د. وليد فارس/استراتيجية أميركا للخروج من حفرة كورونا

75

استراتيجية أميركا للخروج من حفرة كورونا
د. وليد فارس/انديبندت عربية/07 نيسان/2020

الإدارة لم تتأخر عن تمكين المواطنين من الوقوف على أرجلهم لإعادة إنقاذ الاقتصاد.

يراقب العالم المؤتمرات الصحافية للرئيس الأميركي دونالد ترمب، إذ يطل يومياً مع فريق عمله المتنوع لإعلام الرأي العام الأميركي والدولي بالخطوات اليومية، وأحياناً بين ساعة وأخرى، لحماية المواطنين الأميركيين من فيروس كورونا المؤذي وإعلان البرامج التي تبلورها إدارته واللقاحات والأدوية المختلفة وصولاً إلى المعالجات الاقتصادية.

ويتساءل مراقبون من شتى أنحاء العالم عن قدرة الرئيس ترمب وإدارته في مواجهة إحدى أكبر الأزمات الطبية والمجتمعية التي واجهتها بلاده منذ قرن تقريباً منذ تفشي الحمى الإسبانية بعد الحرب العالمية الأولى ما بين 1918 و1920.

وقد سألني كثيرون في الصحافة الدولية والعربية كيف يمكن للرئيس الأميركي أن يُخرج بلاده من هذه الأزمة الحادة، على الرغم من صعوبة الموقف وتساقط الضحايا للوباء المنتشر وانعزال 333 مليون أميركي عن بعضهم بعضاً وتوقف عجلة الاقتصاد الأميركي. ويطرح بعض الصحافيين علامات استفهام حول قدرة الرئيس ترمب على توجيه الرأي العام الداخلي وفي الوقت نفسه معالجة الأزمات الخارجية. وينتقد بعض المحللين خارج الولايات المتحدة ما يصفونه بأنه تناقضات في التصريحات التي يدلي بها ترمب خلال مؤتمراته الصحافية. ما يعزز قناعتهم وقناعة المنتقدين بشكل عام بأن إدارته غير قادرة على إدارة الأزمة، وبالتالي فإن حظوظه بإعادة انتخابه في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل باتت قليلة.

في هذا المقال أرد على هذه النقاط وأبين أن عدم فهم الآلية التي يتحرك من خلالها الرئيس ترمب ومعايير الثقافة العامة والسياسية للشعب الأميركي يؤديان إلى عدم إدراك حقيقة ما يجري في الولايات المتحدة، على الرغم من الصورة الفظيعة التي تخرج عن الإعلام الأميركي المعارض لإدارته ويتلقفها الإعلام الدولي المنتقد لهذه الإدارة. مما يخلق صورة للوهلة الأولى بأن البلاد على حافة انهيار، بينما في الحقيقة وبناء على الوقائع، الأمور في اتجاه آخر سنبينه عبر النقاط الآتية.

في ضخامة ما يجري وخطورته: يجب الاعتراف بأن هذه الأزمة التي تواجهها أميركا ومعها أكثر من 120 دولة في العالم بما فيها قوى عظمى كالصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا، وقوى اقتصادية كبرى كالهند والبرازيل واليابان وكوريا الجنوبية، هي أزمة عالمية، ولكن باتت تشكل نوعاً من التسونامي الذي اجتاح دولاً عدة وضرب أقتصاداتها ومجتمعاتها، وقد وصل هذا التسونامي إلى الولايات المتحدة. ولأن أميركا هي دولة ديمقراطية منفتحة ليبرالية وآلية حكمها تمتاز بالشفافية الدستورية، فإن ما يجري فيها يذهب إلى أبعد الحدود من التفسيرات والتوضيحات فيظهر للعالم الخارجي ولا سيما الدول التي ترزح تحت أنظمة مقفلة أو منغلقة وكأن ضربة كورونا في أميركا أكبر وأهم من دول أخرى.

الواقع ليس كذلك، فإن ما يجري في أميركا هو بالضبط ما يجري في الأرقام والوصف والتعبير والضحايا. بينما ما يجري في الصين أو إيران أو روسيا أو دول أخرى لا يعبر بالفعل عما يجري بالفعل في تلك الدول للأسباب المعروفة، وبالتالي فإن المقارنة بين الزلزال الذي يضرب أميركا والزلازل التي تضرب الدول الأخرى فقدرة الولايات المتحدة وهي الأكبر في العالم تتكفل أولاً باستيعاب هذا الاجتياح وثانياً بإنقاذ ما يمكن إنقاذه وبعد ذلك الوقوف على رجلين قويتين للعودة إلى ما كانت عليه الأمور.

إن خطة إدارة الرئيس ترمب تتلخص في ما يلي: حماية المواطنين في كل الولايات، خصوصاً الأكثر تعرضاً، مثل نيويورك ونيوجيرسي واشنطن ولويزيانا وميشيغن وكاليفورنيا، كأولوية لتقليل أرقام المصابين. وبالتالي، انتشال الولايات المتحدة من نكبة كانت لتكون أعظم وأكبر لو لم يتخذ الرئيس ترمب قراراً بإقفال المطارات الأميركية أمام الرحلات الأتية من الصين في نهاية يناير (كانون الثاني). وهذا ما أنقذ أميركا من الضربة الأولى والقاصمة. ولو دخل مدنها ملايين الزوار الصينيين لكان الأمر مختلفاً كما يقول الرئيس ترمب.

إدارة ترمب تحارب على جبهات عدة بطريقة لم تتمكن أي دولة أخرى من إنجازها. وهذا يشمل تعبئة القطاع الخاص في الولايات المتحدة لإنتاج كل الحاجات الطبية في ظل تلكؤ الصين عن إرسال هكذا حاجات ضرورية للمعالجة، فدخلت هذه الشركات العظمى معترك الدفاع في أقل من شهر كما فعلت خلال الحرب العالمية الثانية عندما هاجمت اليابان أميركا ولم تكن جاهزة للمواجهة. هذه المرحلة يتم تكرارها الآن ويتم إنتاج ما تحتاج إليه هذه البلاد من آلات طبية ومواد لخط الدفاع الأول من أجل إنقاذ أكبر عدد ممكن من الأميركيين. وبالطبع، ستكون هنالك خسائر بشرية، ولكن هذه الخسائر لن تكون بالأرقام التي وضعها المتخصصون انطلاقاً من العملية الحسابية على الورق، وهذا ما سنراه في نهاية هذه الحلقة من الأزمة.
وتقوم إدارة ترمب بدفع مراكز الأبحاث والجامعات إلى إنتاج أدوية لمعالجة المرضى وبعد ذلك الإسراع في أيجاد اللقاحات من أجل التأكد من تمكين المواطن الأميركي والمقيمين على الأراضي الأميركية وحتى حلفاء أميركا وأصدقائها والعالم أجمع لتنمية قدرات جسدية للبشر في مواجهة هذا الفيروس القاتل.

على خط متواز، تقوم الإدارة بضخ أموال هائلة في المجتمع الأميركي لا سيما لمساعدة الذين خسروا أعمالهم، ولمدة أشهر من أجل إيجاد جسر مالي يساعد المواطن الأميركي لعبوره وصولاً إلى الشق الآخر حيث يعمل ترمب وفريق عمله على تنشيط الاقتصاد ولو أن المعركة ضد الفيروس لا تزال قائمة. وبالتالي، نحن نرى أن لا دولة أخرى تضاهي أميركا في قدراتها على مجابهة هذه الأخطار وحماية مواطنيها وتمكين الاقتصاد من الاستمرار وفي الوقت نفسه الاستمرار بمهماتها الأمنية والديبلوماسية عالمياً.

هنا، يجب الاعتراف بأن الإمكانات الكبيرة للولايات المتحدة قادرة على انتشال البلاد من هذه الحفرة التي أوقعها فيها كورونا، ولكن إذا كانت القرارات الاستراتيجية السريعة والمتوسطة صائبة ومنسقة ولها برنامج تنفيذي واضح.

وهذا ما يحاول أن يقوم به الرئيس ترمب في مؤتمراته الصحافية اليومية، وهو يعمل على جبهتين، جبهة الأمن الصحي الداخلي والأمن الاقتصادي المرادف له من ناحية أخرى. ولا يغفل عن معالجة التوازنات السياسية والأمنية والاقتصادية العالمية. وكل ذلك في الوقت نفسه الذي نراه يهتم بدقائق الأمور لملاحقة ما تحتاج إليه المستشفيات والمراكز الطبية والسوق الأميركي الغذائي من ناحية ومن ناحية أخرى يبقي على مراقبته للسوق العالمية والمعادلة النفطية حيث استطاع الرئيس ترمب في خضم مواجهته خطر كورونا الداخلي، التواصل مع القيادة السعودية من ناحية والقيادة الروسية من ناحية أخرى، في محاولة لتثبيت الاستقرار النفطي، وهو أمر يهم العالم أكثر مما يهم أميركا في هذه المرحلة بالذات. وفي الوقت نفسه، تقوم إدارته بتحذير النظام الإيراني بأن لا يلعب بالنار في العراق والخليج وأماكن أخرى من المنطقة لأن واشنطن على الرغم من التسونامي الصحي الداخلي لا تزال مستمرة في انتشارها في المنطقة أولاً حماية لاصدقائها وحلفائها ولا سيما في الخليج، ومن ناحية أخرى لردع النظام الإيراني وحلفائه ومليشياته في المنطقة. أضف إلى ذلك توجه القطع البحرية والجوية ومشاة البحرية إلى أميركا الوسطى والجنوبية من أجل ردع تحركات كارتيل المخدرات وردع نظام مادورو في فنزويلا محذراً إياه من الاستفادة من الأزمة الداخلية في أميركا للقيام باختراقات داخل البلاد من أجل تمرير تجارته في المخدرات.

هكذا، نرى أن إدارة ترمب تواجه هذا التحدي الداخلي الهائل وعدم الاستقرار الخارجي بإرادة فولاذية. ربما ينتقد بعض الأخصام الأداء الكلامي للرئيس في بعض المؤتمرات الصحافية إنما الأفعال على الأرض واضحة وحاسمة وستكون أمثولة لدول كثيرة في كيفية تلقي الدول الكبرى كالولايات المتحدة الضربات الجارحة من ناحية واستيعابها والخروج منها منتصرة ولو بخسائر كبيرة.

في النهاية، ستكون هناك ضحايا بالآلاف، ولكن ليس بالأعداد التي تصورها البعض، وهي كما قلنا أعداد حسابية تأخذ في الاعتبار إرادة المواطنين والالتزام بتعليمات دولتهم للخروج من الأزمة وسيتلقى المخزون المالي الأميركي ضربة كبرى بسبب هذه الكتل المالية الكبرى التي ضخها لمساعدة الأميركيين، ولكن هذه أيضاً ستكون أمثولة للعالم كيف أن الإدارة الأميركية لا تتأخر عن صرف ميزانيات لتمكين المواطنين من الوقوف على أرجلهم كي يقوموا هم بأنفسهم بإعادة إنقاذ الاقتصاد الذي لا يمكن إنقاذه إلا عبر مواطن متمكن. وهذا سر الخطة الاستراتيجية للرئيس، أي إنقاذ المواطن وتمكينه وفي الوقت نفسه الاستمرار في الثبات الأميركي في مواجهة الأخطار الخارجية. إذا أدرك المراقبون حقائق ما يجري في الداخل الأميركي من دون أن يتأثروا بالإعلام المعارض للإدارة، فبإمكانهم أن يفهموا ما ستؤول إليه الأوضاع في البلاد. أما إذا، وكما فعلوا في السابق، استمعوا إلى الإعلام المعارض فحسب، ستكون استنتاجاتهم خاطئة كما كانت في السنوات الثلاث الماضية مع التحديات التي واجهت الرئيس ترمب، من التحقيقات الروسية إلى محاولة عملية العزل إلى مواجهة قراراته في ما يتعلق بإيران. وما جرى هو أنه خرق هذه التحديات وخرج منها منتصراً بينما فقد المنتقدون صدقيتهم لأنهم لم يفهموا سر الداخل الأميركي.