سليم نصار/من قطع رأس الرئاسة في لبنان؟

301

من قطع رأس الرئاسة في لبنان؟

سليم نصار/الحياة

على رغم تجريد رئيس جمهورية لبنان في مؤتمر الطائف كل صلاحياته الإجرائية السابقة… إلا أن المطالبة بضرورة انتخابه تبقى في مقدم الأولويات. ومع أن رئيس الحكومة تمّام سلام هنأ الشعب بعيد الاستقلال، إلا أنه أكد في كلمته بأن الفرحة لن تكتمل إلا بانتخاب رئيس للجمهورية وعودة العسكريين المخطوفين. وهو من موقع المسؤولية لا يستطيع أن يتصور جمهورية من دون رئيس يمثل وحدة الوطن، ويحافظ على احترام الدستور ويضمن سلامة الاستقلال. وبسبب هذا الشعور، يرى المواطنون أن الشلل الإداري قد تسلل الى كل المؤسسات والأجهزة الرسمية، وأن خلافات الوزراء ليست سوى انعكاس طبيعي لغياب قاضي القضاة.

جماعة 14 آذار تتهم فريق 8 آذار بعرقلة مساعي النواب لأن «حزب الله» يرفض تكرار تجربة رئيس توافقي مثل ميشال سليمان. وحجّته أن الرئيس السابق دخل الى قصر بعبدا تحت شعار التوافق، ثم تحول تدريجياً الى رئيس لا يمثل كل شرائح المجتمع. من هنا إصرار قيادة «حزب الله» على اختيار رئيس غير توافقي مثل ميشال عون، يمكن أن ينقل البلاد الى موقع أكثر صلابة وشفافية وتنظيماً.

وبما أن ايران تتصرف مع العراق وسورية واليمن من موقع الدول التابعة لتوجيهاتها، فإن علاقتها الوثيقة بـ «حزب الله» تعفيه من دور التبعية. والسبب أن السيد حسن نصرالله يرتبط مباشرة بمكتب المرشد الأعلى الإمام علي خامنئي لأنه من معتنقي مرجعية ولاية الفقيه.

في ظل الارتباك الذي يعانيه نواب لبنان لحسم موضوع الرئاسة، تحولت عملية الاختيار في ايران الى مسألة سياسة داخلية بالغة الأهمية. وكان من الطبيعي أن تنعكس وجهات نظر المسؤولين على قرار انتقاء شخصية صديقة تطمئن طهران الى تحالفها.

العسكريون، وفي طليعتهم قاسم سليماني قائد «فيلق القدس»، إضافة الى قادة «الحرس الثوري»، يؤيدون «حزب الله» في موقفه المعلن على لسان الأمين العام السيد حسن نصرالله. وقد أعربوا عن رغبتهم في انتخاب العماد ميشال عون المدعوم من غالبية الشيعة، إضافة الى دعم الرئيس بشار الأسد ومساندة حلفائه في لبنان.

ولكن الفريق السياسي بقيادة الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، يفضل اختيار قائد الجيش جان قهوجي لمنصب الرئاسة، خصوصاً خلال هذه المرحلة الصعبة من تاريخ المنطقة.

وذكرت مصادر مطلعة في طهران أن انتقادات السياسيين لميشال عون ساهمت في تأخير موعد الانتخاب. وقد وصفته بأنه شخص يتعذر ضبطه أو التنبؤ بانفعالاته وتحالفاته. وهي صفات يعتبرها أنصاره، مثل وزير الاتصالات السابق نقولا صحناوي، بأنها شهادة لمصلحته. أي أنه مستقل في سلوكه السياسي ويتمتع بهامش واسع من حرية الرأي.

بيدَ أن الفريق السياسي الإيراني المعارض لاختيار العماد عون، يذكّر بأحداث أيلول (سبتمبر) 1988، يوم تولى عون رئاسة الحكومة الانتقالية في نهاية عهد الرئيس أمين الجميل. وقد ساعده في حينه على اتخاذ تلك الخطوة الدكتور سمير جعجع. وفي المقابل تشكلت حكومة أمر واقع برئاسة سليم الحص تشرف على المناطق الخاضعة للنفوذ السوري. وانقسمت الدول العربية في تعاطيها مع الحكومتين، بحيث أن سورية قاطعت حكومة عون ودعمت حكومة الحص. أما العراق فقد قاطع حكومة الحص، وساند حكومة عون.

واستناداً الى هذه الخلفية، ترى حكومة روحاني أن ماضي ميشال عون يؤكد تعاونه مع صدام حسين الذي حارب ايران بكل الوسائل المتاحة. والثابت أن عون تلقى في حينه حزمة صواريخ كهدية لاستخدامها ضد دمشق. لهذه الأسباب وسواها تردد في طهران أن السياسيين يميلون الى تزكية قائد الجيش جان قهوجي لمنصب الرئاسة. خصوصاً أنه يتولى قيادة جيش مؤلف من خمسين ألف جندي.

صحيح أن «حزب الله» لديه من العناصر المدربة أكثر من هذا العدد، الأمر الذي يؤهله للقيام بدور الجيش النظامي… ولكن الصحيح أيضاً أن المسيحيين والسنّة والدروز سيقاومونه في حال توليه هذه المهمة. بينما ترضى كل الطوائف بسلطة الجيش النظامي الذي يضم جنوداً من كل المناطق وكل المذاهب.

وبسبب الهبة السعودية، سيضطر جان قهوجي الى تجنيد عدد إضافي قادر على استيعاب الأسلحة المتطورة. وربما تلزمه الحاجة الى ضخ دم جديد في الجسم العسكري المترهل، وإلى إحياء قانون التجنيد الإجباري الذي ألغاه الرئيس آميل لحود.

ولكن، هل يرضى اللبنانيون بعودة عسكري الى الحكم، بعدما خبِر الجيل السابق تجاوزات المكتب الثاني التابع لسلطة اللواء فؤاد شهاب؟ وهل يطمئن النواب الى رئيس عسكري مثل آميل لحود، أمضى تسع سنوات من عهده في الاعتراض على مقررات حكومة رفيق الحريري؟ وهل تقبل جماعة 14 آذار بانتخاب قهوجي بعدما اتهمته بالانحياز الى «حزب الله»، والانفتاح على نظام الرئيس بشار الأسد؟

ولدى جماعة 14 آذار أدلة كثيرة على تعاون قهوجي المنحاز مع «حزب الله» بغرض كسب أصوات نوابه والنواب المؤيدين لخطه السياسي. ومن أبرز تلك الأدلة الأوامر التي أصدرها للجنود بضرورة اعتقال آلاف المقاتلين السنّة الذين يحاربون على الجبهة السورية ضد مقاتلي «حزب الله.» وهم في غالبيتهم ينتمون الى سنّة طرابلس وعكار. وربما دفعهم الى هذا المعترك التحدي الذي أعلنته قيادة «حزب الله» بأنها على استعداد لمحاربة خصومها ومنتقدي مشاركتها في الحرب الأهلية السورية… ولكن فوق الأرض السورية.

التطمين الآخر الذي زرعته واشنطن في صدر العماد قهوجي، جاء خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الى العاصمة الأميركية لحضور مؤتمر دول التحالف الساعية الى محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). وطالب قهوجي بضرورة زيادة المساعدات العسكرية من أجل محاربة التطرف، وضمان أمن الحدود، وتطبيق القرارات الدولية (1559-1701).

وحدث أثناء انعقاد المؤتمر، الذي استمر ثلاثة أيام، أن جدّد رئيس هيئة الأركان الأميركية مارتن ديمبسي تأكيده بأن واشنطن لن تدخل في لعبة تسمية رئيس جمهورية لبنان. وقال أيضاً إن الخيار يعود للبنانيين وحدهم، رغم الأهمية التي توليها واشنطن لاستعجال ملء الفراغ.

ومثل هذا الكلام المعسول لا ينطبق على واقع الحال في لبنان، لأن النواب فشلوا مرات عدة في انتخاب رئيس. لهذا السبب أعلن رئيس المجلس نبيه بري تأجيل الجلسة التالية الى العاشر من كانون الأول (ديسمبر). وفي ظنه أن انفراج العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران يمكن أن يسهّل ظروف الاتفاق على رئيس. وهذا ما أوحت به كتلة «المستقبل» خلال اجتماعها يوم الثلثاء الماضي برئاسة فؤاد السنيورة، وقد حدّدت في بيانها أخطار شغور الرئاسة، واعتبرت أن هذا الواقع المتمثل باندماج «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» سيؤدي الى مزيد من الارتباك والفوضى السياسية والأمنية.

حكومة تمام سلام أعربت عن قلقها من تداعيات المأزق الدستوري الذي سببه انشطار مجلس النواب العاجز عن انتخاب رئيس. لذلك قرّرت إلغاء العرض العسكري الذي يتم عادة بحضور الرؤساء الثلاثة وممثلي السلك الديبلوماسي. وقد أزعج هذا القرار الرئيس السابق ميشال سليمان الذي دعا الى انتخاب رئيس بالسرعة القصوى، مؤكداً أن لبنان لا يجوز أن يبقى «مقطوع الرأس». وطلب من النواب الخروج من الدائرة المفرغة، وانتخاب خلف له وفق اتفاق الطائف لا وفق قيود الطائفية.

ويبدو أن عزوف الحكومة عن الاحتفال بعيد الاستقلال أقلق وزير الخارجية جبران باسيل، الذي أوصى السفراء بضرورة إقامة حفلات الابتهاج لأن حضور لبنان أهم من غياب رئيس الجمهورية. وتحصَّن بالمنطق الذي يقول إن السفارات ظلت ناشطة خلال هذه المناسبة طوال سنوات الحرب.

المهم أن الوزير جبران باسيل خالف قرار الحكومة التي يشارك فيها لعل الظروف المقبلة تخدمه في حال بقيت الحظوظ مقفلة في وجه والد زوجته ميشال عون. كذلك يتوقع زعيم «المَرَدة» سليمان طوني فرنجية، أن يجيِّر له عون المساندة المطلوبة في الدورة المقبلة، خصوصاً أنه احترم علاقة التحالف التي تجمعهما ولم يغادر غرفة الانتظار.

أما الوزير السابق جان عبيد فقد ابتسم له الحظ إثر مقتل الرئيس رينيه معوض. ولكنه أعرَضَ عن قبول عرض سورية في حينه بانتظار مرور فترة انتقالية. وهو حالياً ينتظر تحرك داعميه الأساسيين نبيه بري ووليد جنبلاط، إضافة الى تأييد دول إقليمية التزمت مناصرته لدى العواصم الكبرى. وهذا ما دفعه الى التزام الصمت على أمل الانتقال من «قصر تربل» الى قصر بعبدا.