شارل الياس شرتوني/سياسات النفوذ الشيعية وتدمير الجامعة اللبنانية

137

سياسات النفوذ الشيعية وتدمير الجامعة اللبنانية
شارل الياس شرتوني/19 حزيران/2020

قصتي مع الجامعة اللبنانية قديمة ابتدأت عند اخذي قرار ومبادرة تأسيس الفروع الثانية في العام ١٩٧٦ بالتعاون مع الرئيس كميل شمعون ( رئيس الوزراء ووزير التربية آنذاك ) وفريق العمل الذي تشكل في دار العمل*، والعمل فيها كاستاذ في كليتي العلوم الاجتماعية والآداب لما يقارب الاربعين سنة ( ١٩٨١-٢٠٢٠ )، وعملي الدؤوب خلال تسلمي الشؤون التربوية في المناطق المحررة ( كما سميت انذاك، ١٩٨٥-١٩٨٩ ) من اجل تثبيت الفروع، وتطوير شبكة اختصاصاتها وتعاونها مع الجامعات الخاصة، وحماية استقلاليتها الاكاديمية تجاه مداخلات الاحزاب والقوى السياسية العاملة في تلك المرحلة في هذه المناطق، ومحاولات رئيسها آنذاك ( جورج طعمة، ١٩٨٠-١٩٨٨ ) فرض خياراته الشخصية ومصالحه على المسار الاداري، ونجاحي في اقصائها بشكل تام ومواجهة جورج طعمة، وفشلي في تحويلها من فروع ثانية الى جامعة مستقلة بحكم الخلاف الناشىء حول الموضوع مع رئيس الجمهورية آنذاك، امين الجميل ( هذا مع العلم انني تقدمت في عملي بهذا الشأن عندما فاتحت الرئيسين الاقليمي والعالمي لاخوة المدارس المسيحية برنار حبيقة و جون جونستون ( خلال اجتماعات جرت في بيروت وروما في مقر الجمعية سنة ١٩٨٧ )، بشأن تحويل مجمع ال مون لاسال الى قاعدة للمدينة الجامعية الجديدة وأبديا كل الاستعداد للتعاون، واستعمال الملاعب الرياضية المحاذية والتابعة لمطرانية بيروت المارونية من خلال موافقة المطرانين اغناطيوس زيادة وخليل ابي نادر، وتحويل كل التلة الى موقع الجامعة الجديدة من خلال مدرسة الحكمة الناشئة انذاك، واستعمال اراضي كلية الاداب الحالية من اجل تشييد الابنية الجديدة بالتفاهم مع الرئيس الاقليمي للاباء العازريين فريد جبر -وهو استاذ قديم في الجامعة اللبنانية واحد اركانها المؤسسين في الخمسينيات -، والتعاون مع رئيس الجامعة اليسوعية أنذاك، جان دوكروييه، في مجال استحداث كليات الطب وطب الاسنان والصيدلة ).

اما مرحلة ما بعد الحرب، فقد ادخلتنا في ديناميكية جديدة، حاولت فيها سياسات النفوذ المنضوية تحت الوصاية السورية تقليص حريات الفروع الثانية، عبر التصرف بالتعيينات الادارية والجامعية، وفرض التعريب على التعليم فيها، والغائها التدريجي عبر استعمال ريادتها في مختلف المجالات قاعدة لتوحيد الكليات، كما جرى مع الكليات الطبية، واعتماد سياسات التفريع المناطقي مدخلا لتثبيت سياسات النفوذ الاوليغارشية الشيعية والسنية والدرزية، ووضع اليد على مجمع الحدث الجامعي من قبل سياسات النفوذ الشيعية. نجحت الفروع الثانية في الدفاع عن وجودها وحماية خياراتها التعليمية، وفي التعايش مع سياسات النفوذ على قاعدة تخفيف الاضرار واحتوائها.

دخلت الجامعة اللبنانية دائرة سياسات النفوذ الشيعية المباشرة مع نهاية ولاية ميشال عاصي ( ١٩٨٩-١٩٩٢ ) وبداية سلسلة الرئاسات الشيعية من اسعد دياب الى فؤاد ايوب ( ١٩٩٣-٢٠٢٠ )، التي اندرجت ضمن سياسة وضع اليد التدرجية على الجامعة من خلال تقليص دور مجلس الجامعة الاساسي في الحوكمة الاكاديمية، وتحويله الى صندوق ايقاع لسياسات النفوذ الشيعية وصولا الى الغائه الفعلي مع فؤاد ايوب، وتحويل آليات الادارة الجامعية من خلال تعيين مدراء الفروع وعمداء الكليات الى ادوات لسياسات النفوذ المعتمدة بكل مندرجاتها، مدغمة بادارة مركزية مطوعة لخدمتها. لقد امست سياسة وضع اليد على الجامعة اللبنانية نموذجا لسياسات النفوذ الشيعية في البلاد واحدى اهم محطاتها، بالاضافة الى اعطائها صورة مكتملة عن السياسات الزبائنية عبر اثقال الجامعة بسياسة تفريغ خارجة عن كل اصول العمل الجامعي لجهة رصد الحاجات، وشروط واواليات الانخراط، والدرجات والترقيات الجامعية، وتقليص حرية مبادرة الفروع من خلال مركزة القرار الاكاديمي واخضاعه لاملاءات سياسات النفوذ من خلال جهاز جامعي تابع، والتصرف على قاعدة التفاضلية الزبائنية، ومركزة القرار المالي الذي افسح المجال للفساد: مخصصات الرئاسات المتوالية ودوائر النفوذ التي اوجدتها على كل مستويات العمل الاداري والجامعي، اقرار ميزانيات الفروع ، سياسات التلزيم بالتراضي…،.

لا سبيل للاصلاح الجامعي في ظل سياسات النفوذ الشيعية، التي بلورتها صورة رنده بري وهي تقوم بعملية التسلم والتسليم بين عدنان السيد حسين وفؤاد ايوب، ولا امكانية لاستعادة العمل الجامعي المهني والمستقل عن دوائر النفوذ الشيعية الا من خلال اقرار مبدأ الجامعات المستقلة التي تعتمد الاعتبارات المهنية الصرفة اساسا في مختلف جوانب السياسة الاكاديمية، والتي تتعاون فيما بينها من خلال مجلس اكاديمي مشترك يماثل اكاديمية باريس بعد انهاء مركزية جامعة باريس لحساب ثلاث عشرة جامعة مستقلة بعد احداث ١٩٦٨ الطالبية، او جامعات نيويورك وكاليفورنيا…،. واقع الجامعة اللبنانية يوثق بشكل بين استحالة السياسات الاصلاحية برمتها، في ظل املاءات سياسات النفوذ الشيعية وزبائنياتها، كصورة عينية ومكثفة، لما تنطوي عليه السياسات الاوليغارشية في البلاد على تنوع مواقعها واقطابها منذ بدايات جمهورية الطائف حتى يومنا هذا.( راجع دراستي، الجامعة اللبنانية محاور المفكرة الاصلاحية ، مجلة المشرق اليسوعية، حزيران ٢٠١٣ ) .

* ضمت اللجنة : ممثلين عن الجامعة اللبنانية ( سعيد البستاني، عميد كلية ادارة الاعمال، ايلي طراد- عميد كلية التربية، قيصر نصر- عميد كلية العلوم الاجتماعية ، جاك نصر-عميد كلية الفنون الجميلة) ، روجيه شمالي ( مدير عام وزارة التربية والتعليم المهني )، شفيق المعلم ( المستشار القانوني في وزارة التربية )، جوزف جريصاتي (ممثلا عن دار العمل ) ، شارل شرتوني ( نائب رئيس مصلحة طلاب الكتائب وصاحب المبادرة التي انطلقت بالتعاون مع الاب فريد جبر والدكتور سعيد البستاني اثر اجتماع عقد في منزله في ١١ اذار ١٩٧٦، ليلة انقلاب عبد العزيز الاحدب المنسق مع منظمة فتح ).

الاعمال اللوجستية لجهة ايجاد الابنية فقد تمت مع الرهبانيات العازارية ممثلة
بالاب فريد جبر، والانطونية ممثلة بالاباتي مخايل ابو فاضل، والاخت كليمانس حلو.