كلام المفتي أحمد قبلان الملالوي والفتنوي والمذهبي واللالبناني واللاقانوني و 4 ردود عليه/بشارة شربل: أرنب الشيخ قبلان/أنطوان مسرّة: جهل كامل لمفهوم الميثاق/زياد عيتاني: حزب الله بلسان قبلان للمرشّحين الرئاسيين: كرسي بعبدا ثمنها مؤتمر تأسيسي/مصطفى فحص: انقلاب على الصيغة والجمهورية

182

كلام المفتي أحمد قبلان الملالوي والفتنوي والمذهبي  واللالبناني أو قانوني و 4 ردود عليه/بشارة شربل: أرنب الشيخ قبلان/أنطوان مسرّة: جهل كامل لمفهوم الميثاق/زياد عيتاني: حزب الله بلسان قبلان للمرشّحين الرئاسيين: كرسي بعبدا ثمنها مؤتمر تأسيسي/مصطفى فحص: انقلاب على الصيغة والجمهورية

*أرنب الشيخ قبلان/بشارة شربل/نداء الوطن/27 أيار/2020

*أنطوان مسرّة عن كلمة قبلان لـ”أساس”: جهل كامل لمفهوم الميثاق
إيلي القصيفي/اساس ميديا/الأربعاء 27 أيار 2020

*حزب الله بلسان قبلان للمرشّحين الرئاسيين: كرسي بعبدا ثمنها مؤتمر تأسيسي/زياد عيتاني/اساس ميديا/الأربعاء 27 أيار 2020

*لبنان… انقلاب على الصيغة والجمهورية
مصطفى فحص/الشرق الأوسط/26 أيار/2020

********
أرنب الشيخ قبلان
بشارة شربل/نداء الوطن/27 أيار/2020
لم ينطق الشيخ احمد قبلان الا بما أوحي له به.
فلا هو مفكر سياسي ولا استاذ علم اجتماع ليُفتي بأن صيغة بشارة الخوري – رياض الصلح عفّى عليها الزمن، أو ليجتهد بمزايا “الدولة المدنية” على انقاض كيان لا يعتبره الا صنيعة الاستعمار.
الشيخ قبلان صدى “الثنائي الشيعي” لصاحبه “حزب الله”.
يبوح بالمكنونات أو بالتهديدات، ثم يظهر في إثره “عقلاء” الحزب يشيعون أجواء تهدئة النفوس، او نائب كومبارس حليف يخفف من وقع أقواله، بالتوازي مع تسريبات عن “استياء” رئيس مجلس النواب، فتصل الرسالة بفجاجتها الى من يعنيهم الأمر، ويتحول المرسل عازفاً عابراً ليس في بال.
أسوأ ما في رسالة الشيخ قبلان ان العبوّة الصوتية التي وافق على تفجيرها قادرة على إحداث “نقزة” طائفية ومذهبية واستثارة رغبات دفينة، تتحدث عن الدفع المتفاوت للضرائب وفشل العيش المشترك بين “المكونات” وحسنات “التباعد” على كل المستويات.
البحث في صيغة جديدة لحكم البلاد سواء لامركزية او كانتونية او فيدرالية ليس من المحرمات، لكن المهم الصراحة وليس المواربة، والأهم التوقيت المناسب لهذه الطروحات، خصوصاً أن المطلوب اليوم بإلحاح احترام الدستور واستعادة الدولة وقضائها المستقل ومؤسساتها الرقابية وتأمين رغيف الخبز، قبل افتعال نزاع حول شكل النظام ومصالح الطوائف أو المجموعات.
لا يعبّر الابتزاز بالأكثرية العددية وتهديد “حزب الله” بالانقلاب على صيغة اتفاق الطائف عن قوة “الحزب” وضيقه بنظام سياسي لم يستطع ان يترجم فيه ترسانته العسكرية، بل يعبّر عن “حشرة” استثنائية وضع نفسه فيها.
فـ”الحزب” الذي وصل الى أقصى ما يستطيعه من تأييد وقوة في البيئة الشيعية بدأ يتوجس ريبة، ويخشى ان يطرح مصير سلاحه مع الاستحقاقات الاقليمية الداهمة ومع ازدياد خطورة الوضع الداخلي الناجم عن الانهيار الاقتصادي، والذي لا يستطيع الهروب من المسؤولية عنه بفعل تحريكه حكومة الدمى وتحالفه مع منظومة الفساد.
لمن خانته الذاكرة: زمن الاحتلال السوري كان الرئيس بري يبادر فوراً الى اخراج أرنب “إلغاء الطائفية السياسية” كلّما اشتدت المطالبة المسيحية بانسحاب الجيش السوري، طبقاً لاتفاق الطائف وباسترجاع السيادة المفقودة…
ومنذ مغادرة الجيش الشقيق تولى “حزب الله” المهمة ملوِّحاً مراراً بورقة “المثالثة”، ردّاً على المناداة بإقرار استراتيجية جدّية للدفاع.
دولة الشيخ قبلان “المدنية” أرنبٌ استعاره “حزب الله”.
يطلقه للتصدي للحلفاء الانفعاليين والانتهازيين الملوحين بالفيدرالية، ويستخدمه للردّ على مطالبة الجيش بإقفال المعابر، كونها احد أهم رموز السلطة الرديفة، والدور الاقليمي، والسلاح.

أنطوان مسرّة عن كلمة قبلان لـ”أساس”: جهل كامل لمفهوم الميثاق
إيلي القصيفي/اساس ميديا/الأربعاء 27 أيار 2020
لا يكاد يمرّ يومٌ في لبنان إلّا ويحمل معه مفاجأة. ومن سوء طالع اللبنانيين أنّ مفاجآت بلدهم هذه الأيام تغلب عليها السلبية، ليس بالنظر إلى تردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وحسب، بل أيضاً إلى اختلال الحياة السياسية التي يفترض أن تستند إلى الدستور وقواعد العقد الاجتماعي، والتي أبرزها “الميثاق” التأسيسي للبنان، لكن ما يحصل هو العكس تماماً.
إذ يكاد لا يصدر تصريحٌ يشكّك في الدستور والقواعد هذه، إلّا ويتلوه آخر أشدّ طعناً فيهما منه. هذه كانت الحال خلال الأيام القليلة الماضية، فما لبث رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل أن دعا إلى تطبيق “اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة”، بخلاف ما ينصّ عليه اتفاق الطائف لجهة حصر اللامركزية بالصفة الادارية، حتّى سارع الوزير السابق ملحم الرياشي إلى المطالبة بـ”الفدرالية الجغرافية”. وما هي إلّا أيام قليلة حتّى أطلّ المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان بكلمة مكتوبة لمناسبة عيد الفطر السعيد، ليطعن بـ”أصل نشأة لبنان”، ويتهمّ الدستور بـ”الفساد”، ويعلن رفضه وثيقة الوفاق الوطني. إذ اعتبر أنّ “أصل نشأة لبنان تمّ على أساس طائفي واستبدادي”، وأنّ “هذه الصيغة قد انتهت، وما قام به (الرئيسان) بشارة الخوري ورياض الصلح لم يعد يصلح لدولة إنسان ومواطن، بل أيضاً مرحلة وانتهت”. وإذ رأى أن “البلد سقط، لأن دستوره فاسد”، قال بـ “الفم الملآن”: “لا للطائف (…)”.
إقرأ أيضاً: حزب الله بلسان قبلان للمرشّحين الرئاسيين: كرسي بعبدا ثمنها مؤتمر تأسيسي
كلام المفتي قبلان هذا، يرى فيه عضو المجلس الدستوري السابق أنطوان مسرّة، “نقضاً جذرياً وشاملاً لكلّ التراث الفكري اللبناني، ولمعالم الفكر الشيعي اللبناني الميثاقي والكياني، وكذلك للتراث العربي الإسلامي في إدارة التعدّدية منذ عهد المماليك”.
مسرّة، أحد أبرز المراجع الدستورية في لبنان، يقول لـ”أساس” أنّ المهمّ “ليس ما أقوله انا، في هذا الصدد، لكن ما يقوله الإمامان موسى الصدر ومحمد مهدي شمس الدين والسيّد هاني فحص، في قبورهم واستشهادهم، وما يقوله الرئيس نبيه بري الذي نال جائزة الرئيس إلياس الهراوي للميثاق اللبناني. وهي الجائزة التي أعطيت أيضاً لفؤاد بطرس، وميشال إده، وغسان تويني”. ويضيف: “لقد تكلّم المفتي قبلان بصفة رسمية ومن موقع مسؤول، ولذلك يجب أن يردّ على كلامه مرجعٌ رسميّ ومسؤول من الشيعة اللبنانيين”.
مسرّة يذكّر الشيخ قبلان “بكلام الإمام الصدر عن أنّ نجاح التجربة اللبنانية ثروة لوطننا وللعالم المتحضّر وللفلسطينيين، وأيضاً بأنّ الصيغة اللبنانية هي، تاريخياً، نقيض الصهيونية التي تعتبر أنّ لبنان خطأ تاريخي وجغرافي، وهو غير قابل للاستمرار”
وفي معرض تعليقه على كلام قبلان، يؤكدّ مسرة أنّ “مواقف المفتي تنمّ عن ضبابية فكرية شاملة، إذ تعبّر عن جهل كامل، للأسف، لمفهوم الميثاق في التاريخ المقارن والعلم الدستوري المقارن”. ويشرح: “المواثيق في التاريخ اللبناني وفي تاريخ دول عدّة كسويسرا والنمسا، والبلدان المنخفضة، هي سياق سياسي ودستوري للبناء القومي للدول، على إثر حروب أهلية تقع فيها. وهي نقيض السياق العنفي والدموي للبناء القومي انطلاقاً من مركز قوي وامتداداً إلى الأطراف. ولذا، فإنّ الطعن بميثاق 1943 واتفاق الطائف عام 1989، هو طعن بأهمّ قواعد البناء القومي اللبناني والسلم الأهلي”.
وللدلالة أكثر على أهميّة كلٍّ من “الميثاق” و”الطائف”، يقول مسرّة إنّ “مضمون الميثاق هو العيش المشترك الإسلامي المسيحي، وتجنّب العزل الدائم للجماعات الدينية والثقافية، والعروبة المستقلة ضمن سيادة الدولة”. ويشير إلى أن “وثيقة الوفاق الوطني هي إنتاج لبناني أصيل كثمرة أوراق ومداولات ومناقشات بين سنوات 1975 و1989. ولذا، فإنّ نكرانها هو بمثابة نكران للتجربة اللبنانية، ولخبرة عباقرة الدستور اللبناني الذين ما تنكّروا للتجربة العربية الإسلامية في إدارة التعدّدية، بل بنوا عليها”.
مسرّة يذكّر الشيخ قبلان “بكلام الإمام الصدر عن أنّ نجاح التجربة اللبنانية ثروة لوطننا وللعالم المتحضّر وللفلسطينيين، وأيضاً بأنّ الصيغة اللبنانية هي، تاريخياً، نقيض الصهيونية التي تعتبر أنّ لبنان خطأ تاريخي وجغرافي، وهو غير قابل للاستمرار”.
أضف إلى ذلك، أنّ كلام المفتي قبلان عن الدستور يفترض، بحسب مسرّة، أنّ “السياسيين اللبنانيين لا يقومون بأيّ عمل إلا استناداً إلى الميثاق والصيغة والدستور. وهذا افتراض خاطئ، لأنّ الدستور لا يطبّق كما يجب، ولكي نعدّل فيه يفترض أن نكون قد طبّقناه وهو ما لم يحصل”. ويكمل: “دستورنا غير طائفي في نصوصه، وينصّ على مبدأ الكفاءة في المادة 12 منه، كما أنّ الزبائنية موجودة في بلدان لا طائفية فيها. كذلك هناك تضخّم تشريعي في لبنان مقابل معضلة حقيقية في تطبيق القوانين، إذ لا يوجد قانون واحد مطبّق بشكل كامل أو من دون تحريف، فكيف نشكّك بالقوانين اللبنانية ما دامت لا تطبّق؟”.
ويختم مسرّة بالإشارة إلى مفارقة غريبة، إذ أنّه “في وقت تطالب الحكومة اللبنانية بدعم اقتصادي من صندوق النقد الدولي والدول المانحة لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية، يصدر كلام عن المفتي قبلان يعطي انطباعاً بأننا نعيش في دولة قيد التأسيس. وهو ما يضعف موقف الحكومة تجاه مفاوضيها، ويعزّز مخاوف اللبنانيين من دخول بلدهم في الفوضى”.

حزب الله بلسان قبلان للمرشّحين الرئاسيين: كرسي بعبدا ثمنها مؤتمر تأسيسي
زياد عيتاني/اساس ميديا/الأربعاء 27 أيار 2020
إذا أسقطنا من خطاب المفتي الجعفري أحمد قبلان بمناسبة عيد الفطر، كافة العبارات اللفظية التي يتفق عليها الجميع، من “عيش مشترك” و”عدالة اجتماعية” وسياسية و”محاربة الفساد”، فإنّ كلمة الشيخ قبلان هي دعوة صريحة وواضحة إلى الانقلاب على الصيغة اللبنانية وعلى الدستور اللبناني الذي أرخي بتعديلاته عبر اتفاق الطائف. لقد دعا الشيخ قبلان إلى إسقاط “الميثاق الوطني” الذي أرساه رجال الاستقلال الأول وعلى رأسهم الرئيس بشارة الخوري والرئيس رياض الصلح، مع الإشارة إلى أنّ هذا الميثاق قد بات من الماضي بعد إقرار الطائف كدستور، وهذا الأمر لا يجهله قبلان بقدر ما أراده بوابة للعبور إلى المطالبة بإسقاط الطائف، معتبراً إياه استكمالاً لميثاق بشارة الخوري ورياض الصلح. والهدف هو المطالبة بميثاق لبناني جديد.
كلام المفتي ليس موقفاً فردياً ولا مصادفة إن من حيث مضمونه أو من حيث توقيته.
في التوقيت يأتي كلام الشيخ قبلان في مرحلة دقيقة ومصيرية يعيشها لبنان عامة والشيعية السياسية التي أرساها حزب الله في السنوات الأخيرة والتي تأتي ضمن القواعد الشيعية التي تقودها إيران.
جاء الموقف على لسان المفتي قبلان تحديداً من موقعه كمفتٍ جعفري ليُصوّر على أنه موقف الطائفة الشيعية برمّتها وليس موقف حزب الله، كقابض على الموقف الشيعي في هذه المرحلة. لا لُبس في أنّ أيّ موقف شيعي سياسي أو روحي لا يمكن أن يظهر بهذا الشكل بعيداً عن موافقة حزب الله، لا بل ومن صياغته في الشكل وفي المضمون.
اللافت في موقف المفتي قبلان ودعوته لإسقاط الصيغة اللبنانية الحالية أنها تأتي مباشرة بعد الشائعة الواسعة المتعلّقة بالوضع الصحي لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون. هناك استشعار، لا بل إدراك، بأنّ المرحلة المقبلة مليئة بالاستحقاقات وعلى رأس هذه الاستحقاقات ملف رئاسة الجمهورية.
كلام المفتي قبلان يرسم معالم الصفقة التي يريد حزب الله الوصول إليها عبر هذا الملف. باختصار دقيق: لا انتخابات رئاسية إلا باتفاق جديد يُسقط الطائف ويرسي دستوراً جديداً لحكم لبنان.
هي رسالة لكلّ مرشح إلى رئاسة الجمهورية مفادها أنّ دعم حزب الله لهذا المرشح أو ذاك يستند على قبول الرئيس المقبل بهذه الصفقة، التي يعلم الجميع تفاصيلها وشعارها الذي يقول بـ”المثالثة”. هي رسالة إلى جبران باسيل وسليمان فرنجية وكلّ ماروني يحلم بكرسي رئاسة الجمهورية.
خطورة ما يفعله حزب الله، أنه يسعى إلى تسوية على قياسه وليس على قياس الوطن أو حتى على قياس الطائفة الشيعية، التي يقبض على قرارها
لكن من يقبل بهذه الصفقة من الشخصيات المارونية الطامحة بالرئاسة؟ وإن قبل أحد ما بذلك، ما هو موقف باقي الشركاء وعلى رأسهم السُنّة والدروز؟
ولعلّ السؤال الأقسى والأصعب هل يعتبر حزب الله السُنّة والدروز معنيين بهكذا صفقة أم أنهم خارج المعادلة الوطنية؟
على هامش كلّ ذلك، معمل سلعاتا لا يبدو مجرّد معمل لتوليد الطاقة الكهربائية، بقدر ما هو تحضير للبنان الجديد الذي يبدو أن هناك من يقتنع به عند المسيحيين وتحديداً من الموارنة. هو معمل لإنتاج رئيس جديد للجمهورية بمواصفات مغشوشة تماماُ كالفيول المغشوش. إنه رئيس مغشوش لجمهورية مغشوشة.
خطورة ما يفعله حزب الله، أنه يسعى إلى تسوية على قياسه وليس على قياس الوطن أو حتى على قياس الطائفة الشيعية، التي يقبض على قرارها. فالطائفة الشيعية أكبر من هكذا تسوية، هي طائفة رحابها الوطن كما عبّر عن ذلك الإمام موسى الصدر في كثير من المحطات. وكما أكد على ذلك الإمام محمد مهدي شمس الدين في أكثر من مناسبة ومقال وكتاب. طائفة تمتلك فكراً خلاقاً مبدعاً كفكر الإمام محمد حسين فضل الله تقول أنّ الدولة لا يمكن أن تكون دويلة لأنّ الأوطان تنتهي عندما يعتقد فريق ما أنه قادر أن يجعلها على مقاسه ومقاس مغامراته.
هذا في المبدأ أما بالتفاصيل فلا أحد في لبنان قادر على فرض صيغة، لا حزب باشتباكه مع المجتمع الدولي وبارتباكه مع المجتمع اللبناني الداخلي، فضلاً عن أحلام “الفيدرالية” عند التيار الوطني الحر التي لن تجد في الجغرافيا سنداً ولا في التاريخ حليفاً.

لبنان… انقلاب على الصيغة والجمهورية
مصطفى فحص/الشرق الأوسط/26 أيار/2020
جرت العادة أن يكتب المنتصر التاريخ، وفقاً لشروطه، وعندما تفيض قوته ويتمكن، يحاول إعادة كتابة التاريخ بصيغة جديدة تلبي طموحاته. وفي الحديث عن الصيغة، لم تعد الصيغة اللبنانية ملائمة لحضور الثنائية الشيعية («حركة أمل» و«حزب الله») في الدولة، وبات من الضروري لديها في مرحلة إقليمية ومحلية محتدمة ومجهولة المصير استعجال هدم ما تبقى من دولة الاستقلال (1943) وملحقاتها في «اتفاق الطائف» (1989). ولتحقيق هدفها لم تتردد الثنائية باستخدام لغة انقلابية للمطالبة بإعادة صياغة الجمهورية والدولة، وفقاً لقياساتها الطائفية والحزبية، وهي تُشرع لنفسها الاستقواء على الداخل المعترض بخارجها المندفع، والاستقواء على الخارج المعارض بداخلها المتصلب. لكن وإن تسترت بقوتها وصلابتها، فإنها تقر ضمناً بأن ثابتها الداخلي يرتبط بخارج متحول، وهو ما قد يعرضها لخسائر خارجية وداخلية، خصوصاً إذا راهنت على عامل القوة فقط كما فعل من سبقها ممن رجحوا القوة على التسوية المعقولة.
عشية الحرب الأهلية 1975، أخطأ اليمين المسيحي في صراعه مع اليسار على الدولة والسلطة، عندما اختزل القضية اللبنانية بقضية الطائفة، واختزل الطائفة بالحزب، واختزل الحزب بالشخص، واختزل الأخير مصلحة الحزب والمذهب والطائفة والمجتمع والدولة والوطن بشخصه، وبعد 45 سنة على ذلك التاريخ المشؤوم، لم تتعلم الطوائف الصاعدة من تجارب من سبقها، وتُصر على تكرار الأخطاء ذاتها، وتلجأ إلى خيارات انقلابية دفاعاً عن امتيازاتها، وتعيد طرح أسئلة وجودية محقة نسبياً في مضمونها لكنها خطيرة في جوهرها.
مما لا شك فيه أن انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول)، دفعت الطوائف الحاكمة ليس فقط للدفاع عن امتيازاتها، بل إلى القلق على مستقبلها، بعد أن طرح اللبنانيون مقاربة جديدة للجمهورية الثالثة تستعيد فيها الدولة وظيفتها وتضع حداً لوظيفة الطوائف. ولم تتردد أدبيات الانتفاضة عن طرح السؤال الأكثر تعقيداً الذي يتعلق بوظيفة لبنان، وهو السؤال الذي يُحرج ويربك أصحاب المشاريع الإقليمية، خصوصاً «حزب الله»، الذي حسم موقفه مبكراً من الانتفاضة، بعد أن قطعت الانتفاضة الطريق على صيغة أعدّها لجمهورية تتلاءم مع ما يسميه فائض قوته وصعوده. لذلك لم يتردد أمينه العام حسن نصر الله في خطابه الأخير بالغمز من قناة 17 تشرين، التي وصفها بـ«أحداث تشرين»، واعتبر أنها كانت رهاناً إسرائيلياً. هذا الموقف هو مقدمة لمرحلة مقبلة شديدة الحساسية نتيجة اللاءات الداخلية التي رفعها «حزب الله»، المتعلقة بالوضع الاقتصادي، وشروط المجتمع الدولي، والقلق من أن هذه الشروط قد تطال سلاحه.
لا تملك الثنائية الشيعية أجوبة عن أسئلة اللبنانيين، وتزداد حيرتها مع تزايد الضغط على مشروعها، الذي فقد جاذبيته المحلية والخارجية نتيجة أعبائه المكلفة، ومن أجل حماية مشروعها انتقلت من الدفاع إلى الهجوم، وهو ما جاء على لسان المفتي الجعفري أحمد قبلان، الذي فاجأ اللبنانيين في خطبة عيد الفطر بنسفه 100 سنة من تاريخهم الحديث، عندما قال «أصل نشأة لبنان تمّ على أساس طائفي واستبدادي، بوظيفة خدمة المشروع الاستعماري والاحتكاري، وهذه الصيغة قد انتهت».
قدم قبلان نفسه كأنه يريد استعادة حق مهدور منذ 1943، والقضاء على مؤامرة كان الرئيسان بشارة الخوري ورياض الصلح طرفيها، ونفذاها ضد مكون لبناني عن سابق إصرار وترصد بحرمانه من حقوقه، وهو ما لا يتطابق مع رؤية السيد موسى الصدر، ولا مع وصايا الشيخ محمد مهدي شمس الدين، في العلاقة ما بين الشيعة والدولة، التي عبر عنها السيد هاني فحص في كتابه «الإمامان الصدر وشمس الدين ذاكرة لغدنا»، أنهما «أخذا على عاتقهما وأنجزا مشروع رؤية للبنان وللموقع الشيعي فيه، وعملا جهدهما على تحويل هذا المشروع إلى مسار عملي وعلائقي يعيد ترتيب الوعي الإسلامي الشيعي بلبنان متحرراً من جروح في الذاكرة، قريباً من صورة المستقبل الممكن والمأمول، مشروطاً بوعي مواز لدى المكونات الأخرى، بحيث يلتقي الجميع على الاعتدال والوسطية والنسبية».
صلابة الثنائية حاضرة في أدائها وتصرفاتها، تؤهلها لمعركة استباقية تَطرح فيها شروطها على الداخل والخارج، قبل أن تُطرح عليها. في مرحلة صعود قصوى لن تتكرر، تتعامل الثنائية مع الوقائع اللبنانية، باعتبارها فرصتها الأخيرة لإضفاء شرعية كاملة على ما تملكه من أدوات قوة قد تفقد وظيفتها نتيجة لمتغيرات إقليمية ودولية، تمهد لتسويات كبرى مؤلمة، لذلك بدأت هي التمهيد لمعركة الحفاظ على مكاسبها، ولا يستبعد أن يكون فيها السلاح مقابل الدستور.