د. منى فياض: لبنان يحكم بالتلاعب والتورية والبروباغندا…. يذهب إلى سوريا لحمايتنا من الدواعش ومن ثم يحرس باصاتهم المكيفة…

293
Lebanese anti-government protesters wearing protective gear amid the COVID-19 pandemic lift placards demanding the implementation of United Nations resolutions including the disarmament of armed groups in the country, during a demonstration in the capital Beirut, on May 30, 2020. (Photo by ANWAR AMRO / AFP)

لبنان يحكم بالتلاعب والتورية والبروباغندا…. يذهب إلى سوريا لحمايتنا من الدواعش ومن ثم يحرس باصاتهم المكيفة…
د. منى فياض/الحرة/31 أيار/2020

ما الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله فيحرص من جهته على طمأنتنا “أننا سنهزم إسرائيل ونصلي في القدس!”. ومن التعليقات الساخرة على كلامه، انتشر واحد معناه “صل في مسجد في حارة حريك قبل ذلك!”.

من يستمع إلى خطب المسؤولين في لبنان وتصريحاتهم ووعودهم ويقارنها بالأوضاع المزرية والانهيار على مختلف المستويات، سواء الاقتصادية أو البيئية أو الاجتماعية.. يسأل نفسه سؤالا، بررت تأخره الثورة: كيف يمكن لهؤلاء الإمعان بمسرحهم الهزلي السوريالي؟

تضاعفت أعداد العاطلين عن العمل منذ تأليف حكومة حسان دياب، وتضاعف سعر الدولار. ومع ترجيح رفض صندوق النقد الدولي إقراض لبنان، بسبب تضارب مشاريعه السلطة وتقاعس المسؤولين عن إجراء الإصلاحات اللازمة.. يطل علينا رئيس الحكومة في خطبة المئة يوم العصماء ليخبرنا أن “رحلة الإنقاذ بدأت والعالم يراقب بدهشة ما أنجزناه”!

لم نثر ليس دهشة العالم بل استغرابه! لقدرة المسؤولين على التلاعب بعقول اللبنانيين ووجود ومصير لبنان.

المطلوب باختصار بدل التمنيات واقتراحات تنتظر أذونات من بيده الأمر، إنجاز ما يجب تنفيذه. فعوض “الرغبة” بإنجاز القوانين المتعلقة بالقضاء، المطلوب هو العمل على الإفراج عن التشكيلات القضائية دون التدخل فيها، واحترام الحريات العامة أولا بدل الاعتقالات التعسفية والتوقيفات العشوائية. وإجراء التعيينات الضرورية في المصرف المركزي وتطبيق القوانين الموجودة بدل انتهاكها. ناهيك عن ضرورة تقديم خطة بديلة لمهزلة الكهرباء..

وإذا كانت هذه السلطة جادة بالإصلاح فيمكن لها تنفيذ خطوات بسيطة، مثل تعيين الهيئات الناظمة ومجالس الإدارة وتفعيل عمل المؤسسات الرقابية؛ وتقديم خطة تربوية تنقذ مستقبل القطاع التربوي، فأكثر من نصف مدارس الرهبانيات مهددة بالتوقف. وبدل قوانين ضد الفساد فلتنفذ القوانين الموجودة ولتفعل مؤسسات الرقابية الموجودة من أيام فؤاد شهاب.

خيّرنا “حزب الله” بين القمصان السود أو فرض حكومته، بين عون أو لا رئاسة، قانون انتخاب على قياسه أو لا قانون. إقفال مجلس النواب لعامين لمنع الأكثرية من ممارسة حقها في التشريع.

لا يصح عليهم سوى قول: مارتا مارتا، تقومين (هنا تثرثرين) بأشياء كثيرة، بينما المطلوب واحد.

في هذا الوقت يخبرنا رئيس الجمهورية أنه “سيسلم الرئيس المقبل وطنا أفضل مما هو عليه اليوم”!

أما الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله فيحرص من جهته على طمأنتنا “أننا سنهزم إسرائيل ونصلي في القدس!”. ومن التعليقات الساخرة على كلامه، انتشر واحد معناه “صل في مسجد في حارة حريك قبل ذلك!”.

أما وزير الصحة اللبناني حسن حمد، فتتراوح تصريحاته، بحسب الطقس على ما يبدو، يوم نكون قد سيطرنا على كورونا وفي اليوم التالي نعيد الحجر الصحي وهكذا دواليك!

بدورهم، يعدنا وزراء التيار العوني منذ العام 2011 بكهرباء 24 على 24 في الوقت الذي استهلكت فيه خططهم أكثر من 50% من الدين العام. في المقابل كان سعد الحريري قد وعد بتأمين 900 ألف وظيفة. وهو رقم خيالي حتى ولو توفرت أموال سيدر.

كيف لطبقة سياسية أن تستمر بالقيام بهذه الممارسات بهذه البساطة؟
إنه “استغباء المواطنين” كما جسدته تغريدة، أحد رعاة نظام المحاصصة، جميل السيد: “غدا 25 أيار، تحرير الجنوب كان ثمرة تضحيات شعب وجيش ومقاومة ودولة حاضنة لها حينذاك، ولكن، دولتنا لا تزال محتلة من كبار الفاسدين يتقاسمونها من الناقورة إلى النهر الكبير وما بينهما، وهو احتلال أفلس البلد ودمر حياة الناس، رحل الاحتلال الأصغر، متى سيرحل الاحتلال الأكبر؟ قاوموه!”.

نجاحهم، منقطع النظير، ينتج عن براعتهم باستخدام آليات السيطرة التي تتراوح بين: التورية والتلاعب، والبروباغندا: سلاح الحرب النفسية.
تستعمل التورية الكلام مزدوج المعنى. إنه أسلوب في الكلام يسمح الفهم بطريقتين، لإعطاء معنى مزدوج. أحد المعاني واضح بينما الآخر متوارٍ. لأنه قد يكون محرجا، أو يوحي بمعنى مهين أو مخيف، فيعبر عنه مواربة.

والمثال على ذلك خطاب نصرالله الأخير، حيث هدّدنا بالحرب بأسلوب التورية، لم يقل سنعلنها حربا إذا طبقتم القرارات الدولية، بل اكتفى بالإشارة إلى أن حرب 2006 كانت من أجل الإبقاء على هذا الطريق مفتوحا.

أو كلام البعض عن اللامركزية المالية والإدارية، فيما المقصود الفيدرالية بمعنى التقسيم أحيانا.

ثم هناك آلية التلاعب وهو فعل غير محق وغير شريف، يمارس للتأثير على أحد ما وضبط سلوكه، بغفلة منه، لصالح المتلاعب. يعني نكون موضوع مناورة، يقوم بها شخص آخر لنقوم بأمر لا نريده بالضرورة. إنه تعديل مستتر للسلوك. فالمتلاعب يخاف أن ينكشف، أو أن يصبح هشا أو يُحكم عليه.

التلاعب مستمر بواسطة إطلاق ما يسمى “بالونات اختبار” ورصد ردود الفعل للتراجع وانتظار الظروف الملائمة للهجوم. فعندما تلجأ الجهة نفسها صاحبة شعارات اللامركزية، بغير المعنى المتعارف عليه، والمقصود بها الانغلاق والانكفاء، إلى مطلب مناقض: المشرقية أو الانفتاح على الأقليات! هذا تلاعب بين مطلبين متناقضين. كما الحديث عن قضايا عادلة: حقوق المسيحيين، التي تنحصر في معمل في سلعاتا ولا تطال أوقاف مطرانية لاسا. أو شعار حرمان الشيعة، في حين نتركهم يجوعون.

يضعنا التلاعب أمام معضلة الاختيار بين السيئ والأسوأ:
ففي العام 1990 خيّرنا بين ميشال عون رئيسا للجمهورية أو الحرب.
وفي العام 2٠٠٥، تم تخييرنا بين توزير جبران باسيل أو عدم تشكيل حكومة.

أما في العام 2011، فجرى تخييرنا بين القبول بصفقات البواخر أو عدم توفر الكهرباء.

ومؤخرا، يجري ابتزازنا بربط إقرار التشكيلات القضائية مع تعيين المحسوبين على قوى في مناصب مالية حساسة.

و”حزب الله” يغرقنا بمعضلات التلاعب طوال الوقت ومنذ التحرير الذي اعتبر في البداية مؤامرة ورفض الاعتراف به إلا بعد شهر! ثم صار يحتفل به سنويا.

رغم ذلك يعتبر أن لبنان لا يزال بلدا محتلا بسبب مزارع شبعا التي لا يريد النظام السوري الاعتراف بلبنانيتها! لأن هذا يسمح له باستغلال شعار الحق بالمقاومة وتحرير الأرض!

يذهب إلى سوريا لحمايتنا من الدواعش ومن ثم يحرس باصاتهم المكيفة…

ناهيك عن تخييرنا بين القمصان السود أو فرض حكومته، بين عون أو لا رئاسة، قانون انتخاب على قياسه أو لا قانون. إقفال مجلس النواب لعامين لمنع الأكثرية من ممارسة حقها في التشريع.

في جميع هذه الأمثلة تعرض اللبنانيون للتلاعب بدرجات متفاوتة. أجبروا على القبول بما يحقق حاجات المتسلطين ضد مصالح الوطن.

لماذا نخضع للتلاعب؟
نخضع للتلاعب تحت تأثير قوتان كبيرتان: تجنب العذاب والبحث عن المتعة.

ينجح المتلاعب بتحفيزك على فعل ما يريد لأنه يمس وترا حساسا لديك ويتسبب لك بعدم الارتياح وبانفعال غير مرغوب. لا أحد يحب أن يتعذب ولا أن يشعر بالذنب ولا بالخوف ولا بانعدام الأمن أو العجز أو الشك… يُتلاعب بنا لأننا نريد تجنب كل ذلك. خضع اللبنانيون لخوفهم من العنف المختبئ خلف تلك الشعارات، ممن يملك السلاح:
لعدم إراقة الدماء وللحفاظ على الاستقرار ولمقولة نمد يدنا لبعض أو القبول بمسلسل طاولات الحوار، ووعود الإصلاح بتأبط ملفات محاربة الفساد وخطط الكهرباء… وتم شراء اللبنانيين بعدم رفع الضرائب وتثبيت سعر صرف الدولار.

والتلاعب مستمر بواسطة إطلاق ما يسمى “بالونات اختبار” ورصد ردود الفعل للتراجع وانتظار الظروف الملائمة للهجوم. ومنها مسرحيات تحركات “الأهالي” المفضوحة؛ أو بالون تصريحات المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان، الذي تبرع بالتعبير عن لسان حال منظومة تؤمن بالدولة الإسلامية للمطالبة بدولة مدنية! فقبلان يعطينا دروس في النزاهة ناسيا طريقة تعيينه المشكوك بشرعيتها كما فضائح الفساد في سياسات المؤسسة التي ينتمي إليها.

ليتنا نتحلى ببعض الصبر كالثوار العراقيين الذين يتسمون بالمثابرة وعدم اليأس، ونثق بقدرة شباب وشابات لبنان على التغيير يسهل التلاعب بنا عندما نخاف أو لا نتمتع بالثقة بالنفس ولا نعرف ما نريد. أيضا بسبب الشك والشعور بالذنب تجاه من يحرد (وهو نوع من العدوانية السلبية) من أمر ما يجعلك تتراجع وتقول إنك لا تقصد، مخافة أن تتهم بالأنانية أو عدم الكفاءة أو الجحود.

في حالة التلاعب هناك أيضا الخوف من خسارة مزايا معينة: العطف أو الاحترام أو المزايا المادية أو حتى العمل. لأن التلاعب يستفيد من مبدأ البحث عن المتعة أيضا. فتخضع للمتلاعب لتلويحه لك بربح معين ما: جذب انتباهه والاعتراف بك أو الحصول على مركز أو مصلحة مادية أو مهنية أو الوصول إلى الأهداف والحصول على نتائج مرجوة أو مكافأة ملموسة. وهذا يفسر الزبائنية وجيش الموظفين الذين تم حشوه في الإدارات.

هذا الآليات تحكمت بالسياسات اللبنانية منذ العام 2000، عام التحرير، وحتى الآن بشكل فاضح.

تصف عين رند، في روايتها “الإضراب”، آلية التلاعب، عندما تريد التحايل على أمر ما، استخدم أي تسمية، لتكن “سيكولوجية قهوة التجارة”. عبارة عشوائية لا تعني شيئا، لكنها كلمة سر ومجرد تسمية للالتفاف لأنه “من غير الضروري تسمية الأشياء بأسمائها، لأن الكلمات نسبية وهي مجرد رموز. وإذا كانت الرموز المستعملة غير بشعة، إذن لا يوجد بشاعة”!

انتهى الزمن الذي نجحت السلطة فيه بالتلاعب بالعقول. والدليل ردة فعل اللبنانيين على عدم احتواء البلوك رقم 4 بالبترول، فبدل الشعور بالخسارة على خبر “سيء”، انفجرت النكات والتعليقات الساخرة والهازئة والشامتة.

لكن ليتنا نتحلى ببعض الصبر كالثوار العراقيين الذين يتسمون بالمثابرة وعدم اليأس، ونثق بقدرة شباب وشابات لبنان على التغيير؛ بدل الحديث اليائس قصير النفس: لننكفئ إذ لا شيء يتغير، أو عندما يفتح المطار سنرحل.