ميشال قنبور/الأيقونةُ بَشير والمُجْرِم حَبيب والقاضية هِبة

254

الأيقونةُ بَشير والمُجْرِم حَبيب والقاضية هِبة
ميشال قنبور/ليبانون ديبايت/السبت 30 أيار 2020

تسيلُ المَحَابر وتلهثُ الألسن ليل نهار لتشويه ذاكرة مجتمع آمَنَ بالرئيس الشهيد بشير الجميل وحلمه بالـ “10452 كلم 2″، خالية من الاحتلالات السورية والفلسطينية والإسرائيلية، وبوطنٍ يفتخرُ به ابناؤه ولا يخجل منه تاريخه، وطن مقاوم، حرّ، مُستقل بقراراته، غير تابع، غير مُقسَّم، وعصيّ على الهضم.

وليس بالضرورة ولا هو مطلوب أن يتبنَّى جميع اللبنانيين واللبنانيات نظرة موحدة إلى الرجل وبخاصةٍ أن فترة صعوده واستشهاده كانت خلال تفكّك الوطن وغرقه في حرب أهلية.

ولكن مهما كانت الإختلافات في تقييم الأحداث والاشخاص فلا يجوز أبداً تزييف الحقائق الدامغة بأن بشير الجميل سقط شهيداً للجمهورية وهو رئيسها المُنتخب وقاتِله هو المُجرم حبيب الشرتوني المحكوم بالإعدام من أعلى سلطة قضائية في لبنان.

وفي طريق البحث عمَّن أوكلت إليهم مهمة تشويه هذه الذاكرة نَجد رئيس تحرير جريدة الأخبار إبراهيم الأمين، ونتوقف عند إحدى مقالاته التي كانت محط شكوى قضائية تحت عنوان “البطل حبيب والخائن بشير”، حيث لم يكتفِ “الأمين” بقلب الوقائع بل بلغ به الأمر إلى حدّ توزيع تهديداته التي لم تستثنِ القضاء.

وكتب الأمين في ذلك المقال “من يشارك في ملاحقة “الأخبار” في قضية حبيب، مهما كان موقعه أو اسمه، سنعتبره مُنتمياً إلى فريق “الاحتلال الإسرائيلي وعملائه….”.

والمفاجئ هو صدور الحكم عن محكمة المطبوعات في بيروت برئاسة القاضية هبة عبد الله بتاريخ 30 نيسان 2020 ببراءة الأمين وجريدة الاخبار من جرْمَي القدح والذم.

وإذا كان مفهومًا سبب إنخراط “الأمين” ومن يموّله ويُحرِّكه في مشروع تدمير صورة بشير، السؤال البديهي: لماذا ينحاز القضاء وقضاته إلى هذا الفريق ويصدرون أحكاماً تُجافي العدالة والمنطق والأدهى انها صادرة بعد تهديد.

ولتبرير وصف رئيس جمهورية لبنان المُنتخب بمجرم حرب، وقاتل، وسفّاح، وخائن، استندت القاضية عبد الله إلى أن ذلك “يعكس بالتالي رأي شريحة من المجتمع وينمّ عن لسان حالهم”.

وتناست القاضية عبدالله أنها بذلك تكون قد ابتكرت مبدأً قانونياً خطيراً يقوم على عمليات الاحصاء، فلو كانت العبارات المستخدمة جرمية ولكن بما انها تعكس رأي شريحة معينة من المجتمع فلا تعود تلك العبارات جرميّة.

وخالفت القاضية عبدالله في حكمها مواداً صريحةً من قانون المطبوعات وبالتحديد المواد 2 و3 و17 و20 و21 و26، بالإضافة الى مخالفة المبدأ القانوني: “لا اجتهاد في معرض نص قانوني صريح”.

ووفق ما تقدَّم يظهرُ جليًّا عدم قيام القاضية عبدالله بمهمّتها بحيادية واستقلالية، بل أدخلت آراءها الشخصية في متن الأحكام التي أصدرتها فتكون بذلك قد انتهكت مبدأ حياد السلطة القضائية.

ولا بدَّ من التذكير بقول للناقد الأدبي الفرنسي “Anatole France”: “عظمة العدالة تَكمُن كاملة في أي حكم صادر عن القاضي بإسم الشعب السيد”، فعند صدور الأحكام بإسم الشعب اللبناني يفترض الأخذ في الحسبان مصلحته، وما يراه أنه يحفظ أمنه واستقراره، والأهمّ ما لا ينتهك كرامته، وتاريخه.

والإشكالية الحقيقية تكمُن في أنّ القاضية عبد الله قد حَكمت بإسم آراء، وأهواء، ومعتقدات شخصية، فهل تكون بذلك فاقدة للصفات المتوجّب على القاضي التَمتُّع بها لكي يُصدر حكمًا بإسم الشعب اللبناني؟

في النهاية أَلسنا جميعنا مع الحقيقة بغضّ النظر عمَّن يَنطق بها، ومع العدالة بغضّ النظر مَنْ معها ومَنْ ضدّها! فعندما لا يُطبّق القاضي النص ولا يُحقّق العدل، فأي دورٍ يلعب؟