “خاطب يسوع علماء التوراة والفريسيّين قائلًا: أيجوز الشفاء يوم السبت أم لا؟ فأطرقوا. فأخذ (يسوع) السقيم بيده، وشفاه، وصرفه. ثمّ قال لهم: مَن منكم يقع ابنه، أو ثوره، في بئر، يوم السبت، ولا يُسارع فينتشله؟ فأعيا عليهم الجواب”.

فيا صاحب المعالي، ويا أصحاب الحكومة، احسبونا، نحن شعبكم المقهور، المسروقة ودائعه في البنوك، المفلس، المُقبل على مجاعة، المفتقد لأدنى شروط الحياة الطبيعيّة، احسبونا بقرة، ثورًا سقط في حفرة، وأشفقوا علينا ونحن نموت.

دعوا شركة “كرول” تقوم بعملها حتّى لو كان كامل طاقمها إسرائيليًّا، إذ ما قيمة حسابات البنك المركزي وشعبي إلى زوال؟!

كفاكم استغباءً لنا، احترموا فخامة رئيسنا الهَرِم، الذي راهن على عهده بتكنوقراطيّتكم، وحقّقوا له إرادته التدقيق جنائيًّا في أفعال مَن أنهكوا الخزينة العامة، “فشّولوا خلقو، فشّولنا خلقنا، عْمِلوا شي” يا فرّيسيّين، يا مَن جعلتم السبت أهمّ من الإنسان.

الفريسيّون أرحم منكم، هم يُنقذون بقرتهم الواقعة في حفرة حتّى لو كان اليومُ يومَ سبت، أمّا أنتم فلا تمانعون موتنا مقهورين بحجة أن أمَلنا في كشف الفساد، مرتبط بمتعاونين مع إسرائيل!

اخجلوا من أنفسكم، هل تصدّقون فعلًا أن إسرائيل هي بحاجة لشركة “كرول” لتدخل إلى “داتا” البنك المركزي اللبناني؟!

إذا كنتم مصدّقين فأنتم أغبياء، وإذا كنتم غير مصدّقين وكسرتم إرادة الرئيس، وحرمتمونا التحقيق في أفعال مَن سَلب جنى أعمارنا، فأنتم في الجرم شركاء.

أتحتاج إسرائيل شركة “كرول” لتدخل إلى “داتا” بنكنا المركزي، وحاكم هذا البنك كشف كل حساباتنا في المصارف للأمريكان، لمّا طبّق علينا قانون “فاتكا”؟!

أتحتاج إسرائيل شركة “كرول” لتدخل إلى “داتا” بنكنا المركزي وهو ملتزم بقانون مكافحة تبييض الأموال ويخضع لرقابة البنك الدولي الذي يمتلك أدقّ التفاصيل عن هذه الـ “داتا”؟!

أتحتاج إسرائيل شركة “كرول” لتدخل إلى “داتا” بنكنا المركزي، وهي التي اخترقت الكترونيًّا أشدّ الأنظمة سريّةً وحمايةً في العالم، من “الوتساب” المحصّن، إلى مصانع الأسلحة الأكثر تطورًا…

إسرائيل، إسرائيل، إسرائيل… “فَلئتوا ربنا بإسرائيل”!

الجيش السوري لا يُعيد الانتشار، للتوازن الاستراتيجي مع إسرائيل.

المقاومة لا تتخلى عن سلاحها، لردع إسرائيل.

تُركّب الملفّات الأمنيّة بتهمة العمالة لإسرائيل.

انتشار الحرائق في الأحراج تسبّبت به إسرائيل.

حتّى مجاعة الـ 14 كانت تقف خلفها إسرائيل…

أعتقد أنّه آن الأوان لتعديل المثل القائل “الحق عالطليان”، واستبداله بآخر أكثر تعبيرًا: “الحق عا إسرائيل”!

أولم يحصل أن شاهدنا أكثر من مرّة اعتداءات أمنيّة، بالكاد يمرّ على وقوعها ساعة، حتّى يخرج المسؤولون والمحقّقون بتأكيدات أنّ وراءها إسرائيل؟!

تذرّون الرماد الإسرائيلي في عيوننا لتُعموا بصيرتنا بإسرائيل لأغراض دينيّة وعقائديّة فات عليها الزمن، لكن في الحقيقة أنتم العميان لأنّكم لا تُدركون أنّ المُتبصّرين والعقلاء لا يتأثّرون بعمى النظر.

مواجهة إسرائيل تبدأ بإجهار الحقيقة: إسرائيل لو كانت لديها أطماع في أرضنا لما خرجت من الجنوب عام 2000. إسرائيل تملك أكبر مخزون للمياه في الشرق الأوسط (ينابيع الجولان) ولا تحتاج مياه الليطاني اللبناني. إسرائيل متعثرة بإيجاد الأسواق لغازها المستخرج حديثًا ولا تحتاج لنفطنا الافتراضي لتسرقه…

فيا سادة،
رحم الله جوزيف غوبلز وسياسات الإعلام المُضلِّل. جِدوا لعُثمان قميصًا من غير صنع إسرائيل، واعلموا أن ليس بالأكاذيب وتضخيم الأمور يُحفظ سلاح مقاومة إسرائيل، ويُحوّل الاقتصاد نحو الواجهة الشرقية للبنان، ويُفتح الباب لعودة الاحتلال السوري إلى البلاد.

ويا فخامة الرئيس،
تعازي الحارة لرهانك على هذه الأحصنة الغلط، ولتضييع آمالنا بعهدٍ يُعيد إلى لبنان العدالة، ويكشف الفساد ويعزّز الحقيقة والحريّة.

إنّه اليوم التاسع والخمسون بعد المائتين لانبعاث الفينيق.